الأحد، 25 ديسمبر 2022

الرزق و الأسباب الجالبة له /رجل معلق قلبه بالمساجد/سر أنