خُطُورَةُ الـرِّبَــا كتبه أبو بكر خالد بن موسى بن رجا نواصره كان الله له
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
إلاَّ لمن أراد طبعه ونشره لله -تعالى-
الطبعة الأُولى
1430 هـ - 2009 م
الأردن - الرمثا
----------
أخي المسلم.. أختي المسلمة:
إذا أردتَِ أن يكون لك الأجر في الدنيا والآخرة...
فاطبع هذا الكتاب أو ساهم في طبعه ونشره.. فإنه من الصدقات الجارية.
قال الله -تعالى-:
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) )[البقرة:275-281]
المقدمة
إنّ الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضِّل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله د وعلى آله وصحبه، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.. آمين.
أمّا بعدُ:
فهذه ورقات مختصرات، قليلات مباركات، ذكرتُ فيها خطورة الرِّبا وأثرها السَّيئ على الأفراد والجماعات والمجتمعات، وما ينتج عنها من عقوبات وويلات في الدنيا والآخرة، قصدتُ بها وجه اللهِ -تعالى-، والنصيحة للمسلمين، فإنّ كثرة المال مُتعِبةٌ، كما أنّ قلته مُتعِبةٌ كذلك، والنفوس جبلت على محبة المال؛ كما قال الله: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[الفجر:20].
بل بلغ المال في نفوس بعض الخلق مبلغًا عظيمًا حتى عبدوه، قال رسول الله د: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرهم...» [رواه البخاري (2886)].
وعُبّاد الشهوات وأهلها في الدنيا هم أهل النار يوم القيامة -والعياذ بالله-، وحُبُّ المال من الفتن التي تُبتلى بها النفوس في هذه الدار، فإنّ العبدَ يُجاهد نفسه فيها ليسلم من فتن الشبهات والشهوات.
والمال من أعظم فتن الشهوات، كما قال د: «إنّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنةً، وفِتْنةُ أُمتي المالُ». [رواه الترمذي وحسّنه (2336)].
«فالعبدُ في هذه الدار مفتونٌ بشهواته، ونفسه الأمارة بالسُّوء، وشيطانهِ المُغوي المُزَيِّنِ، وقرنائه، وما يراه ويشاهده مما يعجز صبرُهُ عنه، ويتفقُ مع ذلك ضعفُ الإيمان واليقين، وضعفُ القلب، ومرارةُ الصبر، وذوقُ حلاوة العاجل، وميلُ النفس إلى زهرة الحياة الدنيا، وكونُ العوض مؤجلًا في دار أخرى غير هذه الدار التي خُلق فيها، وفيها نشأ، فهو مكلف بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طُلِبَ منه الإيمانُ به». (من كلام ابن القيم).
والمُنجي من هذه الفتنة -بإذن الله-: الإيمانُ بالله، وتعظيمُه، واتباعُ نبيه د في شأنه كله، وتركُ ما حرَّم الله، وإتيانُ ما أحلَّ الله، ودعاءُ الله وسؤالُه التثبيت والعافية، فإنّ قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن؛ يُقلِّبُها كيف يشاء. (من كلتاب «الفتنة وموقف المسلم منها»).
وأخيرًا: اقرأ بتأمل وتفهم بقصد الهداية والانتفاع...
واللهَ أسألُ أن يكون عملنا هذا -وكل أعمالنا- زادًا لحسن المصير إليه، والحمد لله ربِّ العالمين.
وكتبه
أبو بكر خالد بن موسى نواصره
في ليلة النصف من شهر ربيع الأول
سنة 1430 من هجرة النبي الأكرم د
في مدينة الرمثا
الرِّبا لغةً واصطلاحًا
! الرِّبا لغة:
مصدر قولهم: رَبَا يَرْبُو؛ إذا زادَ، وهو مأخوذٌ من مادَّةِ (ر ب و) والتي تدلُّ على الزيادةِ والنماءِ والعلوِ . [«مقاييس اللغة» (2/ 484)].
ومنه قوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)[الحج:5].
أي: اهتزت بأشجارها وعشبها، وربت، أي: زادت مزروعاتها.
وقال ابن منظور: «يُقالُ: رَبَا الشيءُ يربوُ رُبُوًَّا و رِبَاءً؛ أي: زاد ونما، وأرْبَيْتُهُ: نَمَّيتُهُ، ومنه أُخِذَ الرِّبا الحرامُ، وأَرْبَى الرّجُلُ: دخل في الرِّبا». [«لسان العرب» (3/ 1572)].
والرِّبا في المعاملة: هو الزيادة على رَأسِ المالِ.
! والرِّبا اصطلاحًا -أي: عند علماء الشريعة -:
قال التّهانَويُّ: «الرِّبا في الشرع هو عبارةٌ عن عقدٍ فاسدٍ؛ وإن لم تكن فيه زيادةٌ؛ لأنّ بيع الدّرْهَمِ بالدرهمِ نسيئةً (يعني: مؤجلًا) ربًا؛ وإنْ لم تتحقق فيه زيادةٌ».
وقال -أيضًا-: «وقيل: هو فَضْلٌ مَاليٌّ بلا عِوَضٍ في معاوضةِ مالٍ بمالٍ شُرِطَ لأِحَدِ المتعاقدين». [«كشاف اصطلاحات الفنون» (593)].
! الحلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ:
عن النعمان بن بشير ب قال: قال النبيُّ د: «الحلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ، ... أَلا وإنَّ في الجسدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كُلُّهُ، وإذا فسدتْ؛ فسدَ الجسدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ: القَلْبُ». [رواه البخاري (52)، ومسلم (1599) ].
قوله: «بَيِّنٌ»، أي: لا يحتاج إلى بيانه، ويشتركُ في معرفته كلُّ أحد.
وقوله: «أَلا وإنّ وفي الجسد مضغة...، أَلا وهي: القلب» خُصَّ القلبُ بذلكَ؛ لأنه أَميِرُ البَدَنِ، وبصلاحِ الأميرِ تصلحُ الرّعيةُ، وبفسادهِ تفسدُ.
وفيه تنبيه على تعظيم قَدْرِ القلبِ، والحث على صلاَحه.
والإشارة إلى أنّ لطيب الكسب أثرًا فيه([1])، وذلك أنّ القلبَ الذي غُذِيَ بالحلالِ قلبٌ بصيرٌ يعقلُ عن اللهِ مرادَهُ، بعكسِ القلبِ الذي يأكلُ الحرامَ؛ فهو أعمى عن إدراكِ أو فهمِ مرادِ الله في أوامره؛ لأنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وحاصل الأمر: أنّ الله -تعالى- أنزل على نبيه الكتاب، وبيّن فيه للأُمة ما تحتاجُ إليه من حلالٍ وحرامٍ؛ كما قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النحل: 89].
فَحُكْمُ الرِّبا بيِّنٌ لا يخفىٰ، وإليكَ مَزيِدُ بيان:
حُكْم الرِّبا
إنّ اللهَ -تعالى- حّرم الرِّبا تحريمًا أبدِيًّا قطعيًا، فلا يحل بحالٍ من الأحوال.
فقد أباح للمضطر أن يأكل الميتة أو لحم الخنزير؛ لدفع غائلة الموت، ولم يحل الرِّبا لأية ضرورة؛ كلُّ ذلك لطفًا بعباده المؤمنين، ورحمةً بهم.
! وتحريمُ الرِّبا ثابتٌ في الكتابِ، والسُّنَّةِ، والإجماع.
أمّا الكتاب؛ فمثل قولِ اللهِ -تعالى-: (...ﭪ ﭫ ﭬ)[البقرة:275].
وأمّا السُّنّة؛ فمن مثلِ قولِ جابرٍ: «لَعَنَ رسولُ اللهِ د آكِلَ الرِّبا، ومُوكِلَهُ، وكَاتِبَهُ، وشَاهِدَيْهِ، وقال: هُمْ سَوَاء» [رواه مسلم في «الصحيح» (1598)].
وأجمع المسلمون على تحريمه، وأنه من كبائر الذنوب.
قال النووي: «يستوي في تحريم الرِّبا الرجلُ، والمرأةُ، والعبد، والمكاتب بالإجماع.
ولا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب، فما كان حرامًا في الإسلام كان حرامًا في دار الحرب؛ سواء جرى بين مُسلِمَين، أو مسلم وحربي؛ سواء دخلها المسلم بأمان، أم بغيره.
هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وأحمد، وأبو يوسف، والجمهور...». «المجموع» (9/ 391).
إنّ الرِّبا -لفظاعة ظلمه، وبشاعة جريمته-: حرّمه الله -تعالى- على الأمم قبلنا، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[النساء:160-161].
شَرْحُ آيةِ تحريم الرِّبا
! وإلَيِكَ شَرْحُ آيةِ التَّحريمِ: (ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ)[البقرة:275]
قال الإمام ابن جرير الطبري: «يعني بقولِه: (ﭧ ﭨ ﭩ): وأَحَلَّ الأرباحَ في التجارةِ والشراءِ والبيعِ.
(ﭪ ﭫ ﭬ)، يَعني: الزِّيادَةَ التي يُزادُها ربُّ المالِ بسببِ زيادَتِه غريمَه في الأجلِ وتأخيره دَيْنَه عليه.
يقولُ -تعالى ذكرُه-: فليست الزيادتان اللتان إحْداهما: من وَجْهِ البيعِ، والأخْرَى: مِن وَجهِ تأخيرِ المالِ والزِّيادةِ في الأجلِ؛ سواءً، وذلكَ أنِّي حرَّمتُ إحدَى الزيادتين
- وهي التي من وَجْهِ تأخيرِ المالِ، والزَّيادةِ في الأجلِ-؛ وأحْلَلْتُ الأخرى منهما
- وهي التي مِن وَجْهِ الزيادةِ على رأسِ المالِ؛ الذي ابتاع به البائعُ سِلْعتَه التي يَبيعُها فيستفْضِلُ فضْلَها-.
فقال الله -جل ثناؤهُ- لهم: ليست الزيادةُ من وجهِ البيع نظيرَ الزيادةِ من وجه الرِّبا؛ لأني أحللتُ البيعَ وحرمتُ الربا، والأمرُ أمْري، والخلقُ خلْقي، أقضي فيهم ما أشاءُ، وأستعبدُهم بما أُريدُ، ليس لأحد منهم أن يعترض في حُكْمي، ولا أن يُخالفَ أمري، وإنما عليهم طاعتي والتسليمُ لحكمي.
ثم قال -جل ثناؤهُ-: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)، يعني بالموعظةِ: التذكرَ والتخويفَ الذي ذكَّرهم وخوَّفَهم به في آيِ القرآن، وأوعدَهُم على أكلهم الربا من العقاب.
يقولُ -جل ثناؤهُ-: فمن جاءه ذلك؛ (ﭲ) عن أكْلِ الرِّبا، وارتَدعَ عن العملِ به، و انزجَرَ عنه؛ (ﭳ ﭴ ﭵ)، يعني: ما أَكَلَ وأَخَذَ، فمضى قبل مجيء الموعظةِ والتحريمِ من ربِّه في ذلك.
(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)، يعني: وأَمْرُ آكلِه إلى اللهِ بعد مَجيئهِ الموعظةُ من ربِّه والتحريمُ، وبعدَ انتهاءِ آكلِهِ عن أَكْلِه.
(ﭷ ﭸ ﭹ) في عِصْمتهِ وتوفيقه، إن شاءَ عصَمه عن أكْلهِ، وثَبتَّهَ في انتهائه عنه، وإن شاء خذله عن ذلك.
(ﭺ ﭻ)، يقولُ: ومن عادَ لأكل الربا بعد التحريم، وقال ما كان يقولهُ قبل مجيءِ الموعظةِ من اللهِ بالتحريمِ من قوله: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)، (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ): ففاعِلُو ذلك وقائِلوه هم أهلُ النار، يعني: نارَ جهنم.
(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)، يعني: دائمو البقاءِ فيها، لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها.
وبنحوِ ما قُلْنا في ذلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ (يعني: التفسير)» ا. هـ
قلتُ: يخلدُ في الّنارِ خُلودًا أبديًّا إذا كانَ مُستحلًا للحرام ِ استحلالًا قَلْبيًّا، جاعلًا إياه مَمَّا أَحَلَّهُ اللهُ، أو مِثْلَهُ سواء.
وإن لم يفعله استحلالًا قلبيًّا؛ بل معتقدًا حرمته؛ ومع ذلك تَعَمَّدَ العصيان؛ فهو مرتكبٌ لكبيرةٍ من أكبر الكبائرِ وأغلظِها وأفحشِها، توجبُ عليه المكثَ الطويلَ -الذي عُبِّرَ عنه بالخلودِ- في نارِ جهنمَ؛ حتى يَطْهُرَ من ذنبه، ثم يخرج إلى الجنة؛ إن لم تدركه رحمةُ ربِّ العالمين بشفاعة أحدِ الشافعين، أو بتوبة نصوح
-بشروطها المعتبرة- يقبلها الله منه.
وهذا التفسيرُ هو الصحيحُ في توجيهِ الآية لا غيره؛ للأحاديثِ المتواترةِ عن النبيِّ د القاضيةِ بخروج عصاةِ الموحدينَ من النّار بعدَ دخولهم.
فهل ترضى لنفسكَ -أخي المسلم- أن تَدخلَ النَّارَ مِنْ أَجْلِ لَذَّةٍ فانيةٍ،
وعَرَضٍ زائِلٍ، قال اللهُ -تعالى-: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[النساء:77].
واقرأْ وَصِيَّةَ الرَّسُولِ آخرَ حياتِهِ:
الإسلامُ يُبْطِلُ الرِّبا:
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ ب قال: إنَّ رسولَ اللهِ د خَطَبَ الناسَ في حجةِ الوداعِ؛ وقال: «إنّ دِمَاَءكُم وأَمْوَالَكُم حَرَامٌ عَلَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُم هذا، في بَلَدِكُم هذا، أَلاَ كُلُّ شيءٍ من أَمْرِ الجاهليّةِ تَحْتَ قَدَمَّي مَوْضوعٌ... وربا الجاهليّةِ موضوعٌ... فإنّه موضوعٌ كُلُّهُ...». [رواه مسلم (1218)، وغيره].
قال النووي z: «في هذهِ الجملةِ: إبطالُ أفعالِ الجاهليةِ وبيوعها التي لم يتصل بها قبض.
وقوله: «إنّهُ مُوضوعٌ كُلُّهُ» معناه: الزائد على رأس المالِ؛ كما قال اللهُ -تعالى-: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[البقرة:279].
وهذا الذي ذكرتُهُ إيضاحٌ، وإلاّ فالمقصودُ مفهومٌ من نَفْسِ لفظِ الحديث؛ لأنّ الربا هو الزيادة، فإذا وضع الربا؛ فمعناه: وضع الزيادة، والمراد بالوضع: الرد والإبطال» ا. هـ [من «شرح صحيح مسلم»].
قلت: هذا فيما بقي من مالٍ على الآخذِ، فيضع المعطي الزائدَ، وأمّا ما مضى وانقضى؛ فقد قال ربنا: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ)، أي: إنْ تابَ، (ﰆ ﰇ) بعد التحريم (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ)[المائدة:95].
وبَدَأ النبيُّ د بِعَمِّهِ وأَخَصِّ النّاسِ به، وهذا من سُنَنِ العدلِ للإمام أنْ يُفيِضَ العدلَ على نَفْسِهِ وخاصّتِهِ، فَيَسْتَفيِضُ حِينَئِذٍ في النّاسِ.
حُكْمُ الرِّبا عِندَ الأُمَمِ الأُخرى:
«وأكتفي ببيانِ نظرةِ الإغريقِ واليهودِ والنصارى إلى الرِّبا:
1- الرِّبا عند الإغريق:
لقد سَلِمَ الإغريقُ القدماءُ من وباءِ الرِّبا، فصولون الذي وضعَ قانونَ «أَثِينا القَدِيم» نهى عنه، وأَرِسْطُو الفَيْلَسُوف ذمَّ الفائدةَ بكلمات بالغةِ القوةِ، واعتبرَ الفائدةَ
-أيًّا كانَ مقدارها- كسبًا غير طبيعي؛ لأنّ مُؤداها أن يكونَ النّقدُ وحده منتجًا غلّة من غير أن يشترك صاحبهُ في أيِّ عمل، أو يحتمل أيّ تبعة.
ومِنَ كلامهِ في هذا: «أنّ النقدَ لا يُوَلِدُ النّقدَ»، وشَبَّهَ النقدَ بدجاجةٍ عاقر لا تبيض.
والغرضُ الأوحدُ من استخدامِ المالِ عند أرسطو هو: تسهيلُ التبادلِ، وإشباعُ الاحتياجاتِ البشريةِ، ولا يجوز عندهُ استخدام المال مصدرًا للتزايدِ، أي: الازدياد بالفائدة» ا. هـ
2- الرِّبا عند اليهود:
لقد حَرَّفَ اليهودُ النصَّ المحرم للرِّبا؛ حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أمّا معاملةُ اليهودي لغير اليهودي بالرِّبا؛ فجعلوه جائزًا، لا بأس فيه!
جاء في التوراة المُحرفة في (سِفْرِ تثنيةِ الاشتراع) النّص التالي: «لا تقرض أخاك بربًا في فضة، أو شيء آخر مما يقرض بربًا، بل الأجنبي إياه تقرض بربًا، وأخاكَ لا تقرض بربًا».
واعتمد ربانيوهم وأحبارهم هذا النص، وبنوا عليه، فأوجبوا إقراض غير اليهودي بالرِّبا، فقد جاء في التِّلمود:«إنّ موسى يُعَلِّم صراحة:أقرض الأجنبي بالرِّبا».
وجاء فيه -أيضًا-: «يمكنك أن تغش الغريب، وتدينه بالرِّبا الفاحش، ولكن إذا بعتَ أو اشتريتَ شيئًا لقريبكَ اليهودي؛ فلا يجوزُ أن تُراوغه وتُساومه».
قلتُ: ولمعرفة المزيد من خطط اليهود في إفساد العالَـم -دينيًّا، وخلقيًّا، واقتصاديًّا، وغيرها-؛ انظر كتاب: «بروتوكولات حكماء صهيون»، في البروتوكول العشرين وما بعده في الكلام عن المال والرِّبا، ومنها:
قولهم: «نريدُ خلقَ أزمةٍ اقتصاديةٍ عالمَيةٍ بكلِ الوسائلِ الممكنةِ، وبمساعدةِ الذّهبِ؛ الذي هو -كلّه- في أيدينا»!!!
3- الرِّبا عند النصارى:
شَنَّعَ الإنجيلُ على الذين يأكلون الرِّبا، ومما جاء فيه: «إنّ الذي يأكلُ الرِّبا إذا ماتَ لا يستحقُ التكفين»!!
وقد حاربت الكنيسةُ الرِّبا، وشَنَّتْ الحربَ على الذين يتعاملون به، وكان منطلق رجال الدِّين النصارى في تحريمهم للرِّبا مُنْطَلَقًا دينيًّا.
ومن أشهر الذين تعرضوا للفائدة وحرمتها في القرون الوسطى «سان توماس الأكويني»، وكان يقول: «إن الفائدةَ إذا كانت تُدفع في نظير الزَّمَنِ؛ الذي يتنازلُ صاحبُ النُّقودِ عنها خلاله؛ فإنّها تكون غير مشروعة من هذه النّاحية كذلك؛ لأنّ الزَّمَنَ ملكٌ للهِ، ولا يجوزُ أن يحصلَ المقرضون على ثمن لشيء هو ملكٌ اللهِ، وليس ملكًا لهم»!!!
ولم يَسْتَقِم أَمْرُ النصارى، بل ضلوا كما ضَلّ اليهودُ من قبل، فأخذوا يحتالون على أكلِ الرِّبا وحرّفوا كما حَرَفَ اليهودُ -عليهم لعائنُ اللهِ إلى يومِ الدِّين-.
وبلغ انتشارُ الرِّبا حَدًّا جعل «إنوسنت الثالث» يجهرُ ويقولُ في عام (1208م) بأنه لو طُرِدَ جميعُ المرابين من الكنيسةِ -كما يتطلب ذلك القانون الكَنَسِي- لوجب إغلاق الكنائس جميعها»!! من كتاب «الرِّبا» للأشقر، باختصار وتصرف يسير.
قلتُ (أبو بكر): ثبت عن نبينا د قوله: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قَبْلَكُم شِبْرًا بِشِبْرٍ وذراعًا بذراعٍ، حتى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُموُهُ»، قلنا: يا رسولَ اللهِ! اليهودُ والنصارى؟ قال: «فَمَنْ؟!». [رواه البخاري (3456)، ومسلم (2669)].
فقد انتشرَ الرِّبا في بلادِ المسلمين وحياتهم ، وإنّكَ لَـتَجِدُ مَنْ يُنافسون غيرهم في خَتْم القرآنِ، وعلى الصفوفِ الأُولى في المساجدِ، والحرص على الحجِّ والعمرة في كل عام، وهم من أجرإ النّاس وأسرعهم وُقُوعًا في الرِّبا والحرام! وإنّا لله وإنّا إليه راجعون!
القُرآنُ بَدَلًا مِنَ الكُتُبِ المُحَرَّفَةِ:
لقد علمتَِ أنّ اليهود والنصارى حَرَّفُوا الكُتُبَ السماويةَ التي نزلت إليهم، وكذبوا على اللهِ وعلى رُسُولِهِ -كما نقلنا بعضًا منها من التلمود-، ووقعت الأزمة العالمية الأولى في مطلع هذا القرن الجديد، وفي عَقْدِه الأول، وعادت من جديد بعض الأصوات -من غير المسلمين- يطالبون بتطبيق نظام الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي كحل أوحد للخروج من المأزق الحالي -كما وقع في السابق-.
ومِنْ ذلك ما وردَ على لسان رئيس تحرير مجلة «تحديات» الفرنسية تحت عنوان: (البابا أو القرآن)؟ تساءل فيها عن الـ «لا أخلاقية الرأسمالية»، هل الرأسمالية نظام أخلاقي؟
وركز في ذلك على دور المسيحية -كديانة- وتبريرها للفائدة، وتسائل الكاتب بأسلوب يقترب من التَّهَكُمِ ومُسْتَسْمِحًا البابا (بندكت) السادس عشر، قائلًا: أظنُ أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلًا من الإنجيل؛ لفهم ما يحدث لنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها؛ ما حَلَّ بنا ما حَلَّ من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأنّ النُّقود لا تلد النُّقود» ا. هـ
وأزيدكَ -أيها القارئُ الكريم- من كلامهم:
منذُ عَقْدَيْنِ من الزَّمنِ تَطَرَّقَ الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نُوبِلْ في الاقتصاد «موريس آلي» إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدُها الاقتصاد العالمَي اليوم بقيادة «العلمانية المتوحشة»، معتبرًا أنّ الوضع على حافة بُركان، ومُهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة)، وقد وقع -كما أخبر-، ولم يسمعوا له، ولم يستفيدوا منه!
«واقترحَ للخروجِ من الأزمةِ، وإعادة التوازن شرطين، هما: تعديل معدل الفائدة (وهي: الزيادة المحرمة) إلى حدود الصِّفْرِ، ومراجعة معدل الضَّريبة إلى ما يُقارب (2%)، وهو ما يتطابق -تمامًا- مع إلغاء الرِّبا، ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي».
قلتُ: نعم، هذا الانهيار أمر طبيعي من سنن اللهِ الكونية؛ لأنّ التشريع إذا كان من الخلق؛ فإنه سيقع حتما في التناقض والاختلاف، والله يقول: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[النساء:82].
ومهما حاولوا إعادة هيكلة «اقتصادهم الحُر» ليكون «اقتصادًا مُنظمًا»، فإنه لن يكون أبدًا بمستوى «الاقتصاد المُنظم من عند اللهِ الخالق» (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[المُلك:14].
مِنْ نِدَاءاتِ الرحمنِ لأَهلِ إِلايمانِ:
1- قال اللهُ -تعالى-: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)[البقرة:278].
هذا النصُ القرآني أحدُ نداءاتِ الرحمنِ لأهل ِ الإيمانِ، وقد قال ابن مسعود ا: إذا سمعتَ اللهَ يقولُ: (ﮥ ﮦ ﮧ)؛ فأرعها (أي: أعطها) سمعكَ، إمّا خيرٌ يَأْمُرُكَ بِهِ، أو يُرشِدُكَ إليه، وإمّا شرٌ ينهاك عنه.
قال الحافظ ابنُ كثير z: «يقولُ تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، ناهيًا لهم عما يقربهم إلى سخطه، ويبعدهم عن رضاه، فقال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)، أي: خافوه وراقبوه فيما تفعلون، (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)، أي: اتركوا مالكم على الناس من الزيادةِ على رؤوسِ الأموالِ بعد هذا الإنذار، (ﮯ ﮰ ﮱ)، أي: بما شرعَ اللهُ لكم من تحليلِ البيعِ، وتحريمِ الربا، وغير ذلك».
فالله -تعالى- خاطبهم بالإيمان، ونهاهم عن أكل الربا إن كانوا مؤمنين، وهؤلاء هم الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لأمره.
فمن اتعظ؛ عفا الله عنه ما سلف، وأمّا من لم ينزجر بموعظة الله، ولم يقبل نصيحته؛ فيُقال له -ولأمثاله-:
2- قال اللهُ -تعالى-: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)[آل عمران:130].
قال ابن كثير: «يقولُ اللهُ -تعالى- ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الرِّبا وأكله أضعافًا مضاعفة؛ كما كانوا في الجاهلية، يقولون إذا حَلَّ أجلُ الدَّين: إمّا أن تقضي (أي: تدفع ما عليك)، وإمّا أن تُربي.
فإن قضاه؛ والإّ زاده في المدة، وزاده الآخر في القدر (الذي عليه)، وهكذا كل عام، فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرًا مضاعفًا.
وأمر تعالى عباده بالتقوى؛ لعلهم يفلحون في الأولى والآخرة؛ ثم توعدهم بالنار، وحذرهم منها، فقال: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)[آل عمران:131، 132] ». ا. هـ
شُبهةٌ وردُها حولَ الآية:
قالَ بعضُ الجهلة من المرابين: إنّ هذه الآية تدلُ على حُرمة الكثير من الرِّبا؛ دون القليل منه؟!
والرّدُ عليهم من وجوه:
الأول: أنّ هذه الآية خرجت مخرج ما اعتاده أهل ذلك العصر؛ لا أنها قَيْدٌ للرِّبا.
الثاني: أنّ نصوصَ القرآن التي جاءت في سُورة البقرة واضحة بينة في تحريم الكثير والقليل.
الثالث: أنّ الأحاديث الصحيحة مُفسرة للقرآن، وقد جاءت نصوص السُّنة بتحريم القليل والكثير، وجعله مِن كبائر الذنوب.
الرابع: أنّ الإجماع قد انعقد على تحريم القليل والكثير سواء.
الخامس: إنّ فقهاء الإسلام -على مَرِّ العصور- لم يُفرقوا بين القليل والكثير في التحريم.
فالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية، وفهم العلماء الفقهاء حجة قاطعة لشبهة هؤلاء المرابين المتلاعبين بدينهم، والله المستعان.
هل ضلت الأُمة الإسلامية عبر القرون المديدة عن فهم هذا النص؛ حتى جاء آكلوا أموال الناس بالباطل يُعرفوننا معاني كلام الله في كتابه؟!
إنّ هذا الزعم تجهيل للأُمة، وتضليل لها، ومنافٍ للحديث الذي يُخبرُ فيه
الرسول د بأنّ الأُمة معصومة من الإجماع على ضلالة.
و الحقيقة أنهم يحتالون ويخادعون!!
قال أيوب السِّختياني: إنهم يخادعون الله، كأنما يخادعون صَبِيًّا، لو كانوا يأتون الأمر على وجهه؛ كان أسهل عليَّ؟!
شُبْهَةٌ أُخرَى، وَالرَّدُ عليها:
«قولهم: إنّ الحياة البشرية لا تتقدم بدون الرِّبا، فهو ضروري للنمو الاقتصادي والعمراني.
والجواب: إنّ من أوضح الحقائق الراسخة في هذا الأمر أنّه: من المُحال عَقَدِيًّا -أي: الذي لا يجوز أن يعتقده المسلمُ- أن يُحَرِّم اللهُ أمرًا لا تقوم الحياة البشرية ولا تتقدم بدونه! كما أنّ من المُحال عقديًّا -كذلك- أن يكون هناك أمرٌ خبيثٌ؛ ويكون مع ذلك حتميًّا لقيام الحياة وتقدمها!!
ذلك أنّ اللهَ -سبحانه- هو خالق هذه الأرض، وهو الذي استخلف الإنسان فيها، وهو الآمر بتنميتها وتغطيتها، وهو المُريد لهذا كله، والموفق إليه، فمن المُحال -إذن- أن يكون فيما حَرَّمهُ شيئًا لا تقوم الحياة البشرية، ولا تتقدم بدونه.
ومن المُحال -أيضًا-: أن يكون هناك شيءٌ خبيث هو حتميٌ لقيام الحياة ورُقيِّها، وإنما هو سُوء التَّصور، وسُوء الفهم، والدِّعاية المسمومة الطاغية؛ التي دأبت أجيالٌ على بث فكرة: أنّ الربا ضرورة للنمو والاقتصاد العمراني.
وصعوبة تصور قيام الحياة على أساسٍ أخر، وهي صعوبة تنشأ أولًا: من عدم الإيمان، أو ضعفه.
كما تنشأ ثانيًا: من ضعف التفكير، وعجزه عن التحرر من ذلك الوهم؛ الذي سيطر على العقول أزمانًا طوالًا». [من كلام الشيخ أُسامة بن عبد الله خياط].
كَيْفَ يُبْعَثُ آكِلُ الرِّبا؟
قال اللهُ -تعالى-: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[البقرة:275].
إنّ النّاسَ يُبعثونَ ويُخرجونَ من قُبورهم سِرَاَعًا؛ إلاّ آكِلُ الرِّبا، فإنّ الرِّبا يربو في بطنه؛ فيريدُ الإسْرَاعَ فيسقطُ، فيصيرُ بمنزلةِ المتخبطِ من الخَبَلِ والجُنُونِ!
قال الطبري z: «الذين يُرْبونَ الرِّبا في الدُّنيا (ﭔ ﭕ) في الآخرة من قبورهم (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)، يعني بذلك: يَتَخَبَّلُه الشّيطانُ في الدنيا، وهو الذي يَتَخَنَّقُه فيصرَعُه (ﭜ ﭝ)، يعني: من الجُنُونِ.
وبمثلِ ما قلنا قالَ أهلُ التأويلِ (أي: التفسير)».
وقال ابن كثير z: «فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم، وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم؛ أنهم لا يقومون إلاّ كما يقوم المصروعُ حالَ صَرَعِهِ، وتخبطِ الشّيطانِ له، وذلك أنّه يقومُ قيامًا مُنْكَرًَا.
وفي هذهِ الآيةِ دليلٌ على فسادِ إنكارِ الصّرَعِ مِنْ جِهَةِ الجِنِّ، وزعم أنّهُ مِنْ فِعْلِ الطّبائعِ، وأنَّ الشّيطانَ لا يسلكُ في الإنسانِ ولا يكونُ منهُ مَسٌّ.قاله القُرْطُبيِ».
قلت: يؤيدُ هذا التفسير ما بعده.
ذَنْبٌ لا يُغْفَرُ:
عن عوفِ بن مالكٍ ا قال: قال رسولُ اللهِ د: «إيّاكَ والذَّنُوبَ التي لا تُغْفَرُ؛ الغُلُولُ، فمن غَلَّ شيئًا؛ أتى به يَوْمَ القيامةِ، وأَكْلُ الرِّبا، فمن أَكَلَ الرِّبا؛ بُعِثَ يومَ القيامةِ مجنونًا يَتَخَبَّطُ»، ثم قَرَأَ: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[البقرة:275]». [رواه الطبراني، وحسّنه الألباني].
وهذا من أبلغِ الأحاديثِ الرّادعة عن التعاملِ بالرِّبا، ذَنبٌ لا يُغْفَرُ؛ ما دامَ صاحبُهُ مُسْتَمِرًا على التعاملِ به حتى يتركه؛ ويتوب توبة صادقة بشروطها المعتبرة، والتي يأتي ذكرها تحت عنوان: باب التوبة مفتوح، وما بعده.
وفيه تفسيرٌ للآيةِ السابقةِ، وبيانُ مُسْتَنَدِ العلماءِ في تفسيرهم لها.
قال الألوسي: «واعتقاد ُ السّلفِ وأهلُ السُّنَّةِ: أنَّ ما دَلَّتْ عليه [هذه الآيةُ] أمور حقيقية واقعية؛ كما أخبر الشّرعُ عنها.
والتزامُ تأويلها -كلها- يستلزمُ خبطًا طويلًا، لا يميلُ إليهِ إلا المعتزلةُ ومن حَذَا حَذْوَهُم، وبذلكَ ونحوهِ خرجوا عن قواعدِ الشرعِ القويم، فاحذروهم!
وتلبيسُ الشّيطانِ للإنسانِ وصرعه كالمشاهدِ المحسوسِ، الذي يُعَدُ مُنْكِرَهُ مُكَابِرًا مُنْكِرًا للمشاهدات. [«روح المعاني» (1 / 67 - 68)].
و«الغُلُولُ»: الخيانة من الغَنيمةِ قَبْلَ قِسْمَتها، وقيل: الخيانة مطلقًا، أيُّ خِيَانَةٍ.
عَاَقِبَتُهُ المَحْقُ والقِلَّةُ:
قال اللهُ -تعالى-: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ)[البقرة:276].
قال ابن كثير z: «يخبر اللهُ -تعالى- أنه يمحق الرِّبا، أي: يُذهبه؛ إمّا بأن يُذهبه بالكليةِ من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به.
بل يعذبه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)[المائدة:100]، وقال: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)[الأنفال: 37]، وقال: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[الروم:39]». ا. هـ
وهذا نظير قول النبيِّ د: «ما أَحَدٌ أكَثَرَ من الرِّبا إلاّ كانَ عاقِبةُ أمْرهِ إلى قِلّةٍ». [رواه ابن ماجه (2279)، وغيره، وقال الألباني: «صحيح »].
قوله: «قِلَّة»، أي: أنه وإن كان زيادة في المال عاجلًا؛ فإنه يؤول إلى نقص.
وليس هذا فقط، بل لا يُوَفَّق في عمله، وبيته، وحياته، وصحته، ويكون زادًا له إلى النار -عِياذًا بالله-.
وفي الحديث عنه د قال: «كلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحتٍ فالنارُ أَولى به». [رواه أحمد، وقال الألباني: «صحيح»].
«وقوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ)[البقرة:276]، أي: يُنمّيها، وينزل البركة في المال الذي أخرجت منه، وينمِّي أجر صاحبها.
وهذا لأنَّ الجزاء من جنس العمل، فإنّ المُرابي قد ظَلم الناسَ، وأخذَ أموالهم على وجه غير شرعي؛ فجوزي بذهاب ماله.
والمحسن إليهم بأنواع الإحسان؛ ربه أكرم منه، فَيُحْسِنُ عليه كما أحسنَ على عباده» قاله السعدي.
قُلْتُ: وقد وردت أحاديث صحيحة مستفيضة في فضل الصّدقةِ؛ حتى اليسير كاللقمة من الطعام -إن خرجت من كسبٍ طيبٍ، وبنفسٍ طيبةٍ؛ رجاَء الثّوابِ- تصير عند اللهِ في الميزانِ كأمثالِ الجبالِ، وهذا فضلُ اللهِ الكبيرِ المتعال.
«وقوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[البقرة:276]، أي: لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل.
ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي:
أنّ المرابي لا يرضى بما قسم اللهُ له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة!
فهو جَحودٌ لما عليه من النعمة، ظَلومٌ آثم بأكل أموال الناس بالباطل» قاله ابن كثير.
وفيها تشديد وتغليظ عظيم على مَنْ أربى؛ حيث وصفه بـ (ﮎ ﮏ)؛ للمبالغة في غَيِّهِ وظُلمهِ وإثمهِ.
قال القاشاني: «(ﮄ ﮅ ﮆ)[البقرة:276]؛ لأنَّ الزيادةَ والنقصانَ إنما يكونانِ باعتبارِ العاقبة، والنفع في الدارين.
والمالُ الحاصلُ من الرِّبا لا بركةَ له؛ لأنه حصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبتهُ وخيمة، وصاحبه يرتكب سائر المعاصي، إذ كل طعام يُوَلِدُّ في آكله دواعي وأفعالًا من جنسه، فإن كان حرامًا يدعوهُ إلى أفعال محرمة...
فعليه إثم الرِّبا، وآثار أفعاله المحرمة المتولدة من أكله، فتزداد عقوباته وآثامه أبدًا، ويتلف الله ماله في الدنيا، فلا ينتفع به أعقابه وأولاده، فيكون ممن خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الَـمْحُق الكُلِّيّ». [نقلًا عن «تفسير القاسمي»].
وليسَ هذا فقط، بل أعظم منه:
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ:
قال اللهُ -تعالى-: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[البقرة:279].
وهذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ أكيدٌ لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار.
عن ابن عباس ب قال: يُقال يوم القيامة لآكل الرِّبا: خذ سلاحَكَ للحرب.
قلت: أي: خذ سلاحك، وقم حارب رَبَّكَ، أو بارزه!!!
إنّه محارب لربه، وهو عاجزٌ ضعيفٌ ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم؛ الذي يُمْلي للظالم ويُمْهِله، حتى إذا أخذه؛ أخذه أخذ عزيز مقتدر.
وتنكيرُ الحربِ للتعظيمِ، وزادها تعظيمًا نسبتها إلى اسم الله الأعظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته.
ومن حاربه الله ورسوله لا يُفلح أبدًا، وفيه إيماء إلى سوء الخاتمة؛ إنْ دام على أكله للرِّبا.
فها هي الحربُ معلنة من اللهِ على أكلةِ الرِّبا.
وحربُ اللهِ لا يلزم أن يكون فيها طير أبابيل، ولا حجارة مِنَ سجيل، وإنما حرب الله على المرابين:
حربٌ على الأعصاب.. حربٌ على الرخاء والبركة.. حربٌ على الأمن والأمان.. حرب على الصحةِ والعافيةِ!
حربٌ تذيق المرابين لباس الجوع والخوف، والرعب، والقلق، والاضطراب، حتى إنّ أحدهم إذا قام تخبط تخبط الممسوس!
وحرب على النوم، لا تغمض له عين، ولا يتمتع بفراش، وإذا نام تسلطت عليه الشياطين، وإذا استيقظ تسلط عليه الرُعب والذعر!
حرب على راحة الضمير، فهو قلقٌ في نومه، مضطرب في يقظته، فلا نوم، ولا راحة وإنما فزع وقلق وذعر واضطراب!
حرب على هدوء البال، لا يهدأ له بال، ولا يقر له قرار، ولا يهنأ بلقمة عيش، ولا يستمتع بلذة، وأمراض خطيرة أودت بحياة الكثير من أكلة الرِّبا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[البقرة:275]، وحتى تكون حياته -كلها- جحيمًا؛ كما قال الله: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)[طه:124].
وما زالَ وعدُ اللهِ قائمًا: (ﮄ ﮅ ﮆ)[البقرة:276]. [ «الأربعون المنبرية 69و328 و337»].
خاتمةُ الآياتِ:
قال المَلِكُ العَدْلُ الحَكَمُ -سبحانه-: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ)[البقرة:281].
عن ابن عباس ب قال: «آخرُ آيةٍ نزلت على النبيِّ د آيةُ الرِّبا». [رواه البخاري (4544)، وزاد الطبري وغيره الآية المذكورة].
قوله: (ﯸ ﯹ)، هو: يوم القيامة، وتنكيره للتهويل.
فهذه الآيةُ هي ختام الآيات المنزلة في الرِّبا، إذ هي معطوفة عليهن.
قال ابن كثير z: «يَعِظُ اللهُ -تعالى- عبادَهُ، ويذكرهم زوالَ الدّنيا، وفناء ما فيها من الأموالِ وغيرها، وإتيانَ الآخرةِ والرجوع إليه تعالى، ومحاسبته خلقه على ما عملوا، مجازاته إياهم بما كسبوا من خيرٍ وشرٍ.
ويحذرهم عقوبته، فقال: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ...)» ا. هـ
وقال السّعدي: «وهذه الآيةُ من آخرِ ما نَزَلَ من القرآنِ، وجعلتْ خاتمة لهذه الأحكام والأوامر والنواهي؛ لأنّ فيها الوعد على الخير، والوعيد على فعل الشّرِ، وأنّ من عَلِمَ أنّه راجعٌ إلى اللهِ؛ فمجازيه على الصغيرِ، والكبيرِ، والجليِّ، والخفيِّ، وأنَّ اللهَ لا يظلمهُ مثقالَ ذرَّةٍ؛ أَوْجَبَ لَهُ الرَّغبة والرَّهبة». ا. هـ
مِنْ آخِرِ الآياتِ نُزُولًا:
عن عائشة ل قالت: «لـمّا أُنزلت الآياتُ من آخرِ سورةِ البقرة في الرِّبا، خرجَ النبيُّ د إلى المسجدِ فَقَرَأْهُنَّ على النّاسِ...». [رواه البخاري (459)، و مسلم (1580)].
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ z: «المرادُ بالآخريةِ في الرِّبا: تأخر نزولِ الآياتِ المتعلقةِ به من سورةِ البقرةِ.
وأمّا حكمُ تحريم الرِّبا؛ فنزوله سابقٌ لذلكَ بمدةٍ طويلةٍ على ما يدلُ عليه النّهيُّ الواردُ في سورةِ آل عِمرانَ في أثناء قصة أُحد.
قلت: وهذا يدل بوضوحٍ لا لَبْسَ فيه: أنّ تحريم الرِّبا غير منسوخٍ، ولا مخصوصٍ بصورةٍ أو نوعٍ مُعَيّن.
وتكراره كان تأكيدًا ومبالغةً في تحريمهِ، وحرصًا على إشاعتهِ ونشرهِ لمن لم يسمعه من قبل، أولم يبلغه.
وهو من جملة الفرائض التي لا يسع مسلم جهلها، ولا تجد أحدًا من أهل العلم إلا قالَ لكَ: الرِّبا حرامٌّ، ولا باحثًا مسلمًا يخشى الله إلا وهو يحكي التحريم عمن قبله.
سؤال وجواب:
فإن قالَ لَنَا قائِلٌ: أفرأيتَ مَنْ عَمِلَ ما نهى اللهُ عنه مِنَ الرِّبا في تجارته، ولم يأكُلْه، أيَستحِقُّ هذا الوعيدَ مِنَ اللهِ؟
قلنا: نعم، وليس المقصودُ مِنَ الرِّبا في هذه الآيةِ: النهيَ عن أَكْلهِ خاصةً؛ دونَ النهي عن العمل به، وإنما خَصَّ اللهُ وصْفَ العاملينَ به في هذهِ الآيةِ بالأكلِ؛ لأنّ الذين نزلت فيهم هذه الآياتُ -يومَ نزلتْ- كانت طُعْمَتُهم وَمَأْكَلُهم مِنَ الرِّبا، فذكرهم بصفتهم، مُعَظِّمًا بذلك عليهم أمْرَ الرِّبا، ومُقَبِّحًا إليهم الحالَ التي هم عليها في مطاعمهم.
وفي قولهِ -جل ثناؤهُ-: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) الآية، وما يُنْبِئُ عن صحةِ ما قُلنا في ذلك، وأنّ التحريمَ من اللهِ في ذلك كان لكلِّ معاني الرِّبا، وأنَّ سواءً العملُ به، وأكلُه، وأخذُه، وإعطاؤُه، كالذي تظاهَرتْ به الأخبارُ عن رسولِ اللهِ د من قوله: «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبا، ومُؤْكِلَه، وكاتبه، وشاهدْيه...» ا. هـ من كلام الطبري في «تفسيره».
قُلْتُ: ومن المُؤسفِ والمُحزنِ ما نراه اليومَ من وجودِ أُناسٍ يسلكون سُنَّةَ الجاهلية في الإسلامِ، وذلك بإعطاءِ القُروض الرّبوية مع اشتراط الزيادة، أو التلميح بها، وليس لهم عملٌ -من وظيفةٍ، أو حرفةٍ يأكلون منها وينفقون-؛ إلاّ الرِّبا الزائد على القروضِ المؤجلةِ.
آكلُ الرِّبا ومُوكِلُهُ وكاتبُهُ وشاهِداهُ -كلهم- سواء:
عن جابرِ بن عبدِ الله ب قال: لَعَنَ رسولُ اللهِ د آكلَ الرِّبا، ومُوكِلَهُ، وكاتِبَهُ، وشاهِدَيْهِ، وقال: «هُمْ سواءٌ». [رواه مسلم (1598)، وغيره].
قلت: فهذا نص صحيح صريح في تحريم التعامل بالرِّبا، وقد دَلّتِ الآيات والأحاديث والآثار على أنّ أَكْلَ الرِّبا والعملَ به من الكبائرِ، ولا خلافَ في ذلك.
والكاتبُ والشاهدُ ذكرهما النبيُّ د على سبيل الإلحاق؛ لإعانتهما للآكل ِعلى ذلك، فمن أعانَ صاحبَ الرِّبا بكتابتهِ وشهادتهِ؛ فُيُنزَّلُ منزلتهُ.
«لهذا حرم الإسلام كل ما يوصل إلى الرِّبا ويوقع فيه؛ تضييقًا لمسالكِ الرِّبا، وإغلاقًا للطرق الموصلة إليه.
ويدخل في اللعنة: أولئك الذين يؤجرون عمارتهم للمرابين و البنوك الرِّبوية، والذين يعينون المرابين بما يُودعونه بين أيديهم من مال، وإن لم يأخذوا الفائدة؛ وهي الرِّبا». «الربا» للأشقر.
وفيه تحريم الإعانة على الباطل بكل أنواعها:
وعند الطبراني من حديث ابن مسعود ت قال: قال رسولُ الله د: «لَعَنَ اللهُ الرِّبا، وآكِلَهُ، ومُوكِلَهُ، وكَاَتِبَهُ، وشَاهِدَهُ، وهم يَعْلَمُون...».
قال الألباني: «صحيح»، كما في «صحيح الجامع».
فيه زيادة وهي: أنّ رسولَ اللهِ د لعنَ ما لعنهُ اللهُ، وهكذا في كلِّ أمرٍ؛ فإنّه يُبيِّنُ ويُنفِّذُ حُكْمَ اللهِ -تعالى-.
وفيه: أنّ هذه اللّعنةَ تشملُ كلَّ من فعلَ ذلكَ مع علمهِ، فمن فعلَ عن جهلٍ -وإن كنّا نقولُ: يَعْسُرُ وُجُودُهُ مع انتشارِ وسائلِ العلمِ المختلفةِ-؛ فنرجوا أن لا يدخل في دائرة اللعنِ؛ ولكنه لا يسلم من الإثمِ والظلمِ.
و«اللّعنُ» الطّرْدُ والإبعادُ من رحمةِ اللهِ -تعالى-.
وقد يرادُ به: الزجرُ؛ دون وقوعِ الدعاءِ، كما في جملةٍ وافرةٍ من الأحاديثِ النّبويةِ، وقد يُرادُ: حقيقة الطردِ والابعاد.
قال ابن القيم z: «ضدُّ البركةِ اللعنةُ؛ فأرضٌ لعنها اللهُ، أو شخصٌ لعنهُ اللهُ، أو عملٌ لعنهُ اللهُ: أبعدُ شيءٍ من الخيرِ والبركةِ، وكلُّ ما اتصلَ بذلك، وارتبط به، وكان منه بسبيلٍ؛ فلا بركةَ فيهِ ألبتةَ» [«الجواب الكافي» (129)].
وَمِنْ عُقوباته:
أَبْوابُهُ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الزِّنا:
عن ابنِ مسعودٍ ت أنَّ النبيَّ د قال: «الرِّبا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بابًا، والشِّركُ مثلُ ذلِكَ» [رواه البزار، وقال الألباني: «صحيح»].
وعن عبدِ اللهِ بن سلام ت عن النبيِّ د قال: «إنَّ أَبْوابَ الرِّبا اثنَانِ وسَبْعُونَ حُوبًا، أَدْنَاهُ كالّذي يأْتي أُمَّهُ في الإسلامِ» [رواه الطبراني، وصححه الألباني].
وقد ثبت هذا الحديث عن النبيِّ د من روايةِ جمعٍ من الصحابة.
قوله: «حُوْبًا» بضم الحاء، وهو: الإثم.
وقوله: «أدناه»، أي: أهونه و أيسره.
والمعنى: أنَّ الرِّبا أبوابه -أو أنواعه- كثيرة، وعقوبته وخيمة، وأخف تلك الآثام كإثم نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّهُ في الإسلامِ، فالحديثُ يدلُ على أنَّ الرِّبا أشدُّ من الزِّنا.
بل ثبتَ في الرِّبا ما هو أشدّ من هذا عن النبيِّ وأصحابه والعلماء:
عن عبدِِ اللهِ بن حَنْظَلَة ب قال: قال رسول الله د: «دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ
- وَهُوَ يَعْلَمُ -؛ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثيِنَ زَنْيَةٍ» [رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني].
وعن أنسِ بن مالكٍ ت قال: خَطبنَا رسولُ اللهِ د فذكرَ أَمْرَ الرِّبا وعَظَّمَ شَأْنَهُ، وقال: «إنّ الدِّرْهَمَ يُصيبهُ الرَّجُلُ مِنَ الرِّبا؛ أعظمُ عند اللهِ في الخطيئةِ مِنْ سِتٍّ وثلاثينَ زَنْيَةً يَزْنيها الرَّجلُ...» [رواه ابن أبي الدنيا، وصححه الألباني].
وعن كَعْبِ الأَحبَارِ قالَ: «لأَنْ أَزْنِيَ ثلاثًا وثلاثينَ زَنْيَةً؛ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أنْ آكُلَ دِرْهَمَ رِبًا؛ يعلَمُ اللهُ أنّي أكَلْتُه حينَ أكلتُه رِبًا» [رواه أحمد، وقال الألباني: «صحيح»]
عن ابنِ بُكَيْرٍ قالَ: «جَاءَ رجلٌ إلى مالكِ بنِ أنسٍ فقالَ: يا أَبا عبدِ اللهِ، إني رأيتُ رجلًا سكرانًا يتعاقرُ يريدُ أنْ يَأْخُذَ القَمَرَ؛ فقلتُ: امرأتي طالقٌ إنْ كان يدخلُ جوفَ ابن آدمَ أشرُّ من الخمر؟ فقالَ له مالكٌ: إرجع حتى أنظر في مسألتك.
فأتاه من الغدِ، فقالَ له: إرجع حتى أنظر في مسألتك.
فأتاه مِنَ الغدِ فقالَ لَهُ: امرأتُكَ طالقٌ؛ إني تَصَفَّحْتُ كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّهِ؛ فلم أَرَ شيئًا أشرّ من الرِّبا؛ لأنّ الله أَذِنَ فيه بالحرب» [نقله القرطبي].
كلُّ هذا من بابِ الترهيبِ والزجرِ عن فِعْلِهِ، وبيان عظيمِ قُبْحهِ وبَشَاعَتهِ عندَ اللهِ
-تعالى-.
وهو -أيضًا-:
مِنْ أَسْبَابِ هَلاَكِ الأُمَمِ:
عن أبي هريرة ت قال: قال رسولُ اللهِ د:«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قُيِلَ: يا رسولَ اللهِ! وما هُنَّ؟ قال: «الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقَتْلُ النِّفسِ التي حَرَّم اللهُ إلاّ بالحّقِ، وأَكْلُ مالِ اليتيمِ، وَأَكْلُ الرِّبا، والتَّوَلّي يَوْمَ الزّحفِ، وقَذْفُ المُحصَنَاتِ الغافلاتِ المُؤمِنَاتِ» [رواه البخاري (2766)، ومسلم (89)].
قوله «المُوبِقَات»، أي: المهلكات.
فهذا رسولُ اللهِ د أنصحُ الخلقِ للخلقِ، وأبلغهم في بيانِ الحقِ، يقول بلسانٍ عربيٍّ مُبِينٍ: «اجتنبوا»، أي: اتركوا، بل أبلغُ وأشدُ من مجردِ التَّرْكِ؛ لأنَّ الإنسانَ قد يتركُ الشّيءَ وهو قريبٌ منه، فإذا قيل: اجتنبه، يعني: اتركهُ مع البُعْدِ.
لماذا؟ لأنّه سببٌ لهلاكِ النّاسِ وضياعهم، وفسادِ معايشهم وأرزاقهم، وذهابِ النِّعمِ، واستجلابِ النِّقمِ، وليس هذا للأفرادِ فحسب؛ بل وللجماعاتِ، وللدولِ والشُّعوبِ على السّواء، وإليكَِ دليلًا آخر:
عن ابن عباس ب قال: قال رسولُ اللهِ د: «إذا ظَهَرَ الزِّنا والرِّبا في قَرْيَةٍ؛ فقد أحَلُّوا بأنفُسِهمِ عذابَ اللهِ» [رواه الحاكم وقال: «صحيح الإسناد»، وحسّنه الألباني].
فالدولُ التي قامَ نظامها على الرِّبا لن تدوم، وإن سَعِدَتْ حِيَنًا من دَهْرِهَا؛ فهي أَوْقَعَتْ نَفْسَهَا في شِباكِ الهلاكِ، و الدَّمارِ، والسُّقوطِ.
نعم، قد أُذِنَ بسقوطِ أكبر دُوَلِ العالَمِ الحديثِ وأَقواها ماديًّا؛ بسببِ الظُّلمِ، والإجرامِ، والإفسادِ في الأرضِ، و... والتعاملِ بالرِّبا.
(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[النحل:33].
لقد طغت أمريكا في البلاد، وأكثرت فيها الفساد، فبدأ نزول العذاب، وحلول الخراب؛ وللكافرين أمثالها.
وأمَّاَ نَحْنُ: فما مِنْ خيرٍ إلاّ وقد دَلَّنَا الرَّسولُ د عليهِ، وما من شّرٍ إلا وحذرنا
منه د، فهل نحن نستجيب؟ أم نعصيه؛ فنذل ونخيب؟
ومِنْ عُقُوبَاتِهِ:
الرِّبا مِنْ أسبابِ تَسْليطِ الذُّلِّ على الأُمَّةِ:
عن ابنِ عمَر ب قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ د يقولُ: «إذا تَبَايعتُم بِالعِيْنَةِ، وأَخَذْتُم أذنابَ البقرِ، وَرَضيتُم بالزَّرعِ، وَتَرَكْتُم الجهادَ: سَلَّطَ اللهُ عليكُم ذُلًا، لا يَنْزِعُهُ؛ حتى تَرْجِعُوا إلى دينِكُمْ» [رواه أبو داود (3462)، وهو صحيح بمجموع طرقه].
والعينةُ: «أن يكون الرجلُ محتاجًا لدراهمَ؛ فلا يجد مَنْ يقرضُهُ، فيشتري من شخصٍ سلعةً بثمنٍ مُؤَجَّلٍ، ثمَّ يبيعُهَا على صاحِبها الذي اشتراها منه بثمنٍ أقلَّ منه نقدًا.
وهي حيلةٌ ظاهرةٌ على الرِّبا؛ فإنَّها في الحقيقةِ بيعُ دراهمَ حاضرةٍ بدراهمَ مؤجَّلةٍ أكثر منها؛ دخلت بينهما سلعةٌ، وإذا كان النبيُّ د قد أَنْذَرَ بأنَّ الأخذَ بهذه الحيلةِ الربوية سببٌ لتسليطِ الذلِّ، فكيف بصريحِ الربا، وعينهِ، ورأسِهِ، وقفاه؟!
وقد كان الأخذُ بمثلِ هذه الحيلةِ «حين كان الحكمُ في بلادِ الإسلام للإسلامِ، فكان مَنْ يريد العصيانَ والخروجَ يحتالُ بمظهر العملِ الصحيحِ، أمَّا الآن فهؤلاء لا يحتاجون إلى الحِيَلِ للظهور بِمظهرِ العملِ الصحيحِ!! بل هم يكتبون العقود ظاهرةً صريحةً بالربا وبالعقودِ الباطلةِ في دينِ الإسلامِ!» [من كلام الشيخ مشهور حسن، انظر: «الكبائر»].
ما يؤخذ من الحديث:
1- الحديث فيه: تحريم الركون إلى الدنيا، والاشتغال بها عن أمور الدِّين؛ التي من أعظمها: الجهاد في سبيل الله -تعالى-، الذي هو ذروة سنام الإسلام.
2- فيه: أنَّ المسلمين إذا اشتغلوا بالحراثة ورضوا بها، وبجمع الأموال عن الجهاد في سبيل الله؛ فإنَّ الله يجازيهم بالذل والهوان من أعدائهم، فيكونون مستعَمرين، مهانين، أذلاء، جزاءً لهم على إعراضهم عن دينهم؛ الذي فيه عِزُّهم، وفيه مَنَعَتُهم، وفيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
3- أنَّ هذا الوعيد تحقق؛ فالمسلمون -الآن- يمثلون ثلث المعمورة كثرةً، فعندهم الثروة البشرية، والثروة الاقتصادية، والمساحات الزراعية، والعمرانية، والمواقع المسيطرة، وبلادهم وثروتهم أفضل وأحسن بلاد العالم، ومع هذا لما أعرضوا عن دينهم؛ سلَّط الله عليهم أعداءهم؛ فأهانوهم، وأذلوهم، وصاروا لعبة في أيديهم، قال الله -تعالى-: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)[الرعد:11].
فمن ترك الدِّين تجبرًا قَصَمَهُ اللهُ، ومن ابتغى الهدى في غير كتابه أضلَّه الله، وقد تحقق وعيد الله -تعالى- في هذه الأمم التائهة ممن يدّعون الإسلام، فهم في متاهات عما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم!
4- أنَّه ليس للمسلمين طريق إلى عزهم، ولا إلى سيادتهم، ولا إلى سعادتهم في دنياهم وأخراهم؛ إلاَّ بهذا الدِّين المتين، وإنَّه لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلاَّ ما صلح به أولها، (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[فاطر:10]، (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الحج:40] [من «توضيح الأحكام» للبسام].
وقديمًا قالوا: اتَّقِ العِينَةَ؛ فإنّها اللَّعِينة.
آكِلُ الرِّبا يَسْبَحُ في الدَّم:
عن سَمُرَةَ بن جُنْدَبٍ ت قال: قالَ رسولُ اللهِ د: «إنّهُ أتاني اللّيلةَ آتِيَانِ، وإنَّهُما ابْتَعَثَاني، وإنُهما قالا لي: انطلق؛ فانطلقْتُ معهما... حتى أتَيْنَا على نَهَرٍ - حَسِبْتُ أنّه كان يقول: - أحمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وإذا في النهرِ رجلٌ سابحٌ يسبحُ، وإذا على شطِّ النهرِ رجلٌ قد جمع عنده حجارةً كثيرةً، وإذا ذلكَ السّابح يَسْبَحُ ما يَسْبَحُ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع الحجارةَ فيفغر [أي: يفتح] لهُ فاهُ؛ فَيُلْقِمَهُ حجرًا، فينطلقُ يسبحُ، ثم يرجع إليه، كلما رجعَ إليه فَغَرَ لهَ فاهُ؛ فَأَلْقَمَهُ حجرًا، قلتُ لهما: ما هَذَا؟ فقالا: إنّه آكِلُ الرِّبا...» [رواه البخاري مطولاً (1386)، ومسلم (2275) مختصرا جدًّا، وليس فيه هذا الكلام].
قال ابن هبيرة: إنما عُوقِبَ آكِلُ الرِّبا بسباحتهِ في النّهرِ الأحمرِ؛ لأنَّ أصلَ الرِّبا يجري في الذّهبِ، والذّهبِ الأحمرِ.
وأمّا إلقامُهُ الحجارةَ: فإنّه إشارةٌ إلى عدمِ نفعهِ، بل مضرته، وكذلك الرِّبا، فإنّ صاحبه يتخيل أنّ مالَهُ يزدادُ، واللهُ يَمْحَقُهُ، ويُذْهِب بركته.
قلتُ: وفيه إشارةٌ إلى وقوعِهِ وانغماسِهِ في النّجاسةِ المحرمةِ كريهة المنظر والمُقام.
وقد يُقالُ: إنَّ آكِلَ الرِّبا يَمُصُ دِمَاءَ النّاسِ؛ لِيَتَضَخَمَ فيه، أو يهلك.
ومِنْ عجيبِ ما وردَ فيه:
أكْلُ الرِّبا مِنْ علاماتِ قُرْبِ السّاعةِ:
1- عن أبي هريرةَ ت عن النبيِّ د قال: «لَيَأْتِيَنَّ على النَّاسِ زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أخَذَ المال؛ أَمِنَ الحلالِ أمْ مِنَ الحرام؟» [رواه البخاري (2083) ].
قال ابن التين: أخبر النبيُّ د بهذا تحذيرًا من فتنةِ المالِ، وهو من بعضِ دلائلِ نُبُوَتِهِ؛ لإخبارهِ بالأمورِ التي لم تكنْ في زَمَنِهِ.
ووجهُ الذَّمِ: من جهةِ التّسويةِ بين الأَمْرَينِ، وإلا فأخذُ المالِ من الحلالِ ليسَ مذمومًا؛ من حيث هو.
قُلْتُ: كيف يسوّى بين الحلالِ والحرامِ، واللهُ -تعالى- يقول: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[البقرة: 275]؟!
2- وعن ابنِ مسعودٍ ت عن النبيِّ د قالَ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعةِ يظهرُ الرِّبا، والزِّنا، والخمرُ» [رواه الطبراني، وصححهُ الألباني].
قلتُ: هذا أبْيَنُ في كونهِ مِنْ دلائلِ نُبُوتِهِ د، فقد ظَهَرَ في بلاد الدنيا
-كلها-، بل وفي مُدِنهِا -كلها-.
ومِنْ عُقُوبَاتِهِ:
يُعَرَّضُ للمَسْخِ:
عن عُبادةَ بن الصامِتِ ت، عن رسولِ اللهِ د قال: «والذي نفْسي بِيَدهِ لَيبيتَنَّ أُناسٌ من أُمتي على أَشَرٍ وبَطَرٍ، ولَعِبٍ ولَهَوٍ، فيُصبحوا قِرَدةً وخنازيرَ باسْتِحْلالهِمُ المحارمَ، واتِّخاذِهِمُ القَيْنَاتِ، وشُرْبِهمُ الخَمرَ، وأكْلِهمُ الرِّبا، ولُبْسهِمُ الحريرِ» [رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده على المسند»، وحسّنه الألباني].
قوله: «الَقْينَاتُ» جمعُ (قَيْنَة)، وهي: المُغَنَّيِةُ.
وهذا قسمٌ مؤكد من الصّادقِ المَصْدُوقِ على وقوعِ هذهِ العقوبة العظيمة الفظيعة في حقِّ أُناسٍ من أُمَّتِهِ لم يقفوا عندَ حدودِ اللهِ؛ بل استخفوا بأحكام الشريعة؛ لا مبالين، ولا مغيرين ما هم عليه، وجمعوا مع المال الحرام أنواعًا من المحرمات؛ وهم في غفلة معرضون!
وقد عقوبة أُمَّةُ اليهودِ من بني إسرائيل قديمًا بالمسخ؛ وللظالمين أمثالها.
(ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)[البقرة: 229].
العملة الورقية مقام الذهب والفضة:
«إنّ مما قرّره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما يلي:
إنّ القول باعتبار مطلق الثمنية عِلّة في جريان الرِّبا في النقدين هو الأظهر دليلًا، والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وهو إحدى الروايات عن الأئمة: مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهما.
وإنَّ مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بعد المناقشة في موضوع العملة الورقية؛ قرَّر ما يلي: بناءً على أنَّ الأصل في النقد هو: الذهب والفضة، وبناءً على أنَّ عِلّة جريان الربا فيهما هي: مطلق الثمنية -في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة-، وبما أنَّ الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذَّهب والفضة؛ وإن كان معدنهما هو الأصل، وبما أنَّ العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذَّهب والفضة في التعامل بها، وبها تُقَوَّم الأشياء في هذا العصر؛ لاختفاء التعامل بالذَّهب والفضة، ويحصل الوفاء والإبراء بها، رغم أنّ قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمرٍ خارج عنها، وحيث إنَّ التَّحقيق في علة جريان الرِّبا في الذَّهب والفضة هو: مطلق الثمنية، وهو متحقق في العملة الورقية، لذلك -كله- فإنَّ مجلس مجمع الفقهي الإسلامي يقرر:
أنَّ العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذَّهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الرِّبا عليها بنوعية: فضلًا، ونساءً، كما يجري ذلك بالنقدين من الذَّهب والفضة -تمامًا-؛ باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسًا عليها، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها، ولا معول عليه، وأصبحت الثمنية هي العِلّة في كل عملة نقدية؛ من أي نوع تكون». [«توضيح الأحكام»].
مِنْ صُوَرِ الرِّبا:
هذه بعض صور الرِّبا التي تقع في معاملات النّاس: في البيع والشراء، والقرض والصرف، والبنوك، والشيكات، و الذهب، والفضة، والدَّين، مما ذكره العلماء الفقهاء في كتبهم، والتي تستند على نصوص الكتاب والسنة والإجماع، وصدرت بها فتاوى المجامع الفقهية، والهيئات العلمية المعتبرة، أذكرها مختصرة ميسرة -ما استطعتُ-، منها ما أجمع عليه، ومنها ما اتُّفِقَ عليه، ومنها ما كان فيه خلاف؛ والصواب فيها ما ذكرته، وهو اختيار جمهور أهل العلم -قديمًا وحديثًا-.
وليس لي أن أُلزم غيري بقولي، ولكن مَنْ رأى شيئًا فيه خلاف ما هو عليه؛ فليراجع أهل العلم، وهذا هو المطلوب: أن يتعلق الناس بعلماء الأمة قبل أن يدخلوا في تجارة أو معاملة.
مع التنبيه أنّ الفئات الورقية أو المعدنية -على اختلاف مسمياتها- اليوم حكمها حكم الذهب والفضة؛ كما قرّر العلماء في العنوان الأخير قبل ذكر هذا العنوان، فتنبه.
وها هي الصور:
في البيوع:
أ- أن يذهب رجل معه كيلو من تمر رديء إلى البائع؛ ليستبدله بنصف كيلو من تمر جيد أغلى سعرًا، فهذا لا يجوز.
والجواب في مثل هذه الصورة: أن يعطيه البائع كيلو وزن ما أخذ، أو يبيع الكيلو على التاجر، ويشتري بثمنها من التمر الجيد ما تيسر.
لقوله د: «...لا تفعلوا! ولكن مِثلًا بمثلٍ، أو بيعُوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان» [رواه البخاري ومسلم].
ومثله في القمح، والشعير، وفي كل مطعوم موزون.
أمّا إذا اختلفت الأجناس؛ فلا بأس في الزيادة والنقصان؛ إذا كان يدًا يد، مثل: كيلو قمح رديء بنصف كيلو تمر وهكذا.
وليُعلم أنّ البدل من أنواع البيوع.
ب- ومنها بيع العِينة، وهي: أن يكون أحد الناس محتاجًا لمالٍ؛ فلا يجد من يُقرضه، فيذهب على تاجر يشتري سلعة إلى أجل (أقساط مؤجلة)، ثم يبيعها للتاجر الذي اشتراها منه نقدًا بسعرٍ أقلّ من السعر الذي أخذه منه أقساطًا، وهي حيلة ظاهرة، وحقيقتها: بيع دنانير عاجلة بدنانير مؤجلة أكثر منها، دخلت بينهما سلعة.
وقد نصّ على حرمة هذه الصورة النبي د بقوله: «إذا تبايعتم بالعينة...» [رواه أبو داود، وهو صحيح].
وفي القرض:
أ- أن يُقرض أحدٌ (رجلٌ أو امرأةٌ) غيره مالًا؛ ويشترط عليه الزيادة.
مثال ذلك: أن يُقرضه مئة دينار إلى مُدّة، ويشترط عند إعطاءه زيادة؛ ولو دينارًا، فهذه عين الرِّبا.
ب- أن يُقرض غيره مالًا؛ ويشترط عليه إذا تأخر أن يزيده؛ ولو دينارًا، فهذا
-أيضًا- من الرِّبا؛ سواءٌ اشترط المعطي أو الآخذ.
جـ- أن يُودع ماله في البنوك الرِّبوية -غير الإسلامية-، ويأخذ الفائدة مقابل إيداعه؛ مهما بلغت النسبة قليلة أو كثيرة؛ سواء قصد الإيداع للفائدة أو لم يقصد الفائدة، فلا يجوز أن يأخذ الفائدة (وهي: المال الزائد على ادّخاره).
د- أن يُقرض رجلٌ غيره؛ ويشترط عليه منفعة زيادة على سداد المال، وذلك بدل أن أقرضه.
مثال: أن يُقرضه ألف دينار؛ ويشترط عليه أن يستخدم سيارته، أو بيته، أو أرضه، ونحوها.
هـ- أن يقرض غيره؛ ويشترط أفضل مما أعطاه.
مثال: أن يُقرضه خاتم ذهب عيار (21)؛ ويشترط عليه أن يرده بوزنه لكن عيار (24).
ودليل منع هذه الصور قوله د: «الذهب بالذهب وزنًا بوزنٍ، مِثْلًا بمثلٍ، يداً بيدٍ... فمن زاد أو استزاد؛ فهو ربًا» [رواه مسلم].
وفي الذهب والفضة:
أ- أن يستدين الذهب -ومثله الفضة- من محلات الصاغة للزينة، أو للزواج، أو المناسبات، أو التجارة، وغيرها.
ب- أن يشتري الذهب -ومثله الفضة- أقساطًا.
جـ- أن يعطي الصائغ شيكًا إلى مدّة مؤجلة.
د- أن يستبدل ذهبًا قديمًا بذهب جديد مع زيادة مال؛ وإن تساويا في الوزن والعيار.
والواجب على الصائغ ألّا يأخذ زيادة، أو يبيع صاحب الذهب الذهب القديم للصائغ ويقبض ثمنه، ثم يشتري الجديد بما يملك.
هـ- أن يستبدل ذهبًا فيه خرز أو فضة بذهب خالص آخر؛ وإن تساويا في الوزن والعيار.
والجواب -هنا-: أن يُنزع الخرز أو ما اختلط بالذهب، ويبقى الذهب خالصًا؛ ويستبدله بمثله وزنًا ونوعًا (عيارًا)، يدًا بيدٍ (في المجلس نفسه)، أو يفعل ما أشرنا إليه في النقطة السابقة.
ودليل هذا -كله- الحديث السابق: «الذهب بالذهب وزنًا بوزنٍ، مِثْلًا بمثلٍ، يداً بيدٍ... فمن زاد أو استزاد؛ فهو ربًا».
وفي الصرافة (والصرافة: بيع في حكم الشرع):
أ- صرف مئة دينار معدنية بخمس وتسعين دينارًا ورقية.
ب- صرف دنانير ورقية أو معدنية قديمة جارية الاستعمال بجديدة أقلّ منها.
والواجب في الصورتين: التساوي في العدد والقبض في المجلس قبل أن يفترقا.
جـ- أخذ أيّ عملة من محل الصّرافة دينًا.
د- أخذ أيّ عملة من محل الصّرافة، ويعطيه شيكًا أو شيكات مؤجلة.
هـ- صرف مبلغ من المال ويدفع مقابله قيمته؛ بعضه نقدًا وبعضه شيكًا مؤجلًا؛ ليكمل المطلوب منه.
ودليل منع هذه الصور قوله د: «الذهب بالذهب مثلًا بمثل، يداً بيدٍ...».
وفي الدَّين:
أ- بيع الدَّين الذي في الذمّة -حَلَّ أجله، أو لم يحل- لمن هو عليه بثمن مؤجل، أو معجل لم يُقبض في المجلس.
ب- بيع الدَّين الذي في الذمّة لغير مَن هو عليه بثمن مؤجل، أو معجل لم يُقبض في المجلس.
جـ- أن يكون لرجل على آخر دَيْنًا، كالذهب فتصارف معه بالفضة، ولم يُحضرا أحد العوضين؛ لا الذهب ولا الفضة، فكان غائبًا بغائب.
قال ابن المنذر: «ولا يجوز بيع الدَّين بالدَّين إجماعًا».
وقال الوزير: «اتفقوا على أنّ بيع الدَّين بالدَّين باطل».
وفي الشفاعة:
أ- أن يشفع لمضطر في دفع مظلمة، أو أخذ حق، والشافع عمله ووظيفته: القيام بهذا الواجب، فيأخذ مالًا، أو منفعة للقيام بهذه الشفاعة؛ سواءٌ أخذه بطلب منه، أو أُعطي من غير سؤال.
ب- أن يشفع في توظيف من لا يستحق الوظيفة الفلانية، أو قدّمه على غيره ممن هو أولى بها؛ فهذا حرام، فإذا أخذ مالًا، أو منفعة، أو سألها؛ فهو من أعظم أبواب الرِّبا.
والدليل قوله د: «من شفع لأخيه شفاعةً فأهدى له هديةً عليها فقبلها؛ فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا» [رواه أبو داود، وهو حسن].
وصور الرِّبا كثيرة؛ لا أستطيع حصرها، وهي في كتب أهل العلم الفقهاء؛ خاصة المطولة منها أكثر وأوسع، فمن أراد التوسع فلينظر فيها.
وفي نهاية هذا الباب (من صور الرِّبا) أقول: لا تيأس، ولا تنظر للماضي بقدر ما يهمك أن تبدأ من جديد في طريق رشيد سديد؛ حتى تُوّفق في تجارتك ومالك، وتحفظه من الزوال، وتجنبه الحرام.
أَثَرُ الرِّبا في تدميرِ اقتصادِ الأُمة:
«إنّ تدميرَ اقتصاد أُمّة من الأُمم، يعني -دون شك-: تدمير أخلاقها، وقيمها الدِّينية، وليس هناك أقوى من الرِّبا لتدمير الاقتصاد؛ فهو المِعوَلُ الشديد الذي يأتي على البناء الاقتصادي من أَساسه.
وهذا معناه: أنَّ الرِّبا حربٌ على البلادِ والعبادِ، وخرابٌ للدّيار؛ لذا أعلن اللهُ -سبحانه- الحرب عليه صراحة فقال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[البقرة: 278،279].
هل تحريم الرِّبا تضييق على الناس؟
لقد حرَّم اللهُ الرِّبا بنصوص قاطعة... والحق الذي لا ريب فيه: أنّ الإسلام ما أَمَرَ بأمْرٍ، أو نهى عن شيءٍ؛ إلَّا وفي ذلك الأمر والنهي مصلحة للناس: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)[البقرة:185]، فتلك إرادة الشارع الحكيم في أوامره ونواهيه...
لقد وضع الإسلام إطارًا عامًّا، وترك الناس يتعاملون شريطة ألا يأكلوا أموال بعضهم بالباطل؛ حتى يكون الأخذ والعطاء عن تراض منهم، وهكذا فقط.
كأن الإسلام قال للناس: تعاملوا، واربحوا، واسعوا في الأرض، وامشوا في مناكبها، وتبادلوا فيما بينكم، شريطة ألا تأكل عرق أخيك، وظل المسلمون يفتحون البلاد؛ حتى أناروا بهذا الدِّين بلاد الفرس والروم، وكانت المعاملات الإسلامية هي القائمة، وما ضاقت بحاجة الناس، ولا قصرت في مصالحهم، هذا في العصر الذي بلغت فيه هذه البلاد قمة حضارتها في ظل الإسلام، وكانت تدير حركة الاقتصاد العالمي كله تحت راية الإسلام.
لكن:
هَل في المعاملاتِ الرِّبوية مصلحة للأُمةِ؟
إنّ المقترضَ بالرِّبا صنفان:
الصِّنْفُ الأوَلُ: محتاجٌ يريدُ سَدَّ حاجتهِ، ومكروبٌ يريدُ تفريجَ كُرْبَتهِ، وهذا يعني: أنه يأخذ المالَ؛ لِيَخْرُجَ من ضيقه الذي وقع فيه، ولن يتحرك به في الحياة لِيُنْتِجَ أو يشارك في التنمية.
والصِّنْفُ الآخرُ: يقترضُ ليستثمرَ الأموال، وهذا الصنف لن يكون أمينًا في حركة الحياة؛ لأنه يطلبُ فوق الكسب المعتاد كسبًا آخر، وزيادة أخرى؛ يسد بها القرض وفوائده، ولن يقنع بالكسب المتعارف عليه، ولذلك تراه لا يستثمر أمواله فيما ينفع المجتمع، بل فيما يعود عليه بالكسب السريع الكثير، مثل المنتجات الاستهلاكية التي لا تنفع أحدًا.
وكل ذلك له آثاره السيئة على الاقتصاد،؛ لأنه حبسٌ للمال في دائرة لا تقدم ولا تؤخر، وأهل الاختصاص يقولون أنّ عناصرَ الإنتاج ثلاثةٌ: الأرضُ، ورأسُ المالِ، والقوةُ البشريةُ، وإذا حدث عطل في واحد منها اختل نظام المجتمع، ولذا حرص الإسلام على دفعها دفعًا، وفك قيودها؛ لتنطلق في الحياة لتعمر وتصلح، وتستحق بعد ذلك كله الخلافة في الأرض.
وأعداء الإسلام يستخدمون الرِّبا سلاحًا في حربهم ضد المسلمين، ولعلك تعجب حين تعلم أن اليهود لا يتعاملون بالربا فيما بينهم، لكنهم يروجون له في بلاد المسلمين، والأشد عجبًا من ذلك أنّ هذا منصوص عليه في توراتهم المزعومة، فلقد جاء في (سِفْرِ الخروج): «إذا أقرضتَ مالًا لأحدٍ من أبناءِ شعبي؛ فلا تقف منه موقف الدائن، لا تطلب منه ربحًا لمالك».
وفي (سِفْرِ التثنية) مكتوب ما يلي: «للأجنبي تقرض بربًا، ولكن لأخيك لا تقرض بربًا؛ لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك».
وهذه النصوص جعلت اليهود ينشرون الرِّبا في بلاد الإسلام، بينما بلادهم خالية منه، فالفائدة عندهم تساوي صفرًا.
ولكي يتضح أثر الربا على الاقتصاد؛ أُوجز لكَ الأمر في عدّة نقاط:
أولًا: تعطيلُ الطاقةِ البشريةِ:
وهذه إحدى ركائز الإنتاج، وهذا مناقض لقول الله -سبحانه-: (ﭪ ﭫ ﭬ)[الملك:15]، وقوله سبحانه: (ﮛ ﮜ ﮝ)[آل عمران:137]، فجلوس صاحب المال على أريكته منتظرًا مجيء المال دون تعب؛ إنما هو تعطيل للطاقات التي خلقها الله -سبحانه-، لتعمير الأرض.
ثانيًا: حَبْسُ المالِ في المصارفِ لاستغلاله في غيرِ ما هو له:
فالأصلُ: أنّ المالَ له دورة حياة؛ تبدأ من يد صاحبه، ثم إلى نواحي الإنتاج المتعددة، ثم إلى الناس؛ وعلى رأسهم صاحبه، ثم يعود إلى هذه الدورة من جديد.
ولكنّ النّظام الرِّبوي يحصرُ المالَ في القرضِ، وهذا -غالبًا- يكون للمحتاج، والإسلامُ علمنا أنّ المحتاجَ يأخذُ المالَ من مصرفٍ آخرٍ، مثل: الزكاة، والصدقات، والقروض المباشرة من النّاس دون ربًا.
لكنّ الذي يحدث: أنّ هذا النّظام ينشئ مصارف تجمع الأموال -التي هي عصب الإنتاج-، ويعطيها للفقير قرضًا ربويًّا، وهو بهذا عطل أكثر من طاقة المال، وطاقة صاحبه، وهذا بالتبع يعطل طاقة ثالثة، وهي: الأرض؛ لأن الأرض إذا لم تجد مالًا أو أيدي عاملة صارت مهملة لا فائدة منها.
كأنّ الرِّبا تسببَ في شل حركة الحياة، وقيد مصادر التنمية.
زد على هذا ما يتولد على هذه المعاملة من زيادة في غنى الغني، وزيادة في فقر الفقير، فيظل الغني غنيًّا، والفقير فقيرًا.
مما يعني -أيضًا-: حصر المال على طائفة معينة من النّاس، والقرآن رفض هذا؛ حيث يقول عن المال: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)[الحشر:7].
وكل هذا لا يساوي شيئًا بجوار ما يخلفه الرِّبا في نفوس النّاس من كراهية لكل شيء؛ كراهية للأغنياء، وكراهية للوطن.
ويتبع هذا لا مبالاة في العمل، وعدم الحرص على الإنتاج أو الإجادة؛ بل يتعدى الأمر إلى روح التدمير لكل ما حوله، والرغبة في ترك الوطن؛ والتجنس بجنسية أخرى، وتلك حقيقة يراها الجميع كل يوم.
ثالثًا: الاحتيال للحصول على المال بكافة الطرق:
وتلك ظاهرة يعيشها المجتمع، وسببها هذه الفوارق الشديدة بين فئات المجتمع الواحد؛ الناشئة عن استغلال أهل الغنى لأهل الفقر، فصار الجميع يرغب في القفز ليكون واحدًا من هؤلاء عن طريق الحق أو الباطل، فتعددت الاختلاسات، وازدادت القروض بدون ضمانات؛ ثم الهروب بها إلى الخارج، ففي الوقت الذي ترى فيه المصرف يضغط على الفقير ليسدد الرِّبا، ترى نفس المصرف يعطي قرضًا بالملايين بدون ضمانات، ثم يجد صاحبه قد ترك البلاد وما فيها، وهذا تدمير للاقتصاد والبلاد بلا شك.
وهذه الآثار وغيرها ناشئة عن تحكم النظام الرِّبوي في معاملاتنا؛ حتى تجرأ عليه الأفراد بعد أنْ كان مقصورًا على المؤسسات، بحجة أنه متداول في كل مكان.
الربا هادم الاقتصاد:
إنّ الإسلامَ يريدُ المجتمع الصالح المبني على أُسُسٍ قويةٍ، وهذا المجتمع لا بد أن يكون كلُ فردٍ من أفرادِهِ عُضوًا عاملًا، أمّا إذا كان البعض عاملًا، والبعض الآخر كسالى؛ يعيشون عالة على غيرهم، ويعتمدون في بقائهم على ما يقدمه الآخرون لهم؛ فإنّ هذا المجتمع يختل توازنه، ويدركه الضعف والشقاء.
يقول الرّازي: «إنما حُرِّمَ الرِّبا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأنّ صاحب الرِّبا إذا تمكن بواسطة عقد الرِّبا من تحصيل الدرهم الزائد نقدًا كان أو نسيئة؛ خف عليه اكتساب وجه المعيشة، ولا يكاد يتحمل مشقة الكسب، والتجارة، والصناعة الشاقة، وذلك يُفْضِي إلى انقطاع الخلق، ومن المعلوم أنّ مصالح العالَـم لا تنتظم إلا بالتجارات، والحِرَفِ، والصناعاتِ، والعماراتِ».
ويقول الغزالي: «واستغلال المال بالمال مما لا يقره الشرع، ولا يرضاه اللهُ لعباده؛ لأنه يؤدي إلى انحياز المال للأغنياء، وتكديسه في خزائنهم وصناديقهم، ووقوف حركة الأعمال، والتمييز بين النّاس، وشيوع البطالة، والكساد في الأُمة».
ولو أنّ الأُمة ألزمتْ أبناءها بمنع الرِّبا، ووضعت لهم المعاملات المتفقة مع الإسلام لازدهرت، وتقدمت، وامتلكت قرارها، ولا يظن أحدٌ أنّ ذلك صعب؛ لأَنَّ الأُمم تألفُ ما يُوضعُ لها من نُظُمٍ، وهذا يرد على من يزعمون وجوب مجاراة العالَم في المعاملات.
شُبْهَةٌ والرَّدُ عليها:
يرى كثيرٌ من آكلي الرِّبا أنهم مضطرون والضرورات تبيح المحظورات، والضرورة هذه تلاعب بها النّاسُ، وصاروا يذكرون في كل ما يفعلونه من حرام قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)[الأنعام:119].
والأصل: أن يكون تطبيق الضرورة في حدود ضيقة، أو بمعنى أصح: في حدود الضرورة الفعلية.
وهذا يتطلب العلم بقواعد الشريعة، كما يستلزم التقوى والورع؛ حتى لا يبيح الإنسان لنفسه الحرام، ولا يتسرع في تطبيق الرخصة؛ فيضعها في غير موضعها، بل عليه أن يستنفذ كل الحلول الممكنة.
أظن أنه -إن فعل ذلك- لن يجد حاجة للرخصة: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[الطلاق:2-3]. [«روضة الخطباء» (304 -310)].
«وهم -باسم الضرورة- يتعاملون به تعاملًا لا تدعو إليه الحاجة؛ فضلًا عن الضرورة، فالتاجر يتعامل بالربا لتوسع تجارته، والصانع للتوسع في صناعته!
إنّ الضرورة التي تبيح المحرّمَ تقدر بقدرها، وهي لا تدخل في الأمور الزائدة عمّا تقوم به الحياة، إنما تكون في الأُمور الأساسية التي لا تقوم الحياة إلاّ بها؛ كأن لا يجد الإنسان من الطعامِ ما يقيم أوده، ويحفظ حياته.
أمّا التوسع في التجارة والصناعة؛ فهذا لا يكون في الإسلام حاجة؛ فضلًا عن أن يكون ضرورة». [«الربا» للأشقر].
وانظر ما تقدمَ صفحة َ (9 و45)، ففيه حَلٌ لِمن وَقَعَ في فاقةٍ خانقةٍ، واللهُ والمُوفق.
من الآثارِ الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ السَّلْبِيّةِ للرِّبا:
الآثارُ الاجتماعية:
1 - إستغلالُ القويّ الغني للضعيفِ الفقير.
2 - إنتشارُ الظّلم بين الناس.
3 - ظُهورُ العداوةِ بين المترابين.
4 - ظهورُ الحِقْدِ بين الأغنياءِ والفقراءِ بعامة.
5 - تَرْكُ التعاونِ، والتكافلِ، والمناصرةِ، وتخلي المُؤمنِ عن أخيه المؤمن.
6 - إغلاقُ أبوابٍ من القُربات أو تعطيلُها -أي: الطاعات-؛ مثل: الصّدقةِ، والقَرْضِ الحَسَنِ، وإغاثَةِ المَلْهُوفِ، والتّفرِيج عن المكروبِ، وإنظارِ المُعْسر والتّيسير عليه، وغيرها.
ومن الآثارِ الاقتصادية:
1- تعطيلُ الطّاقات البشرية المنتجة.
2- تعطيلُ المالِ عن الدّوران والعمل.
3- التّضخمُ الذي من شأنهِ رفعُ الأسعار.
4- الكسادُ والبطالةُ الناتجةُ عن أرتفاعِ الأسعارِ، وعدمِ قدرةِ النّاسِ على الشراءِ؛ لعدم المالِ، أو لأنّه يُرهقُ مِيزانيةَ النّاس.
5- تخفيضُ الإنتاجِ أو تَوْقِيفه، وهذا يعني: إغلاق المصانعِ والشركات.
6- توجيهُ الاقتصاد وجهة منحرفة، فهو يبحث عن الرِّبح الأكثر؛ ولو كان لا يعود على الأُمة بخير، فإذا كانت نوادي القمار، ونوادي العُهْر والفِسْق، وأبواب الرّذيلة ومؤسساتها تعطي عائدًا أكثر مِنَ المشروعات الصّناعية والتّجارية والزّراعية؛ فإنّ المرابي يجري إليها جَرْيًا.
7- تشجيعُ النّاسِ على المغامرةِ والإسرافِ، وذلك أنّ صاحبَ المال لا يَهُمهُ مَنْ يأخذُ المال، وأَيْنَ يَسْتَثمِرهُ؟! بل هَمْهُ: أن يَضْمَنَ رُجُوعَهُ مع الزيادةِ المحرمةِ.
والنّاس يأخذونَ المالَ؛ وهم لا يُحسنون التّصرفَ فيفشلوا، فيرجعُ عليهمُ المالُ بالوبال.
8- حصرُ المالِ في فئةٍ قليلةٍ مِنَ المجتمع، وهذا من أعظمِ الظلمِ والفسادِ.
9- وقوعُ المالِ في أيدي خصومنا، فعندهم البنوك العالمية المركزية التي تُودع فيها الأماناتُ، والفائضُ من أموالنا، وغيرُ المستثمر، وعندها يستثمرونه، ويسيطرون عليه، ويتحكموا بالسوق العالَـمي: المالي والاقتصادي، ويُرهبوا الدُّولَ، ويُسقطوها، وغيرها الكثير.
مِنْ مَفَاسِدِ الرِّبا:
قال بعضُ العلماء: يُشترطُ لجواز التمويل: أن يكون من وجه مشروع، كما في مقابلة عمل أو معاوضة، وألا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير.
ولذا حرمت الشرائع السماوية -كلها-؛ وكذلك الحكمة السياسية والأخلاقية والعمرانية: أكْلَ الربا، قصدًا لحفظ التساوي والتقارب بين الناس في القوة المالية؛ لأنّ الربا هو: كسب بدون مقابل ماديّ؛ ففيه معنى الغصب، وبدون عمل؛ ففيه الألفة على البطالة المفسدة للأخلاق، وبدون تعرض لخسائر طبيعية كالتجارة، والزراعة، والأملاك.
ومن المشاهد أنّ بالربا تربو الثروات؛ فيختل التساوي بين الناس.
...وهذه الثروات الأفرادية تمكن الاستبداد الداخلي، فتجعل الناس صنفين: عبيدًا، وأسيادًا.
وتقوي الاستبداد الخارجيّ؛ فتسهل التعدي على حرية واستقلال الأمم الضعيفة مالًا وعُدةً.
وهذه مقاصد فاسدة في نظر الحكمة والعدالة، ولذلك حرمت الأديان الربا تحريمًا مغلظًا» ا. هـ [من كتاب «محاسن التأويل» للقاسمي].
قلتُ: تأمل في هذا الكلام، وانظر إلى واقع أكثر دول العرب والمسلمين اليوم، فستجد سداد وصواب كلامه (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)[البقرة:156].
مِنْ مَقَاصِدِ الشَّريعَةِ:
قال ابن عاشور z: «ويمكن أن يكون مقصد الشريعة من تحريم الرِّبا: البعدَ بالمسلمين عن الكسل في استثمار المال، وإلجاؤهم إلى التشارك والتعاون في شؤون الدنيا، فيكون تحريم الرِّبا؛ ولو كان قليلًا، مع تجويز الربح من التِّجارة والشركات؛ ولو كان كثيرًا، تحقيقًا لهذا المقصد.
ولقد قضى المسلمون قرونًا طويلةً لم يروا أنفسهم فيها محتاجين إلى التعامل بالرِّبا، ولم تكن ثروتهم -أيّامئذ- قاصرة عن بقية الأُمم في العالَـم، أزمان كانت سيادة العالم بيدهم، أو أزمان كانوا مُسْتَقليّن بإدارة شؤونهم.
فلما صارت سيادة العالم بيد أُمم غير إسلامية، وارتبط المسلمون بغيرهم في التِّجارة والمعاملة، وانتظمت سوق الثَّروة العالمية على قواعد القوانين التي لا تتحاشى المراباة في المعاملات، ولا تعْرف أساليب مواساة المسلمين: دهش المسلمون، وهم اليوم يتساءلون، وتحريم الرِّبا في الآية صريح، وليس لمِا حرّمه اللهُ مبيح.
ولا مخلص من هذا المضيق إلا أن تجعل الدول الإسلامية قوانين مالية تُبنى على أصول الشريعة في المصارف، والبيوع، وعقود المعاملات المركبة من رؤوس الأموال، وعمل العمّال، وحوالات الديون، ومقاصّتها، وبيعها.
وهذا يقضي بإعمال أنظار علماء الشريعة، والتدارس بينهم في مجمع يحوي طائفة من كل فرقة؛ كما أمر اللهُ -تعالى-». ا. هـ
اتقوا الله وأجملوا في الطلب:
هذه وصية نبوية جامعة، وتحقيق ذلك يكون «بأن تطلبوا الرزق بالطرق الجميلة المحلّلة؛ بغير كدّ، ولا حرص، ولا تهافت على الحرام والشبهات، ولكن خذوا ما حلّ، ودعوا ما حرم، كما قال د: «أيها الناسُ! اتقوا اللهَ وأجملوا في الطَّلَبِ، فإنّ نفسًا لن تموتَ حتى تستوفيَ رزقها؛ وإن أبطأَ عنها، فاتقوا اللهَ وأجملوا في الطلبِ، خُذوا ما حَلَّ، ودعوا ما حَرُمَ» [رواه ابن ماجه (2144)، وصححه الألباني].
وقال د: «...ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزقِ أن يطلُبَهُ بمعصيةِ اللهِ، فإنّ اللهَ -تعالى- لا يُنالُ ما عندَهُ إلا بطاعتِهِ» [صححه الألباني في «صحيح الجامع» (2085)].
إنّ رزقكَ -يا ابنَ آدمَ!- لن يأكله غيرك، وما لم يأتك اليوم؛ سيأتيك غدًا، فلا يحملنّك تأخّر الرزق عنك أن تستعجله؛ فتطلبه من وجوهه المحرمة، ولكن إذا تأخر عنك الرزق فاصبر، واعلم أنه آتيك لا محالة، فلا تستعجلنه بأخذه من وجوهه المحرمة، فإنّ الحرام لا يدوم وإذا دام لا ينفع؛ كما قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[البقرة:276]، وكما قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)[الروم:39].
فلا يحملنك استبطاءُ الرزقِ أن تطلبه من الحراِم، فإنّ الله -تعالى- نهاك عن الحرامِ وأمركَ بالحلالِ: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)، أي: فتطلبوا الرزق من الحرام (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)[البقرة:168-169]،
(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[البقرة:172].
إنّ الحرامَ خطره عظيمٌ في الدنيا والآخرة، فمن خطره في الدنيا: أنه يُقعد عن صالح العملِ، فالذي يتغذىٰ جسمه بالحرام لا يكون فيه قوة ولا قدرة على العمل الصالح؛ لأنّ أكلَ الحرامِ يُضعفُ البدنَ؛ كما أنّ أكلَ الحلالِ يُقويه، ولذلك قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [المؤمنون:51].
فالذي يُغذي جسمه بالحلالِ الطيبِ يُقوي جسمه على العبادة، والذي يغذي جسمه بالحرام يضعف جسمه عن القيام بوظيفته التي خُلِقَ لها؛ من العبادةِ، والشكرِ، والواجبِ للهِ على عبادهِ.
ومنْ خَطَرِهِ -أيضًا في الدنيا-؛ أنّه: يمنع إجابةَ الدعاء، كما قال النبيُّ د:... ثم ذكرَ: «الرجلَ يُطيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يمدُّ يدَيْهِ إلى السماءِ: يا ربِّ! يا ربِّ! ومَطْعَمُهُ حرامٌ، ومَشْرَبُهُ حرامٌ، ومَلْبَسُهُ حرامٌ، وَغُذِيَ بالحرامِ، فأنّى يُستجابُ لِذلكِ؟!» [رواه مسلم (1015)، وغيره].
ومن خطرِ الحرامِ في الآخرةِ: أنه يوجبُ لآكلهِ النّارَ، كما قال النبيُّ د: «كلُّ جَسدٍ نَبَتَ من سُحتٍ فالنارُ أوْلى به» [رواه الدارمي، و صححه الألباني في «صحيح الجامع» (4519)].
ويقولُ ربنا -سبحانه-: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ([2]) ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)[النساء:10]، ويقول تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ...ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)[النساء:29،30].
فمهلًا أيها العاصي! وصبرًا أيها الكيّس! صبرًا عن الحرام، فإنّ الصبرَ عن الحرامِ أهون ألف مرة مِن الصبر على النار!!
«فاتقوا اللهَ وأجملوا في الطلبِ، خذوا ما حَلَّ ودعوا ما حَرُمَ»، «ولا يحملنكم استبطاءُ الرزقِ أن تطلبوهُ بمعصيةِ اللهِ، فإنّ اللهَ -تعالى- لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعتِهِ».
ما أحسن هذه الوصية! وما أروعها! وما أجملها!
وما أحوج المسلمين اليوم إليها! ما أحوجهم إليها، ونحن نرى الحرص الشديد على جمع المال؛ من حلِّه، ومن غير حلّه!
ما أحوجهم إلى هذه الوصية، ونحن نراهم يتكالبون على الدنيا، ويتقاتلون عليها!
ما أحوجهم إلى هذه الوصية، ونحن نرى المال قد صار شغل الناس الشاغل، والهمّ الأكبر، يصبح الرجل وهمّه المال، ويمسي وهمه المال، ويفكر في المال بالنهار، ويحلم به في الليل، إذا قام بين يدي الله في الصلاة؛ فجُلّ تفكيره في المال!!!
فما أحوجنا إلى هذه الوصية العظيمة: «ولا يحملنَّكم استبطاءُ الرزقِ أن تطلبوهُ بمعصيةِ اللهِ»!
ما أحوجنا إليها؛ ونحن نرى رجلًا استبطأ رزقه؛ فركض إلى البنك، فأخذ السُّلف والقروض الربوية، وأقام المشروعات، وبنى العقارات، وظن أنه قد بلغ القمة، وصار في حصن حصين من الفقر، وأن الفقر لن يعرف له طريقًا، (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ)[القلم:19،20]، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)[الروم:6].
ما أحوجنا إلى هذه الوصية، ونحن نرى شباب المسلمين يستبطئ أحدهم رزقه؛ فلا يجد إلا أن يسافر إلى بلاد الكفر والإلحاد، إي والله! إلى بلاد الكفر والإلحاد؛ لبيع الخمر ولحوم الخنزير، أو يدير كازينو أو مقهى ليليًّا، أو نحو ذلك.
أين الصلاة؟ لا صلاة! أين الصيام؟ لا صيام! إن عاش؛ فسوف يصلي ويصوم، ولكنه -الآن- يريد أن يبني نفسه، ويؤمن مستقبله، ويؤسس حياته، ويفتح بيته، وكأنّ له من اللهِ عهدًا أن لا يتوفاه؛ حتى يجمع المال!
ولقد بلغ الحرص على المال مبلغًا خطيرًا، جعل السفر لا يقتصر على الشباب فقط، بل على بنات المسلمين ونسائهم، إي والله! لقد سافرت الفتاةُ لكسب المال، وسافرت الزوجةُ لكسب المال! سافرت الفتاةُ؛ وأبوها في بلده، وسافرت الزوجةُ؛ والزوجُ في بيته! أين باتت امرأته؟ تحت أي سقف؟ وعلى أي فراش؟ لا يدري! المهم أنها سترجع بالمال! نحن في عصر المال!
نحن في زمن شعاره: (اللي ما معهوش قِرْش ما يساويش قِرْش)!!!
ففي سبيل القِرْش يرخص العِرْضُ، ويهونُ الشَّرَفُ، وتُنسى الكرامةُ، ويُعْرض عن الدِّين!
والكلُ يقولُ: (بدنا نعيش، الحياة غالية)!
أي نعم؛ الحياةُ غاليةٌ! فلمّا غَلَتْ الحياةُ رخصت الأعراضُ! ولما غَلَتْ الحياةُ رَخُصَ الشَّرفُ! ولما غَلَتْ الحياةُ رَخَصَتِ الكرامةُ! ولما غَلَتْ الحياةُ رَخُصَ كلُ شيءٍ؛ حتى الدِّين! حتى الدِّين!!!
النّاسُ -الآن- مصابون بجنونِ المالِ! وإن كنتم سمعتم عن جنونِ البقرِ! فالنّاسُ -الآن- مصابون بجنون المالِ! إلاّ من رحم اللهُ وقليل ما هم!
تركبُ الطائرةَ لا تسمع إلا حديثَ المالِ! تركبُ السيارةَ لا تسمع إلا حديثَ المالِ! تجلسُ في مجلسٍ لا تسمعُ إلا حديثَ المالِ! الدِّرهمِ! الدِّينارِ! الدُّولار!
ماذا ستصنعُ بالمالِ وغدًا تموتُ وتتركه! (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)[الأنعام:94].
والرسولُ د يقولُ: «يتبعُ الميتَ ثلاثةٌ: أهلُهُ، ومالُهُ، وعملُهُ، فيرجعُ اثنانِ، ويبقى واحدٌ، يَرجعُ أهلُهُ، ومالُهُ، ويبقى عَمَلُهُ» [رواه البخاري (6514)، ومسلم (2960)].
فيا عبادَ الله! أفيِقوا مِنْ غفلتكم! وانتبهوا مِنْ رقدتكم! واعلموا أنَّ الموتَ قريبٌ (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)[لقمان: 34].
فعرضَك عرضَك! شرفَك شرفَك! كرامتَك كرامتَك! دينَك دينَك! آخرتَك آخرتَك! النارَ النارَ!
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)[التحريم:6].
اللهم: لا تجعل الدنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.. آمين يا رب العالمين» [ انتهى باختصار من كتاب «الأربعون المنبرية» (69 و325 -332) لعبد العظيم بدوي].
فتاوى المجامع الفقهية:
1- فَتْوى مَجْمَعِ البُحُوثِ الإسَلامّيةِ في القاهِرَةِ:
لقد صدرت الفتاوى الكثيرةُ مِنَ المجامعِ العلميةِ، و العلماءِ الثقاتِ في مختلفِ البلادِ الإسلاميةِ، وعلى اختلاف أعصارهم في تحريم الرِّبا دون شكٍ، ومنها: مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، الذي كان يَضُمُ مائةً وخمسينَ عالمًا.
ففي مؤتمره الثاني المُنعقد في شهر المحرم (1385 هـ- 1965 م) أَصْدَرَ الفتوى التاليةَ بالإجماع:
«الفائدةُ على أنواعِ القروضِ -كلّها-: ربًا محرمٌ، لا فرقَ بين ما يُسمى بالقرضِ الاستهلاكي، وما يُسمى بالقرضِ الإنتاجي.
وكثيرُ الرِّبا في ذلكَ وقليلهُ حرامٌ، والإقراضُ بالرِّبا محرمٌ كذلك...» [من كتاب الأشقر «الربا» (74،75)].
2- قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن حكم التعامل المصرفي بالفوائد:
«...فإنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره...
... بعد أن عرضت عليه بحوث مختلفة في التعامل المصرفي المعاصر.
وبعد التأمل فيما قُدِّم، ومناقشته مناقشة مركزة، أبرزت الآثار السيئة لهذا التعامل على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث.
وبعد التأمل فيما جره هذا النظام من خراب؛ نتيجة إعراضه عما جاء في كتاب الله؛ من تحريم الربا -جزئيًّا وكليًّا- تحريمًا واضحًا، دعا المجمع إلى التوبة منه، وإلى الاقتصار على استعادة رؤوس أموال القروض؛ دون زيادة، ولا نقصان -قلَّ أو كثر-، وبيَّن ما جاء من تهديد بحرب مدمرة من الله ورسوله للمرابين.
قرَّر:
أولًا: أنَّ كل زيادة أو فائدة على الدَّين الذي حلَّ أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة «أو الفائدة» على القروض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان: ربًا محرَّم شرعًا.
ثانيًا: أنَّ البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام، هو: التعامل وفقًا للأحكام الشرعية.
ثالثًا: قرَّر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف التي تعمل بمقتضى الشريعة الإسلامية، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي؛ لتغطي حاجة المسلمين؛ كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته. والله أعلم» [من « توضيح الأحكام» للبسام].
الفوائدُ
والقروضُ
والقليلُ
والكثيرُ؛ كلّه محرمٌ بالإجماع.
ومثل هذه الفتوى صدرت عن:
هيئةِ كبار العلماءِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، واللجنةِ الدائمةِ للإفتاءِ، ومجمع الفقهِ الإسلامي المنبثق عن منظمةِ المؤتمرِ الإسلامي، و«أصدر المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة، والمؤتمر الفقهي الإسلامي في الرياض، فهؤلاء الشرعيون والاقتصاديون والقانونيون أجمعوا على أنَّ الفوائد هي الربا المحرَّم.
وهناك فتاوى من كبار علماء المسلمين، أمثال: الشيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن محمَّد بن حميد، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ أبو الأعلى المودودي، والشيخ محمد عبد الله دراز، والشيخ أبو زهرة، والشيخ يوسف القرضاوي، كل هؤلاء وغيرهم من علماء المسلمين كتبوا، ووضحوا أنَّ هذه الفوائد البنكية محرَّمة، وأنَّها عين الرِّبا المحرَّم» [من «توضيح الأحكام» للبسام].
بَابُ التَّوبةِ مَفتوُحٌ:
إعلم أنّ مَنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، وقبل تَوبتهُ، و وَفَّقَهُ للخيرات وجنبه الشرورَ والمنكرات، وهذه شروطُ التوبةِ الصادِقَةِ المقبولة:
أولًا: أنْ يُقلع عن الذَّنب ويتركه على الفور.
ثانيًا: أنْ يندم على ما فَعَلَ.
ثالثًا: أنْ يعزم ويعاهد اللهَ رَبَّهُ ألاّ يرجع إلى الذنب مَرَّةً أُخرى أبدًا.
رابعًا: أنْ يبرأ من صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوهَ رَدَّهُ إليه، وإن كانت غِيبةً أو أذيةً استحلهُ منها وطلبَ عفوه.
فإن فقدت التوبة شرطًا لم تُقبل.
كَيْفَ يَخلُصُ مِنَ المالِ الحرامِ؟
يجبُ على مَنْ جمع مالًا من حرامٍ؛ ربًا أو غيره، أنْ يخرجه ولا ينتفع بشيء منه، ويصرفه في جهتين:
الأولى: في المصالح العامة، كبناء المستوصفات والمستشفيات والمدارس والأسوار والطرقات، أو إصلاحها، أو طباعة ونشر كتب العلم النافع ونحوها.
والثانية: إعطاءها للفقراء والمحتاجين لدفع الفقر وسد الحاجة عنهم.
ولا تُعتبر من الزكاة أو الصدقة، بل شرط من شروط قَبول توبته، فمن جمع مالًا حرامًا فعليه إخراجه، وإلاّ كانت توبته غير صحيحة ولا مقبولة، بهذا أفتى العلماء.
النصائح والتوجيهات:
1- إحذر الرِّبا؛ فإنه من كبائر الذنوب، ومن أسباب الشقاء في الدنيا والآخرة، ينالُ الفرد والأُسرة، والمجتمع والأُمة.
2- إنّ الرِّبا أنواعه وصوره كثيرة، ومنها الظاهر والخَفِيّ، حتى إنّه ليخفى على الخبير في التجارة والمال، فلا بد (وهو الواجب) من التفقه وسؤال أهل العلم الشرعي.
3- يقعُ الرِّبا في القروضِ، والبيوعِ، والصّرفِ، والدَّين، والعملات، والذهب، والشيكات، وغيرها.
4- فوائد البنوك هي الرِّبا الصريح.
5- أجمعت المجامع الفقهية الإسلامية على أنّ هذه الفوائد محرمة، وأنها عين الرِّبا بأنواعه الكلية الثلاثة: ربا الفضل، وربا النسيئة، وربا القرض.
6- لا تُودع مالك إلا في البنوك والمصارف الإسلامية.
7- تعامل أيها التاجر ويا صاحب المال مع البنوك عند الضرورة بالفقه والخوف من الله، مع الحذر من الرِّبا والحرام.
8- استثمر مالك في التجارة والصناعة والزراعة المباحة، وبذا تحرك الأرض والآلة والأيدي، وهذا هو المجتمع القوي مع الإيمان.
9- تقصيرُ الدُّوَلِ وأصحابُ المالِ في توفير المصارف الإسلامية الكافية والملتزمة بالطرق الشرعية في المعاملات؛ لا يُعفي عامة المسلمين من القيام بواجباتهم، ومنها: عدم العمل والتعامل بالرِّبا.
10- يجبُ على أصحاب المتاجر والمُؤسسات الكبرى أن يُوظفوا عالمًا أو مفتيًا دارسًا للفقه والاقتصاد الإسلامي، خبيرًا متأهلًا لذلك، غير متساهل في الحرام، لكي ينطلقوا منطلقًا صحيحًا سليمًا مباركًا ويُوفقوا.
11- وعلى جميع المسلمين -حكامًا ومحكومين- تشجيع البنوك والمصارف الإسلامية ومساندتها؛ لتكون بديلًا عن البنوك الرِّبوية.
12- مطالبة العلماء، والمدرسين، والأئمة المتأهلين في الفقه أن يعلموا الناس أحكام الرِّبا، وصوره، وأنواعه، وفقه البيوع بعامة، في المساجد، والمدارس، والجامعات، والندوات في التلفاز، والمذياع؛ على الدّوام وبالتكرار، لكي يتعلم الجميع أحكام البيوع؛ لشدة حاجة الناس إليها.
13- دعوة العلماء وأهل الاختصاص لتوفير الكتب المختصرة والميسرة في صور البيوع المحرمة ونشرها، وجعلها في أقراص، وأشرطة (كاسيت) يسهل سماعها لمن لا يحسن القراءة.
واعلموا:
أولًا: أنّ ما قلَّ وكفى خيرٌ مما كَثُرَ وألهى وأطغى.
ثانيًا: وأنّه لن تزولا قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل: ...وعن ماله؟ من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟
ثالثًا: وأنّ الطاعة تَجُرُ إلى طاعة، وأنّ المعصية تَجُرُ لمثلها.
رابعًا: وأنّ اللهَ يُمهل ويُملي للظالم والعاصي؛ ولا يُهمله ولا يُفلته.
خامسًا: ومَنْ ترك شيئًا للهِ عوضهُ اللهُ خيرًا منه.
سادسًا: والنية الصالحة لا تجعل العمل (المحرم) صالحًا.
سابعًا: والواجب على الرَّجل أن يُعين زوجته على طاعة الله وأكل الحلال، وكذلك الزوجة مع زوجها، والآباء مع الأبناء، والأصحاب والرِّفاق.
ورحمَ اللهُ نساءَ السَّلَفِ لما كانت إحداهنّ توصي زوجها قبل الخروج من البيت للعمل بقولها: يا هذا! اتَّقِ اللهَ فينا، ولا تُطعمنا إلاّ الحلال؛ فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النّار.
وفي النهاية:
فإن حرب الأُمة -الآن- ليست مع الناس، وإنما هي مع الله -سبحانه-: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[الحشر:4].
وأكررُ وأقولُ: أنّ حربَ الأُمة -الآن- مع اللهِ؛ لأنّ اللهَ -تعالى- قال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[البقرة:278،279].
وإذا كنّا نحاربُ اللهَ! فكيف نسأله النصر؟! وكيف نمدُ إليه أيدينا ندعوه بالعفو والعافية؟! وكيف؟! وكيف؟!
إنّ هذه الأُمة لن تقوم لها قائمةٌ إلا إذا تصالحت مع الله، وخضعت لأوامره، وحرمت الرِّبا، وعندها يكون الله معها، ومن كان الله معه؛ فلن يغلبه أحدٌ، فهل من مجيب؟! وهل من معتبر؟!!
وحسبنا الله ونعم الوكيل» [انتهى باختصار من «روضة الخطباء» (304-310) للدكتور مصطفى مراد].
الفهرس
المقدمة...................................................... 5
الرِّبا لغةً واصطلاحًا................................. .......... 7
حكم الرِّبا................................................... 9
شَرْحُ آيةِ تحريم الرِّبا........................................ 11
صفُّ وتَنسِيقُ وتَدقِيقُ
مُؤَسَّسَةِ الرَّبِيعِ
للطِّباعةِ والحَاسُوبِ
YZYZYZYZYZYZYZYZYZYZYZYZYZ
عمَّان ـ الأردن 96 772 883 - 33 718 66 77 / 00962
Al_Rabea_Est@Yahoo.Com
([1]) قاله الحافظ في «الفتح».
([2]) ومثله أكل الرِّبا.
أخي المسلم.. أختي المسلمة:
إذا أردتَِ أن يكون لك الأجر في الدنيا والآخرة...
فاطبع هذا الكتاب أو ساهم في طبعه ونشره.. فإنه من الصدقات الجارية.
قال الله -تعالى-:
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) )[البقرة:275-281]
المقدمة
إنّ الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضِّل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله د وعلى آله وصحبه، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.. آمين.
أمّا بعدُ:
فهذه ورقات مختصرات، قليلات مباركات، ذكرتُ فيها خطورة الرِّبا وأثرها السَّيئ على الأفراد والجماعات والمجتمعات، وما ينتج عنها من عقوبات وويلات في الدنيا والآخرة، قصدتُ بها وجه اللهِ -تعالى-، والنصيحة للمسلمين، فإنّ كثرة المال مُتعِبةٌ، كما أنّ قلته مُتعِبةٌ كذلك، والنفوس جبلت على محبة المال؛ كما قال الله: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[الفجر:20].
بل بلغ المال في نفوس بعض الخلق مبلغًا عظيمًا حتى عبدوه، قال رسول الله د: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرهم...» [رواه البخاري (2886)].
وعُبّاد الشهوات وأهلها في الدنيا هم أهل النار يوم القيامة -والعياذ بالله-، وحُبُّ المال من الفتن التي تُبتلى بها النفوس في هذه الدار، فإنّ العبدَ يُجاهد نفسه فيها ليسلم من فتن الشبهات والشهوات.
والمال من أعظم فتن الشهوات، كما قال د: «إنّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنةً، وفِتْنةُ أُمتي المالُ». [رواه الترمذي وحسّنه (2336)].
«فالعبدُ في هذه الدار مفتونٌ بشهواته، ونفسه الأمارة بالسُّوء، وشيطانهِ المُغوي المُزَيِّنِ، وقرنائه، وما يراه ويشاهده مما يعجز صبرُهُ عنه، ويتفقُ مع ذلك ضعفُ الإيمان واليقين، وضعفُ القلب، ومرارةُ الصبر، وذوقُ حلاوة العاجل، وميلُ النفس إلى زهرة الحياة الدنيا، وكونُ العوض مؤجلًا في دار أخرى غير هذه الدار التي خُلق فيها، وفيها نشأ، فهو مكلف بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طُلِبَ منه الإيمانُ به». (من كلام ابن القيم).
والمُنجي من هذه الفتنة -بإذن الله-: الإيمانُ بالله، وتعظيمُه، واتباعُ نبيه د في شأنه كله، وتركُ ما حرَّم الله، وإتيانُ ما أحلَّ الله، ودعاءُ الله وسؤالُه التثبيت والعافية، فإنّ قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن؛ يُقلِّبُها كيف يشاء. (من كلتاب «الفتنة وموقف المسلم منها»).
وأخيرًا: اقرأ بتأمل وتفهم بقصد الهداية والانتفاع...
واللهَ أسألُ أن يكون عملنا هذا -وكل أعمالنا- زادًا لحسن المصير إليه، والحمد لله ربِّ العالمين.
وكتبه
أبو بكر خالد بن موسى نواصره
في ليلة النصف من شهر ربيع الأول
سنة 1430 من هجرة النبي الأكرم د
في مدينة الرمثا
الرِّبا لغةً واصطلاحًا
! الرِّبا لغة:
مصدر قولهم: رَبَا يَرْبُو؛ إذا زادَ، وهو مأخوذٌ من مادَّةِ (ر ب و) والتي تدلُّ على الزيادةِ والنماءِ والعلوِ . [«مقاييس اللغة» (2/ 484)].
ومنه قوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)[الحج:5].
أي: اهتزت بأشجارها وعشبها، وربت، أي: زادت مزروعاتها.
وقال ابن منظور: «يُقالُ: رَبَا الشيءُ يربوُ رُبُوًَّا و رِبَاءً؛ أي: زاد ونما، وأرْبَيْتُهُ: نَمَّيتُهُ، ومنه أُخِذَ الرِّبا الحرامُ، وأَرْبَى الرّجُلُ: دخل في الرِّبا». [«لسان العرب» (3/ 1572)].
والرِّبا في المعاملة: هو الزيادة على رَأسِ المالِ.
! والرِّبا اصطلاحًا -أي: عند علماء الشريعة -:
قال التّهانَويُّ: «الرِّبا في الشرع هو عبارةٌ عن عقدٍ فاسدٍ؛ وإن لم تكن فيه زيادةٌ؛ لأنّ بيع الدّرْهَمِ بالدرهمِ نسيئةً (يعني: مؤجلًا) ربًا؛ وإنْ لم تتحقق فيه زيادةٌ».
وقال -أيضًا-: «وقيل: هو فَضْلٌ مَاليٌّ بلا عِوَضٍ في معاوضةِ مالٍ بمالٍ شُرِطَ لأِحَدِ المتعاقدين». [«كشاف اصطلاحات الفنون» (593)].
! الحلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ:
عن النعمان بن بشير ب قال: قال النبيُّ د: «الحلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ، ... أَلا وإنَّ في الجسدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كُلُّهُ، وإذا فسدتْ؛ فسدَ الجسدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ: القَلْبُ». [رواه البخاري (52)، ومسلم (1599) ].
قوله: «بَيِّنٌ»، أي: لا يحتاج إلى بيانه، ويشتركُ في معرفته كلُّ أحد.
وقوله: «أَلا وإنّ وفي الجسد مضغة...، أَلا وهي: القلب» خُصَّ القلبُ بذلكَ؛ لأنه أَميِرُ البَدَنِ، وبصلاحِ الأميرِ تصلحُ الرّعيةُ، وبفسادهِ تفسدُ.
وفيه تنبيه على تعظيم قَدْرِ القلبِ، والحث على صلاَحه.
والإشارة إلى أنّ لطيب الكسب أثرًا فيه([1])، وذلك أنّ القلبَ الذي غُذِيَ بالحلالِ قلبٌ بصيرٌ يعقلُ عن اللهِ مرادَهُ، بعكسِ القلبِ الذي يأكلُ الحرامَ؛ فهو أعمى عن إدراكِ أو فهمِ مرادِ الله في أوامره؛ لأنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وحاصل الأمر: أنّ الله -تعالى- أنزل على نبيه الكتاب، وبيّن فيه للأُمة ما تحتاجُ إليه من حلالٍ وحرامٍ؛ كما قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النحل: 89].
فَحُكْمُ الرِّبا بيِّنٌ لا يخفىٰ، وإليكَ مَزيِدُ بيان:
حُكْم الرِّبا
إنّ اللهَ -تعالى- حّرم الرِّبا تحريمًا أبدِيًّا قطعيًا، فلا يحل بحالٍ من الأحوال.
فقد أباح للمضطر أن يأكل الميتة أو لحم الخنزير؛ لدفع غائلة الموت، ولم يحل الرِّبا لأية ضرورة؛ كلُّ ذلك لطفًا بعباده المؤمنين، ورحمةً بهم.
! وتحريمُ الرِّبا ثابتٌ في الكتابِ، والسُّنَّةِ، والإجماع.
أمّا الكتاب؛ فمثل قولِ اللهِ -تعالى-: (...ﭪ ﭫ ﭬ)[البقرة:275].
وأمّا السُّنّة؛ فمن مثلِ قولِ جابرٍ: «لَعَنَ رسولُ اللهِ د آكِلَ الرِّبا، ومُوكِلَهُ، وكَاتِبَهُ، وشَاهِدَيْهِ، وقال: هُمْ سَوَاء» [رواه مسلم في «الصحيح» (1598)].
وأجمع المسلمون على تحريمه، وأنه من كبائر الذنوب.
قال النووي: «يستوي في تحريم الرِّبا الرجلُ، والمرأةُ، والعبد، والمكاتب بالإجماع.
ولا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب، فما كان حرامًا في الإسلام كان حرامًا في دار الحرب؛ سواء جرى بين مُسلِمَين، أو مسلم وحربي؛ سواء دخلها المسلم بأمان، أم بغيره.
هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وأحمد، وأبو يوسف، والجمهور...». «المجموع» (9/ 391).
إنّ الرِّبا -لفظاعة ظلمه، وبشاعة جريمته-: حرّمه الله -تعالى- على الأمم قبلنا، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[النساء:160-161].
شَرْحُ آيةِ تحريم الرِّبا
! وإلَيِكَ شَرْحُ آيةِ التَّحريمِ: (ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ)[البقرة:275]
قال الإمام ابن جرير الطبري: «يعني بقولِه: (ﭧ ﭨ ﭩ): وأَحَلَّ الأرباحَ في التجارةِ والشراءِ والبيعِ.
(ﭪ ﭫ ﭬ)، يَعني: الزِّيادَةَ التي يُزادُها ربُّ المالِ بسببِ زيادَتِه غريمَه في الأجلِ وتأخيره دَيْنَه عليه.
يقولُ -تعالى ذكرُه-: فليست الزيادتان اللتان إحْداهما: من وَجْهِ البيعِ، والأخْرَى: مِن وَجهِ تأخيرِ المالِ والزِّيادةِ في الأجلِ؛ سواءً، وذلكَ أنِّي حرَّمتُ إحدَى الزيادتين
- وهي التي من وَجْهِ تأخيرِ المالِ، والزَّيادةِ في الأجلِ-؛ وأحْلَلْتُ الأخرى منهما
- وهي التي مِن وَجْهِ الزيادةِ على رأسِ المالِ؛ الذي ابتاع به البائعُ سِلْعتَه التي يَبيعُها فيستفْضِلُ فضْلَها-.
فقال الله -جل ثناؤهُ- لهم: ليست الزيادةُ من وجهِ البيع نظيرَ الزيادةِ من وجه الرِّبا؛ لأني أحللتُ البيعَ وحرمتُ الربا، والأمرُ أمْري، والخلقُ خلْقي، أقضي فيهم ما أشاءُ، وأستعبدُهم بما أُريدُ، ليس لأحد منهم أن يعترض في حُكْمي، ولا أن يُخالفَ أمري، وإنما عليهم طاعتي والتسليمُ لحكمي.
ثم قال -جل ثناؤهُ-: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)، يعني بالموعظةِ: التذكرَ والتخويفَ الذي ذكَّرهم وخوَّفَهم به في آيِ القرآن، وأوعدَهُم على أكلهم الربا من العقاب.
يقولُ -جل ثناؤهُ-: فمن جاءه ذلك؛ (ﭲ) عن أكْلِ الرِّبا، وارتَدعَ عن العملِ به، و انزجَرَ عنه؛ (ﭳ ﭴ ﭵ)، يعني: ما أَكَلَ وأَخَذَ، فمضى قبل مجيء الموعظةِ والتحريمِ من ربِّه في ذلك.
(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)، يعني: وأَمْرُ آكلِه إلى اللهِ بعد مَجيئهِ الموعظةُ من ربِّه والتحريمُ، وبعدَ انتهاءِ آكلِهِ عن أَكْلِه.
(ﭷ ﭸ ﭹ) في عِصْمتهِ وتوفيقه، إن شاءَ عصَمه عن أكْلهِ، وثَبتَّهَ في انتهائه عنه، وإن شاء خذله عن ذلك.
(ﭺ ﭻ)، يقولُ: ومن عادَ لأكل الربا بعد التحريم، وقال ما كان يقولهُ قبل مجيءِ الموعظةِ من اللهِ بالتحريمِ من قوله: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)، (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ): ففاعِلُو ذلك وقائِلوه هم أهلُ النار، يعني: نارَ جهنم.
(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)، يعني: دائمو البقاءِ فيها، لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها.
وبنحوِ ما قُلْنا في ذلِكَ قالَ أهلُ التأويلِ (يعني: التفسير)» ا. هـ
قلتُ: يخلدُ في الّنارِ خُلودًا أبديًّا إذا كانَ مُستحلًا للحرام ِ استحلالًا قَلْبيًّا، جاعلًا إياه مَمَّا أَحَلَّهُ اللهُ، أو مِثْلَهُ سواء.
وإن لم يفعله استحلالًا قلبيًّا؛ بل معتقدًا حرمته؛ ومع ذلك تَعَمَّدَ العصيان؛ فهو مرتكبٌ لكبيرةٍ من أكبر الكبائرِ وأغلظِها وأفحشِها، توجبُ عليه المكثَ الطويلَ -الذي عُبِّرَ عنه بالخلودِ- في نارِ جهنمَ؛ حتى يَطْهُرَ من ذنبه، ثم يخرج إلى الجنة؛ إن لم تدركه رحمةُ ربِّ العالمين بشفاعة أحدِ الشافعين، أو بتوبة نصوح
-بشروطها المعتبرة- يقبلها الله منه.
وهذا التفسيرُ هو الصحيحُ في توجيهِ الآية لا غيره؛ للأحاديثِ المتواترةِ عن النبيِّ د القاضيةِ بخروج عصاةِ الموحدينَ من النّار بعدَ دخولهم.
فهل ترضى لنفسكَ -أخي المسلم- أن تَدخلَ النَّارَ مِنْ أَجْلِ لَذَّةٍ فانيةٍ،
وعَرَضٍ زائِلٍ، قال اللهُ -تعالى-: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[النساء:77].
واقرأْ وَصِيَّةَ الرَّسُولِ آخرَ حياتِهِ:
الإسلامُ يُبْطِلُ الرِّبا:
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ ب قال: إنَّ رسولَ اللهِ د خَطَبَ الناسَ في حجةِ الوداعِ؛ وقال: «إنّ دِمَاَءكُم وأَمْوَالَكُم حَرَامٌ عَلَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُم هذا، في بَلَدِكُم هذا، أَلاَ كُلُّ شيءٍ من أَمْرِ الجاهليّةِ تَحْتَ قَدَمَّي مَوْضوعٌ... وربا الجاهليّةِ موضوعٌ... فإنّه موضوعٌ كُلُّهُ...». [رواه مسلم (1218)، وغيره].
قال النووي z: «في هذهِ الجملةِ: إبطالُ أفعالِ الجاهليةِ وبيوعها التي لم يتصل بها قبض.
وقوله: «إنّهُ مُوضوعٌ كُلُّهُ» معناه: الزائد على رأس المالِ؛ كما قال اللهُ -تعالى-: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[البقرة:279].
وهذا الذي ذكرتُهُ إيضاحٌ، وإلاّ فالمقصودُ مفهومٌ من نَفْسِ لفظِ الحديث؛ لأنّ الربا هو الزيادة، فإذا وضع الربا؛ فمعناه: وضع الزيادة، والمراد بالوضع: الرد والإبطال» ا. هـ [من «شرح صحيح مسلم»].
قلت: هذا فيما بقي من مالٍ على الآخذِ، فيضع المعطي الزائدَ، وأمّا ما مضى وانقضى؛ فقد قال ربنا: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ)، أي: إنْ تابَ، (ﰆ ﰇ) بعد التحريم (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ)[المائدة:95].
وبَدَأ النبيُّ د بِعَمِّهِ وأَخَصِّ النّاسِ به، وهذا من سُنَنِ العدلِ للإمام أنْ يُفيِضَ العدلَ على نَفْسِهِ وخاصّتِهِ، فَيَسْتَفيِضُ حِينَئِذٍ في النّاسِ.
حُكْمُ الرِّبا عِندَ الأُمَمِ الأُخرى:
«وأكتفي ببيانِ نظرةِ الإغريقِ واليهودِ والنصارى إلى الرِّبا:
1- الرِّبا عند الإغريق:
لقد سَلِمَ الإغريقُ القدماءُ من وباءِ الرِّبا، فصولون الذي وضعَ قانونَ «أَثِينا القَدِيم» نهى عنه، وأَرِسْطُو الفَيْلَسُوف ذمَّ الفائدةَ بكلمات بالغةِ القوةِ، واعتبرَ الفائدةَ
-أيًّا كانَ مقدارها- كسبًا غير طبيعي؛ لأنّ مُؤداها أن يكونَ النّقدُ وحده منتجًا غلّة من غير أن يشترك صاحبهُ في أيِّ عمل، أو يحتمل أيّ تبعة.
ومِنَ كلامهِ في هذا: «أنّ النقدَ لا يُوَلِدُ النّقدَ»، وشَبَّهَ النقدَ بدجاجةٍ عاقر لا تبيض.
والغرضُ الأوحدُ من استخدامِ المالِ عند أرسطو هو: تسهيلُ التبادلِ، وإشباعُ الاحتياجاتِ البشريةِ، ولا يجوز عندهُ استخدام المال مصدرًا للتزايدِ، أي: الازدياد بالفائدة» ا. هـ
2- الرِّبا عند اليهود:
لقد حَرَّفَ اليهودُ النصَّ المحرم للرِّبا؛ حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أمّا معاملةُ اليهودي لغير اليهودي بالرِّبا؛ فجعلوه جائزًا، لا بأس فيه!
جاء في التوراة المُحرفة في (سِفْرِ تثنيةِ الاشتراع) النّص التالي: «لا تقرض أخاك بربًا في فضة، أو شيء آخر مما يقرض بربًا، بل الأجنبي إياه تقرض بربًا، وأخاكَ لا تقرض بربًا».
واعتمد ربانيوهم وأحبارهم هذا النص، وبنوا عليه، فأوجبوا إقراض غير اليهودي بالرِّبا، فقد جاء في التِّلمود:«إنّ موسى يُعَلِّم صراحة:أقرض الأجنبي بالرِّبا».
وجاء فيه -أيضًا-: «يمكنك أن تغش الغريب، وتدينه بالرِّبا الفاحش، ولكن إذا بعتَ أو اشتريتَ شيئًا لقريبكَ اليهودي؛ فلا يجوزُ أن تُراوغه وتُساومه».
قلتُ: ولمعرفة المزيد من خطط اليهود في إفساد العالَـم -دينيًّا، وخلقيًّا، واقتصاديًّا، وغيرها-؛ انظر كتاب: «بروتوكولات حكماء صهيون»، في البروتوكول العشرين وما بعده في الكلام عن المال والرِّبا، ومنها:
قولهم: «نريدُ خلقَ أزمةٍ اقتصاديةٍ عالمَيةٍ بكلِ الوسائلِ الممكنةِ، وبمساعدةِ الذّهبِ؛ الذي هو -كلّه- في أيدينا»!!!
3- الرِّبا عند النصارى:
شَنَّعَ الإنجيلُ على الذين يأكلون الرِّبا، ومما جاء فيه: «إنّ الذي يأكلُ الرِّبا إذا ماتَ لا يستحقُ التكفين»!!
وقد حاربت الكنيسةُ الرِّبا، وشَنَّتْ الحربَ على الذين يتعاملون به، وكان منطلق رجال الدِّين النصارى في تحريمهم للرِّبا مُنْطَلَقًا دينيًّا.
ومن أشهر الذين تعرضوا للفائدة وحرمتها في القرون الوسطى «سان توماس الأكويني»، وكان يقول: «إن الفائدةَ إذا كانت تُدفع في نظير الزَّمَنِ؛ الذي يتنازلُ صاحبُ النُّقودِ عنها خلاله؛ فإنّها تكون غير مشروعة من هذه النّاحية كذلك؛ لأنّ الزَّمَنَ ملكٌ للهِ، ولا يجوزُ أن يحصلَ المقرضون على ثمن لشيء هو ملكٌ اللهِ، وليس ملكًا لهم»!!!
ولم يَسْتَقِم أَمْرُ النصارى، بل ضلوا كما ضَلّ اليهودُ من قبل، فأخذوا يحتالون على أكلِ الرِّبا وحرّفوا كما حَرَفَ اليهودُ -عليهم لعائنُ اللهِ إلى يومِ الدِّين-.
وبلغ انتشارُ الرِّبا حَدًّا جعل «إنوسنت الثالث» يجهرُ ويقولُ في عام (1208م) بأنه لو طُرِدَ جميعُ المرابين من الكنيسةِ -كما يتطلب ذلك القانون الكَنَسِي- لوجب إغلاق الكنائس جميعها»!! من كتاب «الرِّبا» للأشقر، باختصار وتصرف يسير.
قلتُ (أبو بكر): ثبت عن نبينا د قوله: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قَبْلَكُم شِبْرًا بِشِبْرٍ وذراعًا بذراعٍ، حتى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُموُهُ»، قلنا: يا رسولَ اللهِ! اليهودُ والنصارى؟ قال: «فَمَنْ؟!». [رواه البخاري (3456)، ومسلم (2669)].
فقد انتشرَ الرِّبا في بلادِ المسلمين وحياتهم ، وإنّكَ لَـتَجِدُ مَنْ يُنافسون غيرهم في خَتْم القرآنِ، وعلى الصفوفِ الأُولى في المساجدِ، والحرص على الحجِّ والعمرة في كل عام، وهم من أجرإ النّاس وأسرعهم وُقُوعًا في الرِّبا والحرام! وإنّا لله وإنّا إليه راجعون!
القُرآنُ بَدَلًا مِنَ الكُتُبِ المُحَرَّفَةِ:
لقد علمتَِ أنّ اليهود والنصارى حَرَّفُوا الكُتُبَ السماويةَ التي نزلت إليهم، وكذبوا على اللهِ وعلى رُسُولِهِ -كما نقلنا بعضًا منها من التلمود-، ووقعت الأزمة العالمية الأولى في مطلع هذا القرن الجديد، وفي عَقْدِه الأول، وعادت من جديد بعض الأصوات -من غير المسلمين- يطالبون بتطبيق نظام الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي كحل أوحد للخروج من المأزق الحالي -كما وقع في السابق-.
ومِنْ ذلك ما وردَ على لسان رئيس تحرير مجلة «تحديات» الفرنسية تحت عنوان: (البابا أو القرآن)؟ تساءل فيها عن الـ «لا أخلاقية الرأسمالية»، هل الرأسمالية نظام أخلاقي؟
وركز في ذلك على دور المسيحية -كديانة- وتبريرها للفائدة، وتسائل الكاتب بأسلوب يقترب من التَّهَكُمِ ومُسْتَسْمِحًا البابا (بندكت) السادس عشر، قائلًا: أظنُ أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلًا من الإنجيل؛ لفهم ما يحدث لنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها؛ ما حَلَّ بنا ما حَلَّ من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأنّ النُّقود لا تلد النُّقود» ا. هـ
وأزيدكَ -أيها القارئُ الكريم- من كلامهم:
منذُ عَقْدَيْنِ من الزَّمنِ تَطَرَّقَ الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نُوبِلْ في الاقتصاد «موريس آلي» إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدُها الاقتصاد العالمَي اليوم بقيادة «العلمانية المتوحشة»، معتبرًا أنّ الوضع على حافة بُركان، ومُهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة)، وقد وقع -كما أخبر-، ولم يسمعوا له، ولم يستفيدوا منه!
«واقترحَ للخروجِ من الأزمةِ، وإعادة التوازن شرطين، هما: تعديل معدل الفائدة (وهي: الزيادة المحرمة) إلى حدود الصِّفْرِ، ومراجعة معدل الضَّريبة إلى ما يُقارب (2%)، وهو ما يتطابق -تمامًا- مع إلغاء الرِّبا، ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي».
قلتُ: نعم، هذا الانهيار أمر طبيعي من سنن اللهِ الكونية؛ لأنّ التشريع إذا كان من الخلق؛ فإنه سيقع حتما في التناقض والاختلاف، والله يقول: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[النساء:82].
ومهما حاولوا إعادة هيكلة «اقتصادهم الحُر» ليكون «اقتصادًا مُنظمًا»، فإنه لن يكون أبدًا بمستوى «الاقتصاد المُنظم من عند اللهِ الخالق» (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[المُلك:14].
مِنْ نِدَاءاتِ الرحمنِ لأَهلِ إِلايمانِ:
1- قال اللهُ -تعالى-: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)[البقرة:278].
هذا النصُ القرآني أحدُ نداءاتِ الرحمنِ لأهل ِ الإيمانِ، وقد قال ابن مسعود ا: إذا سمعتَ اللهَ يقولُ: (ﮥ ﮦ ﮧ)؛ فأرعها (أي: أعطها) سمعكَ، إمّا خيرٌ يَأْمُرُكَ بِهِ، أو يُرشِدُكَ إليه، وإمّا شرٌ ينهاك عنه.
قال الحافظ ابنُ كثير z: «يقولُ تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، ناهيًا لهم عما يقربهم إلى سخطه، ويبعدهم عن رضاه، فقال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)، أي: خافوه وراقبوه فيما تفعلون، (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)، أي: اتركوا مالكم على الناس من الزيادةِ على رؤوسِ الأموالِ بعد هذا الإنذار، (ﮯ ﮰ ﮱ)، أي: بما شرعَ اللهُ لكم من تحليلِ البيعِ، وتحريمِ الربا، وغير ذلك».
فالله -تعالى- خاطبهم بالإيمان، ونهاهم عن أكل الربا إن كانوا مؤمنين، وهؤلاء هم الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لأمره.
فمن اتعظ؛ عفا الله عنه ما سلف، وأمّا من لم ينزجر بموعظة الله، ولم يقبل نصيحته؛ فيُقال له -ولأمثاله-:
2- قال اللهُ -تعالى-: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)[آل عمران:130].
قال ابن كثير: «يقولُ اللهُ -تعالى- ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الرِّبا وأكله أضعافًا مضاعفة؛ كما كانوا في الجاهلية، يقولون إذا حَلَّ أجلُ الدَّين: إمّا أن تقضي (أي: تدفع ما عليك)، وإمّا أن تُربي.
فإن قضاه؛ والإّ زاده في المدة، وزاده الآخر في القدر (الذي عليه)، وهكذا كل عام، فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرًا مضاعفًا.
وأمر تعالى عباده بالتقوى؛ لعلهم يفلحون في الأولى والآخرة؛ ثم توعدهم بالنار، وحذرهم منها، فقال: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)[آل عمران:131، 132] ». ا. هـ
شُبهةٌ وردُها حولَ الآية:
قالَ بعضُ الجهلة من المرابين: إنّ هذه الآية تدلُ على حُرمة الكثير من الرِّبا؛ دون القليل منه؟!
والرّدُ عليهم من وجوه:
الأول: أنّ هذه الآية خرجت مخرج ما اعتاده أهل ذلك العصر؛ لا أنها قَيْدٌ للرِّبا.
الثاني: أنّ نصوصَ القرآن التي جاءت في سُورة البقرة واضحة بينة في تحريم الكثير والقليل.
الثالث: أنّ الأحاديث الصحيحة مُفسرة للقرآن، وقد جاءت نصوص السُّنة بتحريم القليل والكثير، وجعله مِن كبائر الذنوب.
الرابع: أنّ الإجماع قد انعقد على تحريم القليل والكثير سواء.
الخامس: إنّ فقهاء الإسلام -على مَرِّ العصور- لم يُفرقوا بين القليل والكثير في التحريم.
فالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية، وفهم العلماء الفقهاء حجة قاطعة لشبهة هؤلاء المرابين المتلاعبين بدينهم، والله المستعان.
هل ضلت الأُمة الإسلامية عبر القرون المديدة عن فهم هذا النص؛ حتى جاء آكلوا أموال الناس بالباطل يُعرفوننا معاني كلام الله في كتابه؟!
إنّ هذا الزعم تجهيل للأُمة، وتضليل لها، ومنافٍ للحديث الذي يُخبرُ فيه
الرسول د بأنّ الأُمة معصومة من الإجماع على ضلالة.
و الحقيقة أنهم يحتالون ويخادعون!!
قال أيوب السِّختياني: إنهم يخادعون الله، كأنما يخادعون صَبِيًّا، لو كانوا يأتون الأمر على وجهه؛ كان أسهل عليَّ؟!
شُبْهَةٌ أُخرَى، وَالرَّدُ عليها:
«قولهم: إنّ الحياة البشرية لا تتقدم بدون الرِّبا، فهو ضروري للنمو الاقتصادي والعمراني.
والجواب: إنّ من أوضح الحقائق الراسخة في هذا الأمر أنّه: من المُحال عَقَدِيًّا -أي: الذي لا يجوز أن يعتقده المسلمُ- أن يُحَرِّم اللهُ أمرًا لا تقوم الحياة البشرية ولا تتقدم بدونه! كما أنّ من المُحال عقديًّا -كذلك- أن يكون هناك أمرٌ خبيثٌ؛ ويكون مع ذلك حتميًّا لقيام الحياة وتقدمها!!
ذلك أنّ اللهَ -سبحانه- هو خالق هذه الأرض، وهو الذي استخلف الإنسان فيها، وهو الآمر بتنميتها وتغطيتها، وهو المُريد لهذا كله، والموفق إليه، فمن المُحال -إذن- أن يكون فيما حَرَّمهُ شيئًا لا تقوم الحياة البشرية، ولا تتقدم بدونه.
ومن المُحال -أيضًا-: أن يكون هناك شيءٌ خبيث هو حتميٌ لقيام الحياة ورُقيِّها، وإنما هو سُوء التَّصور، وسُوء الفهم، والدِّعاية المسمومة الطاغية؛ التي دأبت أجيالٌ على بث فكرة: أنّ الربا ضرورة للنمو والاقتصاد العمراني.
وصعوبة تصور قيام الحياة على أساسٍ أخر، وهي صعوبة تنشأ أولًا: من عدم الإيمان، أو ضعفه.
كما تنشأ ثانيًا: من ضعف التفكير، وعجزه عن التحرر من ذلك الوهم؛ الذي سيطر على العقول أزمانًا طوالًا». [من كلام الشيخ أُسامة بن عبد الله خياط].
كَيْفَ يُبْعَثُ آكِلُ الرِّبا؟
قال اللهُ -تعالى-: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[البقرة:275].
إنّ النّاسَ يُبعثونَ ويُخرجونَ من قُبورهم سِرَاَعًا؛ إلاّ آكِلُ الرِّبا، فإنّ الرِّبا يربو في بطنه؛ فيريدُ الإسْرَاعَ فيسقطُ، فيصيرُ بمنزلةِ المتخبطِ من الخَبَلِ والجُنُونِ!
قال الطبري z: «الذين يُرْبونَ الرِّبا في الدُّنيا (ﭔ ﭕ) في الآخرة من قبورهم (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)، يعني بذلك: يَتَخَبَّلُه الشّيطانُ في الدنيا، وهو الذي يَتَخَنَّقُه فيصرَعُه (ﭜ ﭝ)، يعني: من الجُنُونِ.
وبمثلِ ما قلنا قالَ أهلُ التأويلِ (أي: التفسير)».
وقال ابن كثير z: «فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم، وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم؛ أنهم لا يقومون إلاّ كما يقوم المصروعُ حالَ صَرَعِهِ، وتخبطِ الشّيطانِ له، وذلك أنّه يقومُ قيامًا مُنْكَرًَا.
وفي هذهِ الآيةِ دليلٌ على فسادِ إنكارِ الصّرَعِ مِنْ جِهَةِ الجِنِّ، وزعم أنّهُ مِنْ فِعْلِ الطّبائعِ، وأنَّ الشّيطانَ لا يسلكُ في الإنسانِ ولا يكونُ منهُ مَسٌّ.قاله القُرْطُبيِ».
قلت: يؤيدُ هذا التفسير ما بعده.
ذَنْبٌ لا يُغْفَرُ:
عن عوفِ بن مالكٍ ا قال: قال رسولُ اللهِ د: «إيّاكَ والذَّنُوبَ التي لا تُغْفَرُ؛ الغُلُولُ، فمن غَلَّ شيئًا؛ أتى به يَوْمَ القيامةِ، وأَكْلُ الرِّبا، فمن أَكَلَ الرِّبا؛ بُعِثَ يومَ القيامةِ مجنونًا يَتَخَبَّطُ»، ثم قَرَأَ: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[البقرة:275]». [رواه الطبراني، وحسّنه الألباني].
وهذا من أبلغِ الأحاديثِ الرّادعة عن التعاملِ بالرِّبا، ذَنبٌ لا يُغْفَرُ؛ ما دامَ صاحبُهُ مُسْتَمِرًا على التعاملِ به حتى يتركه؛ ويتوب توبة صادقة بشروطها المعتبرة، والتي يأتي ذكرها تحت عنوان: باب التوبة مفتوح، وما بعده.
وفيه تفسيرٌ للآيةِ السابقةِ، وبيانُ مُسْتَنَدِ العلماءِ في تفسيرهم لها.
قال الألوسي: «واعتقاد ُ السّلفِ وأهلُ السُّنَّةِ: أنَّ ما دَلَّتْ عليه [هذه الآيةُ] أمور حقيقية واقعية؛ كما أخبر الشّرعُ عنها.
والتزامُ تأويلها -كلها- يستلزمُ خبطًا طويلًا، لا يميلُ إليهِ إلا المعتزلةُ ومن حَذَا حَذْوَهُم، وبذلكَ ونحوهِ خرجوا عن قواعدِ الشرعِ القويم، فاحذروهم!
وتلبيسُ الشّيطانِ للإنسانِ وصرعه كالمشاهدِ المحسوسِ، الذي يُعَدُ مُنْكِرَهُ مُكَابِرًا مُنْكِرًا للمشاهدات. [«روح المعاني» (1 / 67 - 68)].
و«الغُلُولُ»: الخيانة من الغَنيمةِ قَبْلَ قِسْمَتها، وقيل: الخيانة مطلقًا، أيُّ خِيَانَةٍ.
عَاَقِبَتُهُ المَحْقُ والقِلَّةُ:
قال اللهُ -تعالى-: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ)[البقرة:276].
قال ابن كثير z: «يخبر اللهُ -تعالى- أنه يمحق الرِّبا، أي: يُذهبه؛ إمّا بأن يُذهبه بالكليةِ من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به.
بل يعذبه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)[المائدة:100]، وقال: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)[الأنفال: 37]، وقال: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[الروم:39]». ا. هـ
وهذا نظير قول النبيِّ د: «ما أَحَدٌ أكَثَرَ من الرِّبا إلاّ كانَ عاقِبةُ أمْرهِ إلى قِلّةٍ». [رواه ابن ماجه (2279)، وغيره، وقال الألباني: «صحيح »].
قوله: «قِلَّة»، أي: أنه وإن كان زيادة في المال عاجلًا؛ فإنه يؤول إلى نقص.
وليس هذا فقط، بل لا يُوَفَّق في عمله، وبيته، وحياته، وصحته، ويكون زادًا له إلى النار -عِياذًا بالله-.
وفي الحديث عنه د قال: «كلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحتٍ فالنارُ أَولى به». [رواه أحمد، وقال الألباني: «صحيح»].
«وقوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ)[البقرة:276]، أي: يُنمّيها، وينزل البركة في المال الذي أخرجت منه، وينمِّي أجر صاحبها.
وهذا لأنَّ الجزاء من جنس العمل، فإنّ المُرابي قد ظَلم الناسَ، وأخذَ أموالهم على وجه غير شرعي؛ فجوزي بذهاب ماله.
والمحسن إليهم بأنواع الإحسان؛ ربه أكرم منه، فَيُحْسِنُ عليه كما أحسنَ على عباده» قاله السعدي.
قُلْتُ: وقد وردت أحاديث صحيحة مستفيضة في فضل الصّدقةِ؛ حتى اليسير كاللقمة من الطعام -إن خرجت من كسبٍ طيبٍ، وبنفسٍ طيبةٍ؛ رجاَء الثّوابِ- تصير عند اللهِ في الميزانِ كأمثالِ الجبالِ، وهذا فضلُ اللهِ الكبيرِ المتعال.
«وقوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[البقرة:276]، أي: لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل.
ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي:
أنّ المرابي لا يرضى بما قسم اللهُ له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة!
فهو جَحودٌ لما عليه من النعمة، ظَلومٌ آثم بأكل أموال الناس بالباطل» قاله ابن كثير.
وفيها تشديد وتغليظ عظيم على مَنْ أربى؛ حيث وصفه بـ (ﮎ ﮏ)؛ للمبالغة في غَيِّهِ وظُلمهِ وإثمهِ.
قال القاشاني: «(ﮄ ﮅ ﮆ)[البقرة:276]؛ لأنَّ الزيادةَ والنقصانَ إنما يكونانِ باعتبارِ العاقبة، والنفع في الدارين.
والمالُ الحاصلُ من الرِّبا لا بركةَ له؛ لأنه حصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبتهُ وخيمة، وصاحبه يرتكب سائر المعاصي، إذ كل طعام يُوَلِدُّ في آكله دواعي وأفعالًا من جنسه، فإن كان حرامًا يدعوهُ إلى أفعال محرمة...
فعليه إثم الرِّبا، وآثار أفعاله المحرمة المتولدة من أكله، فتزداد عقوباته وآثامه أبدًا، ويتلف الله ماله في الدنيا، فلا ينتفع به أعقابه وأولاده، فيكون ممن خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الَـمْحُق الكُلِّيّ». [نقلًا عن «تفسير القاسمي»].
وليسَ هذا فقط، بل أعظم منه:
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ:
قال اللهُ -تعالى-: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[البقرة:279].
وهذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ أكيدٌ لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار.
عن ابن عباس ب قال: يُقال يوم القيامة لآكل الرِّبا: خذ سلاحَكَ للحرب.
قلت: أي: خذ سلاحك، وقم حارب رَبَّكَ، أو بارزه!!!
إنّه محارب لربه، وهو عاجزٌ ضعيفٌ ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم؛ الذي يُمْلي للظالم ويُمْهِله، حتى إذا أخذه؛ أخذه أخذ عزيز مقتدر.
وتنكيرُ الحربِ للتعظيمِ، وزادها تعظيمًا نسبتها إلى اسم الله الأعظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته.
ومن حاربه الله ورسوله لا يُفلح أبدًا، وفيه إيماء إلى سوء الخاتمة؛ إنْ دام على أكله للرِّبا.
فها هي الحربُ معلنة من اللهِ على أكلةِ الرِّبا.
وحربُ اللهِ لا يلزم أن يكون فيها طير أبابيل، ولا حجارة مِنَ سجيل، وإنما حرب الله على المرابين:
حربٌ على الأعصاب.. حربٌ على الرخاء والبركة.. حربٌ على الأمن والأمان.. حرب على الصحةِ والعافيةِ!
حربٌ تذيق المرابين لباس الجوع والخوف، والرعب، والقلق، والاضطراب، حتى إنّ أحدهم إذا قام تخبط تخبط الممسوس!
وحرب على النوم، لا تغمض له عين، ولا يتمتع بفراش، وإذا نام تسلطت عليه الشياطين، وإذا استيقظ تسلط عليه الرُعب والذعر!
حرب على راحة الضمير، فهو قلقٌ في نومه، مضطرب في يقظته، فلا نوم، ولا راحة وإنما فزع وقلق وذعر واضطراب!
حرب على هدوء البال، لا يهدأ له بال، ولا يقر له قرار، ولا يهنأ بلقمة عيش، ولا يستمتع بلذة، وأمراض خطيرة أودت بحياة الكثير من أكلة الرِّبا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[البقرة:275]، وحتى تكون حياته -كلها- جحيمًا؛ كما قال الله: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)[طه:124].
وما زالَ وعدُ اللهِ قائمًا: (ﮄ ﮅ ﮆ)[البقرة:276]. [ «الأربعون المنبرية 69و328 و337»].
خاتمةُ الآياتِ:
قال المَلِكُ العَدْلُ الحَكَمُ -سبحانه-: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ)[البقرة:281].
عن ابن عباس ب قال: «آخرُ آيةٍ نزلت على النبيِّ د آيةُ الرِّبا». [رواه البخاري (4544)، وزاد الطبري وغيره الآية المذكورة].
قوله: (ﯸ ﯹ)، هو: يوم القيامة، وتنكيره للتهويل.
فهذه الآيةُ هي ختام الآيات المنزلة في الرِّبا، إذ هي معطوفة عليهن.
قال ابن كثير z: «يَعِظُ اللهُ -تعالى- عبادَهُ، ويذكرهم زوالَ الدّنيا، وفناء ما فيها من الأموالِ وغيرها، وإتيانَ الآخرةِ والرجوع إليه تعالى، ومحاسبته خلقه على ما عملوا، مجازاته إياهم بما كسبوا من خيرٍ وشرٍ.
ويحذرهم عقوبته، فقال: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ...)» ا. هـ
وقال السّعدي: «وهذه الآيةُ من آخرِ ما نَزَلَ من القرآنِ، وجعلتْ خاتمة لهذه الأحكام والأوامر والنواهي؛ لأنّ فيها الوعد على الخير، والوعيد على فعل الشّرِ، وأنّ من عَلِمَ أنّه راجعٌ إلى اللهِ؛ فمجازيه على الصغيرِ، والكبيرِ، والجليِّ، والخفيِّ، وأنَّ اللهَ لا يظلمهُ مثقالَ ذرَّةٍ؛ أَوْجَبَ لَهُ الرَّغبة والرَّهبة». ا. هـ
مِنْ آخِرِ الآياتِ نُزُولًا:
عن عائشة ل قالت: «لـمّا أُنزلت الآياتُ من آخرِ سورةِ البقرة في الرِّبا، خرجَ النبيُّ د إلى المسجدِ فَقَرَأْهُنَّ على النّاسِ...». [رواه البخاري (459)، و مسلم (1580)].
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ z: «المرادُ بالآخريةِ في الرِّبا: تأخر نزولِ الآياتِ المتعلقةِ به من سورةِ البقرةِ.
وأمّا حكمُ تحريم الرِّبا؛ فنزوله سابقٌ لذلكَ بمدةٍ طويلةٍ على ما يدلُ عليه النّهيُّ الواردُ في سورةِ آل عِمرانَ في أثناء قصة أُحد.
قلت: وهذا يدل بوضوحٍ لا لَبْسَ فيه: أنّ تحريم الرِّبا غير منسوخٍ، ولا مخصوصٍ بصورةٍ أو نوعٍ مُعَيّن.
وتكراره كان تأكيدًا ومبالغةً في تحريمهِ، وحرصًا على إشاعتهِ ونشرهِ لمن لم يسمعه من قبل، أولم يبلغه.
وهو من جملة الفرائض التي لا يسع مسلم جهلها، ولا تجد أحدًا من أهل العلم إلا قالَ لكَ: الرِّبا حرامٌّ، ولا باحثًا مسلمًا يخشى الله إلا وهو يحكي التحريم عمن قبله.
سؤال وجواب:
فإن قالَ لَنَا قائِلٌ: أفرأيتَ مَنْ عَمِلَ ما نهى اللهُ عنه مِنَ الرِّبا في تجارته، ولم يأكُلْه، أيَستحِقُّ هذا الوعيدَ مِنَ اللهِ؟
قلنا: نعم، وليس المقصودُ مِنَ الرِّبا في هذه الآيةِ: النهيَ عن أَكْلهِ خاصةً؛ دونَ النهي عن العمل به، وإنما خَصَّ اللهُ وصْفَ العاملينَ به في هذهِ الآيةِ بالأكلِ؛ لأنّ الذين نزلت فيهم هذه الآياتُ -يومَ نزلتْ- كانت طُعْمَتُهم وَمَأْكَلُهم مِنَ الرِّبا، فذكرهم بصفتهم، مُعَظِّمًا بذلك عليهم أمْرَ الرِّبا، ومُقَبِّحًا إليهم الحالَ التي هم عليها في مطاعمهم.
وفي قولهِ -جل ثناؤهُ-: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) الآية، وما يُنْبِئُ عن صحةِ ما قُلنا في ذلك، وأنّ التحريمَ من اللهِ في ذلك كان لكلِّ معاني الرِّبا، وأنَّ سواءً العملُ به، وأكلُه، وأخذُه، وإعطاؤُه، كالذي تظاهَرتْ به الأخبارُ عن رسولِ اللهِ د من قوله: «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبا، ومُؤْكِلَه، وكاتبه، وشاهدْيه...» ا. هـ من كلام الطبري في «تفسيره».
قُلْتُ: ومن المُؤسفِ والمُحزنِ ما نراه اليومَ من وجودِ أُناسٍ يسلكون سُنَّةَ الجاهلية في الإسلامِ، وذلك بإعطاءِ القُروض الرّبوية مع اشتراط الزيادة، أو التلميح بها، وليس لهم عملٌ -من وظيفةٍ، أو حرفةٍ يأكلون منها وينفقون-؛ إلاّ الرِّبا الزائد على القروضِ المؤجلةِ.
آكلُ الرِّبا ومُوكِلُهُ وكاتبُهُ وشاهِداهُ -كلهم- سواء:
عن جابرِ بن عبدِ الله ب قال: لَعَنَ رسولُ اللهِ د آكلَ الرِّبا، ومُوكِلَهُ، وكاتِبَهُ، وشاهِدَيْهِ، وقال: «هُمْ سواءٌ». [رواه مسلم (1598)، وغيره].
قلت: فهذا نص صحيح صريح في تحريم التعامل بالرِّبا، وقد دَلّتِ الآيات والأحاديث والآثار على أنّ أَكْلَ الرِّبا والعملَ به من الكبائرِ، ولا خلافَ في ذلك.
والكاتبُ والشاهدُ ذكرهما النبيُّ د على سبيل الإلحاق؛ لإعانتهما للآكل ِعلى ذلك، فمن أعانَ صاحبَ الرِّبا بكتابتهِ وشهادتهِ؛ فُيُنزَّلُ منزلتهُ.
«لهذا حرم الإسلام كل ما يوصل إلى الرِّبا ويوقع فيه؛ تضييقًا لمسالكِ الرِّبا، وإغلاقًا للطرق الموصلة إليه.
ويدخل في اللعنة: أولئك الذين يؤجرون عمارتهم للمرابين و البنوك الرِّبوية، والذين يعينون المرابين بما يُودعونه بين أيديهم من مال، وإن لم يأخذوا الفائدة؛ وهي الرِّبا». «الربا» للأشقر.
وفيه تحريم الإعانة على الباطل بكل أنواعها:
وعند الطبراني من حديث ابن مسعود ت قال: قال رسولُ الله د: «لَعَنَ اللهُ الرِّبا، وآكِلَهُ، ومُوكِلَهُ، وكَاَتِبَهُ، وشَاهِدَهُ، وهم يَعْلَمُون...».
قال الألباني: «صحيح»، كما في «صحيح الجامع».
فيه زيادة وهي: أنّ رسولَ اللهِ د لعنَ ما لعنهُ اللهُ، وهكذا في كلِّ أمرٍ؛ فإنّه يُبيِّنُ ويُنفِّذُ حُكْمَ اللهِ -تعالى-.
وفيه: أنّ هذه اللّعنةَ تشملُ كلَّ من فعلَ ذلكَ مع علمهِ، فمن فعلَ عن جهلٍ -وإن كنّا نقولُ: يَعْسُرُ وُجُودُهُ مع انتشارِ وسائلِ العلمِ المختلفةِ-؛ فنرجوا أن لا يدخل في دائرة اللعنِ؛ ولكنه لا يسلم من الإثمِ والظلمِ.
و«اللّعنُ» الطّرْدُ والإبعادُ من رحمةِ اللهِ -تعالى-.
وقد يرادُ به: الزجرُ؛ دون وقوعِ الدعاءِ، كما في جملةٍ وافرةٍ من الأحاديثِ النّبويةِ، وقد يُرادُ: حقيقة الطردِ والابعاد.
قال ابن القيم z: «ضدُّ البركةِ اللعنةُ؛ فأرضٌ لعنها اللهُ، أو شخصٌ لعنهُ اللهُ، أو عملٌ لعنهُ اللهُ: أبعدُ شيءٍ من الخيرِ والبركةِ، وكلُّ ما اتصلَ بذلك، وارتبط به، وكان منه بسبيلٍ؛ فلا بركةَ فيهِ ألبتةَ» [«الجواب الكافي» (129)].
وَمِنْ عُقوباته:
أَبْوابُهُ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الزِّنا:
عن ابنِ مسعودٍ ت أنَّ النبيَّ د قال: «الرِّبا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بابًا، والشِّركُ مثلُ ذلِكَ» [رواه البزار، وقال الألباني: «صحيح»].
وعن عبدِ اللهِ بن سلام ت عن النبيِّ د قال: «إنَّ أَبْوابَ الرِّبا اثنَانِ وسَبْعُونَ حُوبًا، أَدْنَاهُ كالّذي يأْتي أُمَّهُ في الإسلامِ» [رواه الطبراني، وصححه الألباني].
وقد ثبت هذا الحديث عن النبيِّ د من روايةِ جمعٍ من الصحابة.
قوله: «حُوْبًا» بضم الحاء، وهو: الإثم.
وقوله: «أدناه»، أي: أهونه و أيسره.
والمعنى: أنَّ الرِّبا أبوابه -أو أنواعه- كثيرة، وعقوبته وخيمة، وأخف تلك الآثام كإثم نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّهُ في الإسلامِ، فالحديثُ يدلُ على أنَّ الرِّبا أشدُّ من الزِّنا.
بل ثبتَ في الرِّبا ما هو أشدّ من هذا عن النبيِّ وأصحابه والعلماء:
عن عبدِِ اللهِ بن حَنْظَلَة ب قال: قال رسول الله د: «دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ
- وَهُوَ يَعْلَمُ -؛ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثيِنَ زَنْيَةٍ» [رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني].
وعن أنسِ بن مالكٍ ت قال: خَطبنَا رسولُ اللهِ د فذكرَ أَمْرَ الرِّبا وعَظَّمَ شَأْنَهُ، وقال: «إنّ الدِّرْهَمَ يُصيبهُ الرَّجُلُ مِنَ الرِّبا؛ أعظمُ عند اللهِ في الخطيئةِ مِنْ سِتٍّ وثلاثينَ زَنْيَةً يَزْنيها الرَّجلُ...» [رواه ابن أبي الدنيا، وصححه الألباني].
وعن كَعْبِ الأَحبَارِ قالَ: «لأَنْ أَزْنِيَ ثلاثًا وثلاثينَ زَنْيَةً؛ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أنْ آكُلَ دِرْهَمَ رِبًا؛ يعلَمُ اللهُ أنّي أكَلْتُه حينَ أكلتُه رِبًا» [رواه أحمد، وقال الألباني: «صحيح»]
عن ابنِ بُكَيْرٍ قالَ: «جَاءَ رجلٌ إلى مالكِ بنِ أنسٍ فقالَ: يا أَبا عبدِ اللهِ، إني رأيتُ رجلًا سكرانًا يتعاقرُ يريدُ أنْ يَأْخُذَ القَمَرَ؛ فقلتُ: امرأتي طالقٌ إنْ كان يدخلُ جوفَ ابن آدمَ أشرُّ من الخمر؟ فقالَ له مالكٌ: إرجع حتى أنظر في مسألتك.
فأتاه من الغدِ، فقالَ له: إرجع حتى أنظر في مسألتك.
فأتاه مِنَ الغدِ فقالَ لَهُ: امرأتُكَ طالقٌ؛ إني تَصَفَّحْتُ كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّهِ؛ فلم أَرَ شيئًا أشرّ من الرِّبا؛ لأنّ الله أَذِنَ فيه بالحرب» [نقله القرطبي].
كلُّ هذا من بابِ الترهيبِ والزجرِ عن فِعْلِهِ، وبيان عظيمِ قُبْحهِ وبَشَاعَتهِ عندَ اللهِ
-تعالى-.
وهو -أيضًا-:
مِنْ أَسْبَابِ هَلاَكِ الأُمَمِ:
عن أبي هريرة ت قال: قال رسولُ اللهِ د:«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قُيِلَ: يا رسولَ اللهِ! وما هُنَّ؟ قال: «الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقَتْلُ النِّفسِ التي حَرَّم اللهُ إلاّ بالحّقِ، وأَكْلُ مالِ اليتيمِ، وَأَكْلُ الرِّبا، والتَّوَلّي يَوْمَ الزّحفِ، وقَذْفُ المُحصَنَاتِ الغافلاتِ المُؤمِنَاتِ» [رواه البخاري (2766)، ومسلم (89)].
قوله «المُوبِقَات»، أي: المهلكات.
فهذا رسولُ اللهِ د أنصحُ الخلقِ للخلقِ، وأبلغهم في بيانِ الحقِ، يقول بلسانٍ عربيٍّ مُبِينٍ: «اجتنبوا»، أي: اتركوا، بل أبلغُ وأشدُ من مجردِ التَّرْكِ؛ لأنَّ الإنسانَ قد يتركُ الشّيءَ وهو قريبٌ منه، فإذا قيل: اجتنبه، يعني: اتركهُ مع البُعْدِ.
لماذا؟ لأنّه سببٌ لهلاكِ النّاسِ وضياعهم، وفسادِ معايشهم وأرزاقهم، وذهابِ النِّعمِ، واستجلابِ النِّقمِ، وليس هذا للأفرادِ فحسب؛ بل وللجماعاتِ، وللدولِ والشُّعوبِ على السّواء، وإليكَِ دليلًا آخر:
عن ابن عباس ب قال: قال رسولُ اللهِ د: «إذا ظَهَرَ الزِّنا والرِّبا في قَرْيَةٍ؛ فقد أحَلُّوا بأنفُسِهمِ عذابَ اللهِ» [رواه الحاكم وقال: «صحيح الإسناد»، وحسّنه الألباني].
فالدولُ التي قامَ نظامها على الرِّبا لن تدوم، وإن سَعِدَتْ حِيَنًا من دَهْرِهَا؛ فهي أَوْقَعَتْ نَفْسَهَا في شِباكِ الهلاكِ، و الدَّمارِ، والسُّقوطِ.
نعم، قد أُذِنَ بسقوطِ أكبر دُوَلِ العالَمِ الحديثِ وأَقواها ماديًّا؛ بسببِ الظُّلمِ، والإجرامِ، والإفسادِ في الأرضِ، و... والتعاملِ بالرِّبا.
(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[النحل:33].
لقد طغت أمريكا في البلاد، وأكثرت فيها الفساد، فبدأ نزول العذاب، وحلول الخراب؛ وللكافرين أمثالها.
وأمَّاَ نَحْنُ: فما مِنْ خيرٍ إلاّ وقد دَلَّنَا الرَّسولُ د عليهِ، وما من شّرٍ إلا وحذرنا
منه د، فهل نحن نستجيب؟ أم نعصيه؛ فنذل ونخيب؟
ومِنْ عُقُوبَاتِهِ:
الرِّبا مِنْ أسبابِ تَسْليطِ الذُّلِّ على الأُمَّةِ:
عن ابنِ عمَر ب قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ د يقولُ: «إذا تَبَايعتُم بِالعِيْنَةِ، وأَخَذْتُم أذنابَ البقرِ، وَرَضيتُم بالزَّرعِ، وَتَرَكْتُم الجهادَ: سَلَّطَ اللهُ عليكُم ذُلًا، لا يَنْزِعُهُ؛ حتى تَرْجِعُوا إلى دينِكُمْ» [رواه أبو داود (3462)، وهو صحيح بمجموع طرقه].
والعينةُ: «أن يكون الرجلُ محتاجًا لدراهمَ؛ فلا يجد مَنْ يقرضُهُ، فيشتري من شخصٍ سلعةً بثمنٍ مُؤَجَّلٍ، ثمَّ يبيعُهَا على صاحِبها الذي اشتراها منه بثمنٍ أقلَّ منه نقدًا.
وهي حيلةٌ ظاهرةٌ على الرِّبا؛ فإنَّها في الحقيقةِ بيعُ دراهمَ حاضرةٍ بدراهمَ مؤجَّلةٍ أكثر منها؛ دخلت بينهما سلعةٌ، وإذا كان النبيُّ د قد أَنْذَرَ بأنَّ الأخذَ بهذه الحيلةِ الربوية سببٌ لتسليطِ الذلِّ، فكيف بصريحِ الربا، وعينهِ، ورأسِهِ، وقفاه؟!
وقد كان الأخذُ بمثلِ هذه الحيلةِ «حين كان الحكمُ في بلادِ الإسلام للإسلامِ، فكان مَنْ يريد العصيانَ والخروجَ يحتالُ بمظهر العملِ الصحيحِ، أمَّا الآن فهؤلاء لا يحتاجون إلى الحِيَلِ للظهور بِمظهرِ العملِ الصحيحِ!! بل هم يكتبون العقود ظاهرةً صريحةً بالربا وبالعقودِ الباطلةِ في دينِ الإسلامِ!» [من كلام الشيخ مشهور حسن، انظر: «الكبائر»].
ما يؤخذ من الحديث:
1- الحديث فيه: تحريم الركون إلى الدنيا، والاشتغال بها عن أمور الدِّين؛ التي من أعظمها: الجهاد في سبيل الله -تعالى-، الذي هو ذروة سنام الإسلام.
2- فيه: أنَّ المسلمين إذا اشتغلوا بالحراثة ورضوا بها، وبجمع الأموال عن الجهاد في سبيل الله؛ فإنَّ الله يجازيهم بالذل والهوان من أعدائهم، فيكونون مستعَمرين، مهانين، أذلاء، جزاءً لهم على إعراضهم عن دينهم؛ الذي فيه عِزُّهم، وفيه مَنَعَتُهم، وفيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
3- أنَّ هذا الوعيد تحقق؛ فالمسلمون -الآن- يمثلون ثلث المعمورة كثرةً، فعندهم الثروة البشرية، والثروة الاقتصادية، والمساحات الزراعية، والعمرانية، والمواقع المسيطرة، وبلادهم وثروتهم أفضل وأحسن بلاد العالم، ومع هذا لما أعرضوا عن دينهم؛ سلَّط الله عليهم أعداءهم؛ فأهانوهم، وأذلوهم، وصاروا لعبة في أيديهم، قال الله -تعالى-: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)[الرعد:11].
فمن ترك الدِّين تجبرًا قَصَمَهُ اللهُ، ومن ابتغى الهدى في غير كتابه أضلَّه الله، وقد تحقق وعيد الله -تعالى- في هذه الأمم التائهة ممن يدّعون الإسلام، فهم في متاهات عما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم!
4- أنَّه ليس للمسلمين طريق إلى عزهم، ولا إلى سيادتهم، ولا إلى سعادتهم في دنياهم وأخراهم؛ إلاَّ بهذا الدِّين المتين، وإنَّه لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلاَّ ما صلح به أولها، (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[فاطر:10]، (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الحج:40] [من «توضيح الأحكام» للبسام].
وقديمًا قالوا: اتَّقِ العِينَةَ؛ فإنّها اللَّعِينة.
آكِلُ الرِّبا يَسْبَحُ في الدَّم:
عن سَمُرَةَ بن جُنْدَبٍ ت قال: قالَ رسولُ اللهِ د: «إنّهُ أتاني اللّيلةَ آتِيَانِ، وإنَّهُما ابْتَعَثَاني، وإنُهما قالا لي: انطلق؛ فانطلقْتُ معهما... حتى أتَيْنَا على نَهَرٍ - حَسِبْتُ أنّه كان يقول: - أحمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وإذا في النهرِ رجلٌ سابحٌ يسبحُ، وإذا على شطِّ النهرِ رجلٌ قد جمع عنده حجارةً كثيرةً، وإذا ذلكَ السّابح يَسْبَحُ ما يَسْبَحُ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع الحجارةَ فيفغر [أي: يفتح] لهُ فاهُ؛ فَيُلْقِمَهُ حجرًا، فينطلقُ يسبحُ، ثم يرجع إليه، كلما رجعَ إليه فَغَرَ لهَ فاهُ؛ فَأَلْقَمَهُ حجرًا، قلتُ لهما: ما هَذَا؟ فقالا: إنّه آكِلُ الرِّبا...» [رواه البخاري مطولاً (1386)، ومسلم (2275) مختصرا جدًّا، وليس فيه هذا الكلام].
قال ابن هبيرة: إنما عُوقِبَ آكِلُ الرِّبا بسباحتهِ في النّهرِ الأحمرِ؛ لأنَّ أصلَ الرِّبا يجري في الذّهبِ، والذّهبِ الأحمرِ.
وأمّا إلقامُهُ الحجارةَ: فإنّه إشارةٌ إلى عدمِ نفعهِ، بل مضرته، وكذلك الرِّبا، فإنّ صاحبه يتخيل أنّ مالَهُ يزدادُ، واللهُ يَمْحَقُهُ، ويُذْهِب بركته.
قلتُ: وفيه إشارةٌ إلى وقوعِهِ وانغماسِهِ في النّجاسةِ المحرمةِ كريهة المنظر والمُقام.
وقد يُقالُ: إنَّ آكِلَ الرِّبا يَمُصُ دِمَاءَ النّاسِ؛ لِيَتَضَخَمَ فيه، أو يهلك.
ومِنْ عجيبِ ما وردَ فيه:
أكْلُ الرِّبا مِنْ علاماتِ قُرْبِ السّاعةِ:
1- عن أبي هريرةَ ت عن النبيِّ د قال: «لَيَأْتِيَنَّ على النَّاسِ زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أخَذَ المال؛ أَمِنَ الحلالِ أمْ مِنَ الحرام؟» [رواه البخاري (2083) ].
قال ابن التين: أخبر النبيُّ د بهذا تحذيرًا من فتنةِ المالِ، وهو من بعضِ دلائلِ نُبُوَتِهِ؛ لإخبارهِ بالأمورِ التي لم تكنْ في زَمَنِهِ.
ووجهُ الذَّمِ: من جهةِ التّسويةِ بين الأَمْرَينِ، وإلا فأخذُ المالِ من الحلالِ ليسَ مذمومًا؛ من حيث هو.
قُلْتُ: كيف يسوّى بين الحلالِ والحرامِ، واللهُ -تعالى- يقول: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[البقرة: 275]؟!
2- وعن ابنِ مسعودٍ ت عن النبيِّ د قالَ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعةِ يظهرُ الرِّبا، والزِّنا، والخمرُ» [رواه الطبراني، وصححهُ الألباني].
قلتُ: هذا أبْيَنُ في كونهِ مِنْ دلائلِ نُبُوتِهِ د، فقد ظَهَرَ في بلاد الدنيا
-كلها-، بل وفي مُدِنهِا -كلها-.
ومِنْ عُقُوبَاتِهِ:
يُعَرَّضُ للمَسْخِ:
عن عُبادةَ بن الصامِتِ ت، عن رسولِ اللهِ د قال: «والذي نفْسي بِيَدهِ لَيبيتَنَّ أُناسٌ من أُمتي على أَشَرٍ وبَطَرٍ، ولَعِبٍ ولَهَوٍ، فيُصبحوا قِرَدةً وخنازيرَ باسْتِحْلالهِمُ المحارمَ، واتِّخاذِهِمُ القَيْنَاتِ، وشُرْبِهمُ الخَمرَ، وأكْلِهمُ الرِّبا، ولُبْسهِمُ الحريرِ» [رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده على المسند»، وحسّنه الألباني].
قوله: «الَقْينَاتُ» جمعُ (قَيْنَة)، وهي: المُغَنَّيِةُ.
وهذا قسمٌ مؤكد من الصّادقِ المَصْدُوقِ على وقوعِ هذهِ العقوبة العظيمة الفظيعة في حقِّ أُناسٍ من أُمَّتِهِ لم يقفوا عندَ حدودِ اللهِ؛ بل استخفوا بأحكام الشريعة؛ لا مبالين، ولا مغيرين ما هم عليه، وجمعوا مع المال الحرام أنواعًا من المحرمات؛ وهم في غفلة معرضون!
وقد عقوبة أُمَّةُ اليهودِ من بني إسرائيل قديمًا بالمسخ؛ وللظالمين أمثالها.
(ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)[البقرة: 229].
العملة الورقية مقام الذهب والفضة:
«إنّ مما قرّره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما يلي:
إنّ القول باعتبار مطلق الثمنية عِلّة في جريان الرِّبا في النقدين هو الأظهر دليلًا، والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وهو إحدى الروايات عن الأئمة: مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهما.
وإنَّ مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بعد المناقشة في موضوع العملة الورقية؛ قرَّر ما يلي: بناءً على أنَّ الأصل في النقد هو: الذهب والفضة، وبناءً على أنَّ عِلّة جريان الربا فيهما هي: مطلق الثمنية -في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة-، وبما أنَّ الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذَّهب والفضة؛ وإن كان معدنهما هو الأصل، وبما أنَّ العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذَّهب والفضة في التعامل بها، وبها تُقَوَّم الأشياء في هذا العصر؛ لاختفاء التعامل بالذَّهب والفضة، ويحصل الوفاء والإبراء بها، رغم أنّ قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمرٍ خارج عنها، وحيث إنَّ التَّحقيق في علة جريان الرِّبا في الذَّهب والفضة هو: مطلق الثمنية، وهو متحقق في العملة الورقية، لذلك -كله- فإنَّ مجلس مجمع الفقهي الإسلامي يقرر:
أنَّ العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذَّهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الرِّبا عليها بنوعية: فضلًا، ونساءً، كما يجري ذلك بالنقدين من الذَّهب والفضة -تمامًا-؛ باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسًا عليها، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها، ولا معول عليه، وأصبحت الثمنية هي العِلّة في كل عملة نقدية؛ من أي نوع تكون». [«توضيح الأحكام»].
مِنْ صُوَرِ الرِّبا:
هذه بعض صور الرِّبا التي تقع في معاملات النّاس: في البيع والشراء، والقرض والصرف، والبنوك، والشيكات، و الذهب، والفضة، والدَّين، مما ذكره العلماء الفقهاء في كتبهم، والتي تستند على نصوص الكتاب والسنة والإجماع، وصدرت بها فتاوى المجامع الفقهية، والهيئات العلمية المعتبرة، أذكرها مختصرة ميسرة -ما استطعتُ-، منها ما أجمع عليه، ومنها ما اتُّفِقَ عليه، ومنها ما كان فيه خلاف؛ والصواب فيها ما ذكرته، وهو اختيار جمهور أهل العلم -قديمًا وحديثًا-.
وليس لي أن أُلزم غيري بقولي، ولكن مَنْ رأى شيئًا فيه خلاف ما هو عليه؛ فليراجع أهل العلم، وهذا هو المطلوب: أن يتعلق الناس بعلماء الأمة قبل أن يدخلوا في تجارة أو معاملة.
مع التنبيه أنّ الفئات الورقية أو المعدنية -على اختلاف مسمياتها- اليوم حكمها حكم الذهب والفضة؛ كما قرّر العلماء في العنوان الأخير قبل ذكر هذا العنوان، فتنبه.
وها هي الصور:
في البيوع:
أ- أن يذهب رجل معه كيلو من تمر رديء إلى البائع؛ ليستبدله بنصف كيلو من تمر جيد أغلى سعرًا، فهذا لا يجوز.
والجواب في مثل هذه الصورة: أن يعطيه البائع كيلو وزن ما أخذ، أو يبيع الكيلو على التاجر، ويشتري بثمنها من التمر الجيد ما تيسر.
لقوله د: «...لا تفعلوا! ولكن مِثلًا بمثلٍ، أو بيعُوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان» [رواه البخاري ومسلم].
ومثله في القمح، والشعير، وفي كل مطعوم موزون.
أمّا إذا اختلفت الأجناس؛ فلا بأس في الزيادة والنقصان؛ إذا كان يدًا يد، مثل: كيلو قمح رديء بنصف كيلو تمر وهكذا.
وليُعلم أنّ البدل من أنواع البيوع.
ب- ومنها بيع العِينة، وهي: أن يكون أحد الناس محتاجًا لمالٍ؛ فلا يجد من يُقرضه، فيذهب على تاجر يشتري سلعة إلى أجل (أقساط مؤجلة)، ثم يبيعها للتاجر الذي اشتراها منه نقدًا بسعرٍ أقلّ من السعر الذي أخذه منه أقساطًا، وهي حيلة ظاهرة، وحقيقتها: بيع دنانير عاجلة بدنانير مؤجلة أكثر منها، دخلت بينهما سلعة.
وقد نصّ على حرمة هذه الصورة النبي د بقوله: «إذا تبايعتم بالعينة...» [رواه أبو داود، وهو صحيح].
وفي القرض:
أ- أن يُقرض أحدٌ (رجلٌ أو امرأةٌ) غيره مالًا؛ ويشترط عليه الزيادة.
مثال ذلك: أن يُقرضه مئة دينار إلى مُدّة، ويشترط عند إعطاءه زيادة؛ ولو دينارًا، فهذه عين الرِّبا.
ب- أن يُقرض غيره مالًا؛ ويشترط عليه إذا تأخر أن يزيده؛ ولو دينارًا، فهذا
-أيضًا- من الرِّبا؛ سواءٌ اشترط المعطي أو الآخذ.
جـ- أن يُودع ماله في البنوك الرِّبوية -غير الإسلامية-، ويأخذ الفائدة مقابل إيداعه؛ مهما بلغت النسبة قليلة أو كثيرة؛ سواء قصد الإيداع للفائدة أو لم يقصد الفائدة، فلا يجوز أن يأخذ الفائدة (وهي: المال الزائد على ادّخاره).
د- أن يُقرض رجلٌ غيره؛ ويشترط عليه منفعة زيادة على سداد المال، وذلك بدل أن أقرضه.
مثال: أن يُقرضه ألف دينار؛ ويشترط عليه أن يستخدم سيارته، أو بيته، أو أرضه، ونحوها.
هـ- أن يقرض غيره؛ ويشترط أفضل مما أعطاه.
مثال: أن يُقرضه خاتم ذهب عيار (21)؛ ويشترط عليه أن يرده بوزنه لكن عيار (24).
ودليل منع هذه الصور قوله د: «الذهب بالذهب وزنًا بوزنٍ، مِثْلًا بمثلٍ، يداً بيدٍ... فمن زاد أو استزاد؛ فهو ربًا» [رواه مسلم].
وفي الذهب والفضة:
أ- أن يستدين الذهب -ومثله الفضة- من محلات الصاغة للزينة، أو للزواج، أو المناسبات، أو التجارة، وغيرها.
ب- أن يشتري الذهب -ومثله الفضة- أقساطًا.
جـ- أن يعطي الصائغ شيكًا إلى مدّة مؤجلة.
د- أن يستبدل ذهبًا قديمًا بذهب جديد مع زيادة مال؛ وإن تساويا في الوزن والعيار.
والواجب على الصائغ ألّا يأخذ زيادة، أو يبيع صاحب الذهب الذهب القديم للصائغ ويقبض ثمنه، ثم يشتري الجديد بما يملك.
هـ- أن يستبدل ذهبًا فيه خرز أو فضة بذهب خالص آخر؛ وإن تساويا في الوزن والعيار.
والجواب -هنا-: أن يُنزع الخرز أو ما اختلط بالذهب، ويبقى الذهب خالصًا؛ ويستبدله بمثله وزنًا ونوعًا (عيارًا)، يدًا بيدٍ (في المجلس نفسه)، أو يفعل ما أشرنا إليه في النقطة السابقة.
ودليل هذا -كله- الحديث السابق: «الذهب بالذهب وزنًا بوزنٍ، مِثْلًا بمثلٍ، يداً بيدٍ... فمن زاد أو استزاد؛ فهو ربًا».
وفي الصرافة (والصرافة: بيع في حكم الشرع):
أ- صرف مئة دينار معدنية بخمس وتسعين دينارًا ورقية.
ب- صرف دنانير ورقية أو معدنية قديمة جارية الاستعمال بجديدة أقلّ منها.
والواجب في الصورتين: التساوي في العدد والقبض في المجلس قبل أن يفترقا.
جـ- أخذ أيّ عملة من محل الصّرافة دينًا.
د- أخذ أيّ عملة من محل الصّرافة، ويعطيه شيكًا أو شيكات مؤجلة.
هـ- صرف مبلغ من المال ويدفع مقابله قيمته؛ بعضه نقدًا وبعضه شيكًا مؤجلًا؛ ليكمل المطلوب منه.
ودليل منع هذه الصور قوله د: «الذهب بالذهب مثلًا بمثل، يداً بيدٍ...».
وفي الدَّين:
أ- بيع الدَّين الذي في الذمّة -حَلَّ أجله، أو لم يحل- لمن هو عليه بثمن مؤجل، أو معجل لم يُقبض في المجلس.
ب- بيع الدَّين الذي في الذمّة لغير مَن هو عليه بثمن مؤجل، أو معجل لم يُقبض في المجلس.
جـ- أن يكون لرجل على آخر دَيْنًا، كالذهب فتصارف معه بالفضة، ولم يُحضرا أحد العوضين؛ لا الذهب ولا الفضة، فكان غائبًا بغائب.
قال ابن المنذر: «ولا يجوز بيع الدَّين بالدَّين إجماعًا».
وقال الوزير: «اتفقوا على أنّ بيع الدَّين بالدَّين باطل».
وفي الشفاعة:
أ- أن يشفع لمضطر في دفع مظلمة، أو أخذ حق، والشافع عمله ووظيفته: القيام بهذا الواجب، فيأخذ مالًا، أو منفعة للقيام بهذه الشفاعة؛ سواءٌ أخذه بطلب منه، أو أُعطي من غير سؤال.
ب- أن يشفع في توظيف من لا يستحق الوظيفة الفلانية، أو قدّمه على غيره ممن هو أولى بها؛ فهذا حرام، فإذا أخذ مالًا، أو منفعة، أو سألها؛ فهو من أعظم أبواب الرِّبا.
والدليل قوله د: «من شفع لأخيه شفاعةً فأهدى له هديةً عليها فقبلها؛ فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا» [رواه أبو داود، وهو حسن].
وصور الرِّبا كثيرة؛ لا أستطيع حصرها، وهي في كتب أهل العلم الفقهاء؛ خاصة المطولة منها أكثر وأوسع، فمن أراد التوسع فلينظر فيها.
وفي نهاية هذا الباب (من صور الرِّبا) أقول: لا تيأس، ولا تنظر للماضي بقدر ما يهمك أن تبدأ من جديد في طريق رشيد سديد؛ حتى تُوّفق في تجارتك ومالك، وتحفظه من الزوال، وتجنبه الحرام.
أَثَرُ الرِّبا في تدميرِ اقتصادِ الأُمة:
«إنّ تدميرَ اقتصاد أُمّة من الأُمم، يعني -دون شك-: تدمير أخلاقها، وقيمها الدِّينية، وليس هناك أقوى من الرِّبا لتدمير الاقتصاد؛ فهو المِعوَلُ الشديد الذي يأتي على البناء الاقتصادي من أَساسه.
وهذا معناه: أنَّ الرِّبا حربٌ على البلادِ والعبادِ، وخرابٌ للدّيار؛ لذا أعلن اللهُ -سبحانه- الحرب عليه صراحة فقال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[البقرة: 278،279].
هل تحريم الرِّبا تضييق على الناس؟
لقد حرَّم اللهُ الرِّبا بنصوص قاطعة... والحق الذي لا ريب فيه: أنّ الإسلام ما أَمَرَ بأمْرٍ، أو نهى عن شيءٍ؛ إلَّا وفي ذلك الأمر والنهي مصلحة للناس: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)[البقرة:185]، فتلك إرادة الشارع الحكيم في أوامره ونواهيه...
لقد وضع الإسلام إطارًا عامًّا، وترك الناس يتعاملون شريطة ألا يأكلوا أموال بعضهم بالباطل؛ حتى يكون الأخذ والعطاء عن تراض منهم، وهكذا فقط.
كأن الإسلام قال للناس: تعاملوا، واربحوا، واسعوا في الأرض، وامشوا في مناكبها، وتبادلوا فيما بينكم، شريطة ألا تأكل عرق أخيك، وظل المسلمون يفتحون البلاد؛ حتى أناروا بهذا الدِّين بلاد الفرس والروم، وكانت المعاملات الإسلامية هي القائمة، وما ضاقت بحاجة الناس، ولا قصرت في مصالحهم، هذا في العصر الذي بلغت فيه هذه البلاد قمة حضارتها في ظل الإسلام، وكانت تدير حركة الاقتصاد العالمي كله تحت راية الإسلام.
لكن:
هَل في المعاملاتِ الرِّبوية مصلحة للأُمةِ؟
إنّ المقترضَ بالرِّبا صنفان:
الصِّنْفُ الأوَلُ: محتاجٌ يريدُ سَدَّ حاجتهِ، ومكروبٌ يريدُ تفريجَ كُرْبَتهِ، وهذا يعني: أنه يأخذ المالَ؛ لِيَخْرُجَ من ضيقه الذي وقع فيه، ولن يتحرك به في الحياة لِيُنْتِجَ أو يشارك في التنمية.
والصِّنْفُ الآخرُ: يقترضُ ليستثمرَ الأموال، وهذا الصنف لن يكون أمينًا في حركة الحياة؛ لأنه يطلبُ فوق الكسب المعتاد كسبًا آخر، وزيادة أخرى؛ يسد بها القرض وفوائده، ولن يقنع بالكسب المتعارف عليه، ولذلك تراه لا يستثمر أمواله فيما ينفع المجتمع، بل فيما يعود عليه بالكسب السريع الكثير، مثل المنتجات الاستهلاكية التي لا تنفع أحدًا.
وكل ذلك له آثاره السيئة على الاقتصاد،؛ لأنه حبسٌ للمال في دائرة لا تقدم ولا تؤخر، وأهل الاختصاص يقولون أنّ عناصرَ الإنتاج ثلاثةٌ: الأرضُ، ورأسُ المالِ، والقوةُ البشريةُ، وإذا حدث عطل في واحد منها اختل نظام المجتمع، ولذا حرص الإسلام على دفعها دفعًا، وفك قيودها؛ لتنطلق في الحياة لتعمر وتصلح، وتستحق بعد ذلك كله الخلافة في الأرض.
وأعداء الإسلام يستخدمون الرِّبا سلاحًا في حربهم ضد المسلمين، ولعلك تعجب حين تعلم أن اليهود لا يتعاملون بالربا فيما بينهم، لكنهم يروجون له في بلاد المسلمين، والأشد عجبًا من ذلك أنّ هذا منصوص عليه في توراتهم المزعومة، فلقد جاء في (سِفْرِ الخروج): «إذا أقرضتَ مالًا لأحدٍ من أبناءِ شعبي؛ فلا تقف منه موقف الدائن، لا تطلب منه ربحًا لمالك».
وفي (سِفْرِ التثنية) مكتوب ما يلي: «للأجنبي تقرض بربًا، ولكن لأخيك لا تقرض بربًا؛ لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك».
وهذه النصوص جعلت اليهود ينشرون الرِّبا في بلاد الإسلام، بينما بلادهم خالية منه، فالفائدة عندهم تساوي صفرًا.
ولكي يتضح أثر الربا على الاقتصاد؛ أُوجز لكَ الأمر في عدّة نقاط:
أولًا: تعطيلُ الطاقةِ البشريةِ:
وهذه إحدى ركائز الإنتاج، وهذا مناقض لقول الله -سبحانه-: (ﭪ ﭫ ﭬ)[الملك:15]، وقوله سبحانه: (ﮛ ﮜ ﮝ)[آل عمران:137]، فجلوس صاحب المال على أريكته منتظرًا مجيء المال دون تعب؛ إنما هو تعطيل للطاقات التي خلقها الله -سبحانه-، لتعمير الأرض.
ثانيًا: حَبْسُ المالِ في المصارفِ لاستغلاله في غيرِ ما هو له:
فالأصلُ: أنّ المالَ له دورة حياة؛ تبدأ من يد صاحبه، ثم إلى نواحي الإنتاج المتعددة، ثم إلى الناس؛ وعلى رأسهم صاحبه، ثم يعود إلى هذه الدورة من جديد.
ولكنّ النّظام الرِّبوي يحصرُ المالَ في القرضِ، وهذا -غالبًا- يكون للمحتاج، والإسلامُ علمنا أنّ المحتاجَ يأخذُ المالَ من مصرفٍ آخرٍ، مثل: الزكاة، والصدقات، والقروض المباشرة من النّاس دون ربًا.
لكنّ الذي يحدث: أنّ هذا النّظام ينشئ مصارف تجمع الأموال -التي هي عصب الإنتاج-، ويعطيها للفقير قرضًا ربويًّا، وهو بهذا عطل أكثر من طاقة المال، وطاقة صاحبه، وهذا بالتبع يعطل طاقة ثالثة، وهي: الأرض؛ لأن الأرض إذا لم تجد مالًا أو أيدي عاملة صارت مهملة لا فائدة منها.
كأنّ الرِّبا تسببَ في شل حركة الحياة، وقيد مصادر التنمية.
زد على هذا ما يتولد على هذه المعاملة من زيادة في غنى الغني، وزيادة في فقر الفقير، فيظل الغني غنيًّا، والفقير فقيرًا.
مما يعني -أيضًا-: حصر المال على طائفة معينة من النّاس، والقرآن رفض هذا؛ حيث يقول عن المال: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)[الحشر:7].
وكل هذا لا يساوي شيئًا بجوار ما يخلفه الرِّبا في نفوس النّاس من كراهية لكل شيء؛ كراهية للأغنياء، وكراهية للوطن.
ويتبع هذا لا مبالاة في العمل، وعدم الحرص على الإنتاج أو الإجادة؛ بل يتعدى الأمر إلى روح التدمير لكل ما حوله، والرغبة في ترك الوطن؛ والتجنس بجنسية أخرى، وتلك حقيقة يراها الجميع كل يوم.
ثالثًا: الاحتيال للحصول على المال بكافة الطرق:
وتلك ظاهرة يعيشها المجتمع، وسببها هذه الفوارق الشديدة بين فئات المجتمع الواحد؛ الناشئة عن استغلال أهل الغنى لأهل الفقر، فصار الجميع يرغب في القفز ليكون واحدًا من هؤلاء عن طريق الحق أو الباطل، فتعددت الاختلاسات، وازدادت القروض بدون ضمانات؛ ثم الهروب بها إلى الخارج، ففي الوقت الذي ترى فيه المصرف يضغط على الفقير ليسدد الرِّبا، ترى نفس المصرف يعطي قرضًا بالملايين بدون ضمانات، ثم يجد صاحبه قد ترك البلاد وما فيها، وهذا تدمير للاقتصاد والبلاد بلا شك.
وهذه الآثار وغيرها ناشئة عن تحكم النظام الرِّبوي في معاملاتنا؛ حتى تجرأ عليه الأفراد بعد أنْ كان مقصورًا على المؤسسات، بحجة أنه متداول في كل مكان.
الربا هادم الاقتصاد:
إنّ الإسلامَ يريدُ المجتمع الصالح المبني على أُسُسٍ قويةٍ، وهذا المجتمع لا بد أن يكون كلُ فردٍ من أفرادِهِ عُضوًا عاملًا، أمّا إذا كان البعض عاملًا، والبعض الآخر كسالى؛ يعيشون عالة على غيرهم، ويعتمدون في بقائهم على ما يقدمه الآخرون لهم؛ فإنّ هذا المجتمع يختل توازنه، ويدركه الضعف والشقاء.
يقول الرّازي: «إنما حُرِّمَ الرِّبا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأنّ صاحب الرِّبا إذا تمكن بواسطة عقد الرِّبا من تحصيل الدرهم الزائد نقدًا كان أو نسيئة؛ خف عليه اكتساب وجه المعيشة، ولا يكاد يتحمل مشقة الكسب، والتجارة، والصناعة الشاقة، وذلك يُفْضِي إلى انقطاع الخلق، ومن المعلوم أنّ مصالح العالَـم لا تنتظم إلا بالتجارات، والحِرَفِ، والصناعاتِ، والعماراتِ».
ويقول الغزالي: «واستغلال المال بالمال مما لا يقره الشرع، ولا يرضاه اللهُ لعباده؛ لأنه يؤدي إلى انحياز المال للأغنياء، وتكديسه في خزائنهم وصناديقهم، ووقوف حركة الأعمال، والتمييز بين النّاس، وشيوع البطالة، والكساد في الأُمة».
ولو أنّ الأُمة ألزمتْ أبناءها بمنع الرِّبا، ووضعت لهم المعاملات المتفقة مع الإسلام لازدهرت، وتقدمت، وامتلكت قرارها، ولا يظن أحدٌ أنّ ذلك صعب؛ لأَنَّ الأُمم تألفُ ما يُوضعُ لها من نُظُمٍ، وهذا يرد على من يزعمون وجوب مجاراة العالَم في المعاملات.
شُبْهَةٌ والرَّدُ عليها:
يرى كثيرٌ من آكلي الرِّبا أنهم مضطرون والضرورات تبيح المحظورات، والضرورة هذه تلاعب بها النّاسُ، وصاروا يذكرون في كل ما يفعلونه من حرام قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)[الأنعام:119].
والأصل: أن يكون تطبيق الضرورة في حدود ضيقة، أو بمعنى أصح: في حدود الضرورة الفعلية.
وهذا يتطلب العلم بقواعد الشريعة، كما يستلزم التقوى والورع؛ حتى لا يبيح الإنسان لنفسه الحرام، ولا يتسرع في تطبيق الرخصة؛ فيضعها في غير موضعها، بل عليه أن يستنفذ كل الحلول الممكنة.
أظن أنه -إن فعل ذلك- لن يجد حاجة للرخصة: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[الطلاق:2-3]. [«روضة الخطباء» (304 -310)].
«وهم -باسم الضرورة- يتعاملون به تعاملًا لا تدعو إليه الحاجة؛ فضلًا عن الضرورة، فالتاجر يتعامل بالربا لتوسع تجارته، والصانع للتوسع في صناعته!
إنّ الضرورة التي تبيح المحرّمَ تقدر بقدرها، وهي لا تدخل في الأمور الزائدة عمّا تقوم به الحياة، إنما تكون في الأُمور الأساسية التي لا تقوم الحياة إلاّ بها؛ كأن لا يجد الإنسان من الطعامِ ما يقيم أوده، ويحفظ حياته.
أمّا التوسع في التجارة والصناعة؛ فهذا لا يكون في الإسلام حاجة؛ فضلًا عن أن يكون ضرورة». [«الربا» للأشقر].
وانظر ما تقدمَ صفحة َ (9 و45)، ففيه حَلٌ لِمن وَقَعَ في فاقةٍ خانقةٍ، واللهُ والمُوفق.
من الآثارِ الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ السَّلْبِيّةِ للرِّبا:
الآثارُ الاجتماعية:
1 - إستغلالُ القويّ الغني للضعيفِ الفقير.
2 - إنتشارُ الظّلم بين الناس.
3 - ظُهورُ العداوةِ بين المترابين.
4 - ظهورُ الحِقْدِ بين الأغنياءِ والفقراءِ بعامة.
5 - تَرْكُ التعاونِ، والتكافلِ، والمناصرةِ، وتخلي المُؤمنِ عن أخيه المؤمن.
6 - إغلاقُ أبوابٍ من القُربات أو تعطيلُها -أي: الطاعات-؛ مثل: الصّدقةِ، والقَرْضِ الحَسَنِ، وإغاثَةِ المَلْهُوفِ، والتّفرِيج عن المكروبِ، وإنظارِ المُعْسر والتّيسير عليه، وغيرها.
ومن الآثارِ الاقتصادية:
1- تعطيلُ الطّاقات البشرية المنتجة.
2- تعطيلُ المالِ عن الدّوران والعمل.
3- التّضخمُ الذي من شأنهِ رفعُ الأسعار.
4- الكسادُ والبطالةُ الناتجةُ عن أرتفاعِ الأسعارِ، وعدمِ قدرةِ النّاسِ على الشراءِ؛ لعدم المالِ، أو لأنّه يُرهقُ مِيزانيةَ النّاس.
5- تخفيضُ الإنتاجِ أو تَوْقِيفه، وهذا يعني: إغلاق المصانعِ والشركات.
6- توجيهُ الاقتصاد وجهة منحرفة، فهو يبحث عن الرِّبح الأكثر؛ ولو كان لا يعود على الأُمة بخير، فإذا كانت نوادي القمار، ونوادي العُهْر والفِسْق، وأبواب الرّذيلة ومؤسساتها تعطي عائدًا أكثر مِنَ المشروعات الصّناعية والتّجارية والزّراعية؛ فإنّ المرابي يجري إليها جَرْيًا.
7- تشجيعُ النّاسِ على المغامرةِ والإسرافِ، وذلك أنّ صاحبَ المال لا يَهُمهُ مَنْ يأخذُ المال، وأَيْنَ يَسْتَثمِرهُ؟! بل هَمْهُ: أن يَضْمَنَ رُجُوعَهُ مع الزيادةِ المحرمةِ.
والنّاس يأخذونَ المالَ؛ وهم لا يُحسنون التّصرفَ فيفشلوا، فيرجعُ عليهمُ المالُ بالوبال.
8- حصرُ المالِ في فئةٍ قليلةٍ مِنَ المجتمع، وهذا من أعظمِ الظلمِ والفسادِ.
9- وقوعُ المالِ في أيدي خصومنا، فعندهم البنوك العالمية المركزية التي تُودع فيها الأماناتُ، والفائضُ من أموالنا، وغيرُ المستثمر، وعندها يستثمرونه، ويسيطرون عليه، ويتحكموا بالسوق العالَـمي: المالي والاقتصادي، ويُرهبوا الدُّولَ، ويُسقطوها، وغيرها الكثير.
مِنْ مَفَاسِدِ الرِّبا:
قال بعضُ العلماء: يُشترطُ لجواز التمويل: أن يكون من وجه مشروع، كما في مقابلة عمل أو معاوضة، وألا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير.
ولذا حرمت الشرائع السماوية -كلها-؛ وكذلك الحكمة السياسية والأخلاقية والعمرانية: أكْلَ الربا، قصدًا لحفظ التساوي والتقارب بين الناس في القوة المالية؛ لأنّ الربا هو: كسب بدون مقابل ماديّ؛ ففيه معنى الغصب، وبدون عمل؛ ففيه الألفة على البطالة المفسدة للأخلاق، وبدون تعرض لخسائر طبيعية كالتجارة، والزراعة، والأملاك.
ومن المشاهد أنّ بالربا تربو الثروات؛ فيختل التساوي بين الناس.
...وهذه الثروات الأفرادية تمكن الاستبداد الداخلي، فتجعل الناس صنفين: عبيدًا، وأسيادًا.
وتقوي الاستبداد الخارجيّ؛ فتسهل التعدي على حرية واستقلال الأمم الضعيفة مالًا وعُدةً.
وهذه مقاصد فاسدة في نظر الحكمة والعدالة، ولذلك حرمت الأديان الربا تحريمًا مغلظًا» ا. هـ [من كتاب «محاسن التأويل» للقاسمي].
قلتُ: تأمل في هذا الكلام، وانظر إلى واقع أكثر دول العرب والمسلمين اليوم، فستجد سداد وصواب كلامه (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)[البقرة:156].
مِنْ مَقَاصِدِ الشَّريعَةِ:
قال ابن عاشور z: «ويمكن أن يكون مقصد الشريعة من تحريم الرِّبا: البعدَ بالمسلمين عن الكسل في استثمار المال، وإلجاؤهم إلى التشارك والتعاون في شؤون الدنيا، فيكون تحريم الرِّبا؛ ولو كان قليلًا، مع تجويز الربح من التِّجارة والشركات؛ ولو كان كثيرًا، تحقيقًا لهذا المقصد.
ولقد قضى المسلمون قرونًا طويلةً لم يروا أنفسهم فيها محتاجين إلى التعامل بالرِّبا، ولم تكن ثروتهم -أيّامئذ- قاصرة عن بقية الأُمم في العالَـم، أزمان كانت سيادة العالم بيدهم، أو أزمان كانوا مُسْتَقليّن بإدارة شؤونهم.
فلما صارت سيادة العالم بيد أُمم غير إسلامية، وارتبط المسلمون بغيرهم في التِّجارة والمعاملة، وانتظمت سوق الثَّروة العالمية على قواعد القوانين التي لا تتحاشى المراباة في المعاملات، ولا تعْرف أساليب مواساة المسلمين: دهش المسلمون، وهم اليوم يتساءلون، وتحريم الرِّبا في الآية صريح، وليس لمِا حرّمه اللهُ مبيح.
ولا مخلص من هذا المضيق إلا أن تجعل الدول الإسلامية قوانين مالية تُبنى على أصول الشريعة في المصارف، والبيوع، وعقود المعاملات المركبة من رؤوس الأموال، وعمل العمّال، وحوالات الديون، ومقاصّتها، وبيعها.
وهذا يقضي بإعمال أنظار علماء الشريعة، والتدارس بينهم في مجمع يحوي طائفة من كل فرقة؛ كما أمر اللهُ -تعالى-». ا. هـ
اتقوا الله وأجملوا في الطلب:
هذه وصية نبوية جامعة، وتحقيق ذلك يكون «بأن تطلبوا الرزق بالطرق الجميلة المحلّلة؛ بغير كدّ، ولا حرص، ولا تهافت على الحرام والشبهات، ولكن خذوا ما حلّ، ودعوا ما حرم، كما قال د: «أيها الناسُ! اتقوا اللهَ وأجملوا في الطَّلَبِ، فإنّ نفسًا لن تموتَ حتى تستوفيَ رزقها؛ وإن أبطأَ عنها، فاتقوا اللهَ وأجملوا في الطلبِ، خُذوا ما حَلَّ، ودعوا ما حَرُمَ» [رواه ابن ماجه (2144)، وصححه الألباني].
وقال د: «...ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزقِ أن يطلُبَهُ بمعصيةِ اللهِ، فإنّ اللهَ -تعالى- لا يُنالُ ما عندَهُ إلا بطاعتِهِ» [صححه الألباني في «صحيح الجامع» (2085)].
إنّ رزقكَ -يا ابنَ آدمَ!- لن يأكله غيرك، وما لم يأتك اليوم؛ سيأتيك غدًا، فلا يحملنّك تأخّر الرزق عنك أن تستعجله؛ فتطلبه من وجوهه المحرمة، ولكن إذا تأخر عنك الرزق فاصبر، واعلم أنه آتيك لا محالة، فلا تستعجلنه بأخذه من وجوهه المحرمة، فإنّ الحرام لا يدوم وإذا دام لا ينفع؛ كما قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[البقرة:276]، وكما قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)[الروم:39].
فلا يحملنك استبطاءُ الرزقِ أن تطلبه من الحراِم، فإنّ الله -تعالى- نهاك عن الحرامِ وأمركَ بالحلالِ: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)، أي: فتطلبوا الرزق من الحرام (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)[البقرة:168-169]،
(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[البقرة:172].
إنّ الحرامَ خطره عظيمٌ في الدنيا والآخرة، فمن خطره في الدنيا: أنه يُقعد عن صالح العملِ، فالذي يتغذىٰ جسمه بالحرام لا يكون فيه قوة ولا قدرة على العمل الصالح؛ لأنّ أكلَ الحرامِ يُضعفُ البدنَ؛ كما أنّ أكلَ الحلالِ يُقويه، ولذلك قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [المؤمنون:51].
فالذي يُغذي جسمه بالحلالِ الطيبِ يُقوي جسمه على العبادة، والذي يغذي جسمه بالحرام يضعف جسمه عن القيام بوظيفته التي خُلِقَ لها؛ من العبادةِ، والشكرِ، والواجبِ للهِ على عبادهِ.
ومنْ خَطَرِهِ -أيضًا في الدنيا-؛ أنّه: يمنع إجابةَ الدعاء، كما قال النبيُّ د:... ثم ذكرَ: «الرجلَ يُطيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يمدُّ يدَيْهِ إلى السماءِ: يا ربِّ! يا ربِّ! ومَطْعَمُهُ حرامٌ، ومَشْرَبُهُ حرامٌ، ومَلْبَسُهُ حرامٌ، وَغُذِيَ بالحرامِ، فأنّى يُستجابُ لِذلكِ؟!» [رواه مسلم (1015)، وغيره].
ومن خطرِ الحرامِ في الآخرةِ: أنه يوجبُ لآكلهِ النّارَ، كما قال النبيُّ د: «كلُّ جَسدٍ نَبَتَ من سُحتٍ فالنارُ أوْلى به» [رواه الدارمي، و صححه الألباني في «صحيح الجامع» (4519)].
ويقولُ ربنا -سبحانه-: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ([2]) ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)[النساء:10]، ويقول تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ...ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)[النساء:29،30].
فمهلًا أيها العاصي! وصبرًا أيها الكيّس! صبرًا عن الحرام، فإنّ الصبرَ عن الحرامِ أهون ألف مرة مِن الصبر على النار!!
«فاتقوا اللهَ وأجملوا في الطلبِ، خذوا ما حَلَّ ودعوا ما حَرُمَ»، «ولا يحملنكم استبطاءُ الرزقِ أن تطلبوهُ بمعصيةِ اللهِ، فإنّ اللهَ -تعالى- لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعتِهِ».
ما أحسن هذه الوصية! وما أروعها! وما أجملها!
وما أحوج المسلمين اليوم إليها! ما أحوجهم إليها، ونحن نرى الحرص الشديد على جمع المال؛ من حلِّه، ومن غير حلّه!
ما أحوجهم إلى هذه الوصية، ونحن نراهم يتكالبون على الدنيا، ويتقاتلون عليها!
ما أحوجهم إلى هذه الوصية، ونحن نرى المال قد صار شغل الناس الشاغل، والهمّ الأكبر، يصبح الرجل وهمّه المال، ويمسي وهمه المال، ويفكر في المال بالنهار، ويحلم به في الليل، إذا قام بين يدي الله في الصلاة؛ فجُلّ تفكيره في المال!!!
فما أحوجنا إلى هذه الوصية العظيمة: «ولا يحملنَّكم استبطاءُ الرزقِ أن تطلبوهُ بمعصيةِ اللهِ»!
ما أحوجنا إليها؛ ونحن نرى رجلًا استبطأ رزقه؛ فركض إلى البنك، فأخذ السُّلف والقروض الربوية، وأقام المشروعات، وبنى العقارات، وظن أنه قد بلغ القمة، وصار في حصن حصين من الفقر، وأن الفقر لن يعرف له طريقًا، (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ)[القلم:19،20]، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)[الروم:6].
ما أحوجنا إلى هذه الوصية، ونحن نرى شباب المسلمين يستبطئ أحدهم رزقه؛ فلا يجد إلا أن يسافر إلى بلاد الكفر والإلحاد، إي والله! إلى بلاد الكفر والإلحاد؛ لبيع الخمر ولحوم الخنزير، أو يدير كازينو أو مقهى ليليًّا، أو نحو ذلك.
أين الصلاة؟ لا صلاة! أين الصيام؟ لا صيام! إن عاش؛ فسوف يصلي ويصوم، ولكنه -الآن- يريد أن يبني نفسه، ويؤمن مستقبله، ويؤسس حياته، ويفتح بيته، وكأنّ له من اللهِ عهدًا أن لا يتوفاه؛ حتى يجمع المال!
ولقد بلغ الحرص على المال مبلغًا خطيرًا، جعل السفر لا يقتصر على الشباب فقط، بل على بنات المسلمين ونسائهم، إي والله! لقد سافرت الفتاةُ لكسب المال، وسافرت الزوجةُ لكسب المال! سافرت الفتاةُ؛ وأبوها في بلده، وسافرت الزوجةُ؛ والزوجُ في بيته! أين باتت امرأته؟ تحت أي سقف؟ وعلى أي فراش؟ لا يدري! المهم أنها سترجع بالمال! نحن في عصر المال!
نحن في زمن شعاره: (اللي ما معهوش قِرْش ما يساويش قِرْش)!!!
ففي سبيل القِرْش يرخص العِرْضُ، ويهونُ الشَّرَفُ، وتُنسى الكرامةُ، ويُعْرض عن الدِّين!
والكلُ يقولُ: (بدنا نعيش، الحياة غالية)!
أي نعم؛ الحياةُ غاليةٌ! فلمّا غَلَتْ الحياةُ رخصت الأعراضُ! ولما غَلَتْ الحياةُ رَخُصَ الشَّرفُ! ولما غَلَتْ الحياةُ رَخَصَتِ الكرامةُ! ولما غَلَتْ الحياةُ رَخُصَ كلُ شيءٍ؛ حتى الدِّين! حتى الدِّين!!!
النّاسُ -الآن- مصابون بجنونِ المالِ! وإن كنتم سمعتم عن جنونِ البقرِ! فالنّاسُ -الآن- مصابون بجنون المالِ! إلاّ من رحم اللهُ وقليل ما هم!
تركبُ الطائرةَ لا تسمع إلا حديثَ المالِ! تركبُ السيارةَ لا تسمع إلا حديثَ المالِ! تجلسُ في مجلسٍ لا تسمعُ إلا حديثَ المالِ! الدِّرهمِ! الدِّينارِ! الدُّولار!
ماذا ستصنعُ بالمالِ وغدًا تموتُ وتتركه! (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)[الأنعام:94].
والرسولُ د يقولُ: «يتبعُ الميتَ ثلاثةٌ: أهلُهُ، ومالُهُ، وعملُهُ، فيرجعُ اثنانِ، ويبقى واحدٌ، يَرجعُ أهلُهُ، ومالُهُ، ويبقى عَمَلُهُ» [رواه البخاري (6514)، ومسلم (2960)].
فيا عبادَ الله! أفيِقوا مِنْ غفلتكم! وانتبهوا مِنْ رقدتكم! واعلموا أنَّ الموتَ قريبٌ (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)[لقمان: 34].
فعرضَك عرضَك! شرفَك شرفَك! كرامتَك كرامتَك! دينَك دينَك! آخرتَك آخرتَك! النارَ النارَ!
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)[التحريم:6].
اللهم: لا تجعل الدنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.. آمين يا رب العالمين» [ انتهى باختصار من كتاب «الأربعون المنبرية» (69 و325 -332) لعبد العظيم بدوي].
فتاوى المجامع الفقهية:
1- فَتْوى مَجْمَعِ البُحُوثِ الإسَلامّيةِ في القاهِرَةِ:
لقد صدرت الفتاوى الكثيرةُ مِنَ المجامعِ العلميةِ، و العلماءِ الثقاتِ في مختلفِ البلادِ الإسلاميةِ، وعلى اختلاف أعصارهم في تحريم الرِّبا دون شكٍ، ومنها: مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، الذي كان يَضُمُ مائةً وخمسينَ عالمًا.
ففي مؤتمره الثاني المُنعقد في شهر المحرم (1385 هـ- 1965 م) أَصْدَرَ الفتوى التاليةَ بالإجماع:
«الفائدةُ على أنواعِ القروضِ -كلّها-: ربًا محرمٌ، لا فرقَ بين ما يُسمى بالقرضِ الاستهلاكي، وما يُسمى بالقرضِ الإنتاجي.
وكثيرُ الرِّبا في ذلكَ وقليلهُ حرامٌ، والإقراضُ بالرِّبا محرمٌ كذلك...» [من كتاب الأشقر «الربا» (74،75)].
2- قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن حكم التعامل المصرفي بالفوائد:
«...فإنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره...
... بعد أن عرضت عليه بحوث مختلفة في التعامل المصرفي المعاصر.
وبعد التأمل فيما قُدِّم، ومناقشته مناقشة مركزة، أبرزت الآثار السيئة لهذا التعامل على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث.
وبعد التأمل فيما جره هذا النظام من خراب؛ نتيجة إعراضه عما جاء في كتاب الله؛ من تحريم الربا -جزئيًّا وكليًّا- تحريمًا واضحًا، دعا المجمع إلى التوبة منه، وإلى الاقتصار على استعادة رؤوس أموال القروض؛ دون زيادة، ولا نقصان -قلَّ أو كثر-، وبيَّن ما جاء من تهديد بحرب مدمرة من الله ورسوله للمرابين.
قرَّر:
أولًا: أنَّ كل زيادة أو فائدة على الدَّين الذي حلَّ أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة «أو الفائدة» على القروض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان: ربًا محرَّم شرعًا.
ثانيًا: أنَّ البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام، هو: التعامل وفقًا للأحكام الشرعية.
ثالثًا: قرَّر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف التي تعمل بمقتضى الشريعة الإسلامية، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي؛ لتغطي حاجة المسلمين؛ كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته. والله أعلم» [من « توضيح الأحكام» للبسام].
الفوائدُ
والقروضُ
والقليلُ
والكثيرُ؛ كلّه محرمٌ بالإجماع.
ومثل هذه الفتوى صدرت عن:
هيئةِ كبار العلماءِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، واللجنةِ الدائمةِ للإفتاءِ، ومجمع الفقهِ الإسلامي المنبثق عن منظمةِ المؤتمرِ الإسلامي، و«أصدر المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة، والمؤتمر الفقهي الإسلامي في الرياض، فهؤلاء الشرعيون والاقتصاديون والقانونيون أجمعوا على أنَّ الفوائد هي الربا المحرَّم.
وهناك فتاوى من كبار علماء المسلمين، أمثال: الشيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن محمَّد بن حميد، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ أبو الأعلى المودودي، والشيخ محمد عبد الله دراز، والشيخ أبو زهرة، والشيخ يوسف القرضاوي، كل هؤلاء وغيرهم من علماء المسلمين كتبوا، ووضحوا أنَّ هذه الفوائد البنكية محرَّمة، وأنَّها عين الرِّبا المحرَّم» [من «توضيح الأحكام» للبسام].
بَابُ التَّوبةِ مَفتوُحٌ:
إعلم أنّ مَنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، وقبل تَوبتهُ، و وَفَّقَهُ للخيرات وجنبه الشرورَ والمنكرات، وهذه شروطُ التوبةِ الصادِقَةِ المقبولة:
أولًا: أنْ يُقلع عن الذَّنب ويتركه على الفور.
ثانيًا: أنْ يندم على ما فَعَلَ.
ثالثًا: أنْ يعزم ويعاهد اللهَ رَبَّهُ ألاّ يرجع إلى الذنب مَرَّةً أُخرى أبدًا.
رابعًا: أنْ يبرأ من صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوهَ رَدَّهُ إليه، وإن كانت غِيبةً أو أذيةً استحلهُ منها وطلبَ عفوه.
فإن فقدت التوبة شرطًا لم تُقبل.
كَيْفَ يَخلُصُ مِنَ المالِ الحرامِ؟
يجبُ على مَنْ جمع مالًا من حرامٍ؛ ربًا أو غيره، أنْ يخرجه ولا ينتفع بشيء منه، ويصرفه في جهتين:
الأولى: في المصالح العامة، كبناء المستوصفات والمستشفيات والمدارس والأسوار والطرقات، أو إصلاحها، أو طباعة ونشر كتب العلم النافع ونحوها.
والثانية: إعطاءها للفقراء والمحتاجين لدفع الفقر وسد الحاجة عنهم.
ولا تُعتبر من الزكاة أو الصدقة، بل شرط من شروط قَبول توبته، فمن جمع مالًا حرامًا فعليه إخراجه، وإلاّ كانت توبته غير صحيحة ولا مقبولة، بهذا أفتى العلماء.
النصائح والتوجيهات:
1- إحذر الرِّبا؛ فإنه من كبائر الذنوب، ومن أسباب الشقاء في الدنيا والآخرة، ينالُ الفرد والأُسرة، والمجتمع والأُمة.
2- إنّ الرِّبا أنواعه وصوره كثيرة، ومنها الظاهر والخَفِيّ، حتى إنّه ليخفى على الخبير في التجارة والمال، فلا بد (وهو الواجب) من التفقه وسؤال أهل العلم الشرعي.
3- يقعُ الرِّبا في القروضِ، والبيوعِ، والصّرفِ، والدَّين، والعملات، والذهب، والشيكات، وغيرها.
4- فوائد البنوك هي الرِّبا الصريح.
5- أجمعت المجامع الفقهية الإسلامية على أنّ هذه الفوائد محرمة، وأنها عين الرِّبا بأنواعه الكلية الثلاثة: ربا الفضل، وربا النسيئة، وربا القرض.
6- لا تُودع مالك إلا في البنوك والمصارف الإسلامية.
7- تعامل أيها التاجر ويا صاحب المال مع البنوك عند الضرورة بالفقه والخوف من الله، مع الحذر من الرِّبا والحرام.
8- استثمر مالك في التجارة والصناعة والزراعة المباحة، وبذا تحرك الأرض والآلة والأيدي، وهذا هو المجتمع القوي مع الإيمان.
9- تقصيرُ الدُّوَلِ وأصحابُ المالِ في توفير المصارف الإسلامية الكافية والملتزمة بالطرق الشرعية في المعاملات؛ لا يُعفي عامة المسلمين من القيام بواجباتهم، ومنها: عدم العمل والتعامل بالرِّبا.
10- يجبُ على أصحاب المتاجر والمُؤسسات الكبرى أن يُوظفوا عالمًا أو مفتيًا دارسًا للفقه والاقتصاد الإسلامي، خبيرًا متأهلًا لذلك، غير متساهل في الحرام، لكي ينطلقوا منطلقًا صحيحًا سليمًا مباركًا ويُوفقوا.
11- وعلى جميع المسلمين -حكامًا ومحكومين- تشجيع البنوك والمصارف الإسلامية ومساندتها؛ لتكون بديلًا عن البنوك الرِّبوية.
12- مطالبة العلماء، والمدرسين، والأئمة المتأهلين في الفقه أن يعلموا الناس أحكام الرِّبا، وصوره، وأنواعه، وفقه البيوع بعامة، في المساجد، والمدارس، والجامعات، والندوات في التلفاز، والمذياع؛ على الدّوام وبالتكرار، لكي يتعلم الجميع أحكام البيوع؛ لشدة حاجة الناس إليها.
13- دعوة العلماء وأهل الاختصاص لتوفير الكتب المختصرة والميسرة في صور البيوع المحرمة ونشرها، وجعلها في أقراص، وأشرطة (كاسيت) يسهل سماعها لمن لا يحسن القراءة.
واعلموا:
أولًا: أنّ ما قلَّ وكفى خيرٌ مما كَثُرَ وألهى وأطغى.
ثانيًا: وأنّه لن تزولا قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل: ...وعن ماله؟ من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟
ثالثًا: وأنّ الطاعة تَجُرُ إلى طاعة، وأنّ المعصية تَجُرُ لمثلها.
رابعًا: وأنّ اللهَ يُمهل ويُملي للظالم والعاصي؛ ولا يُهمله ولا يُفلته.
خامسًا: ومَنْ ترك شيئًا للهِ عوضهُ اللهُ خيرًا منه.
سادسًا: والنية الصالحة لا تجعل العمل (المحرم) صالحًا.
سابعًا: والواجب على الرَّجل أن يُعين زوجته على طاعة الله وأكل الحلال، وكذلك الزوجة مع زوجها، والآباء مع الأبناء، والأصحاب والرِّفاق.
ورحمَ اللهُ نساءَ السَّلَفِ لما كانت إحداهنّ توصي زوجها قبل الخروج من البيت للعمل بقولها: يا هذا! اتَّقِ اللهَ فينا، ولا تُطعمنا إلاّ الحلال؛ فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النّار.
وفي النهاية:
فإن حرب الأُمة -الآن- ليست مع الناس، وإنما هي مع الله -سبحانه-: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[الحشر:4].
وأكررُ وأقولُ: أنّ حربَ الأُمة -الآن- مع اللهِ؛ لأنّ اللهَ -تعالى- قال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[البقرة:278،279].
وإذا كنّا نحاربُ اللهَ! فكيف نسأله النصر؟! وكيف نمدُ إليه أيدينا ندعوه بالعفو والعافية؟! وكيف؟! وكيف؟!
إنّ هذه الأُمة لن تقوم لها قائمةٌ إلا إذا تصالحت مع الله، وخضعت لأوامره، وحرمت الرِّبا، وعندها يكون الله معها، ومن كان الله معه؛ فلن يغلبه أحدٌ، فهل من مجيب؟! وهل من معتبر؟!!
وحسبنا الله ونعم الوكيل» [انتهى باختصار من «روضة الخطباء» (304-310) للدكتور مصطفى مراد].
الفهرس
المقدمة...................................................... 5
الرِّبا لغةً واصطلاحًا................................. .......... 7
حكم الرِّبا................................................... 9
شَرْحُ آيةِ تحريم الرِّبا........................................ 11
صفُّ وتَنسِيقُ وتَدقِيقُ
مُؤَسَّسَةِ الرَّبِيعِ
للطِّباعةِ والحَاسُوبِ
YZYZYZYZYZYZYZYZYZYZYZYZYZ
عمَّان ـ الأردن 96 772 883 - 33 718 66 77 / 00962
Al_Rabea_Est@Yahoo.Com
([1]) قاله الحافظ في «الفتح».
([2]) ومثله أكل الرِّبا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق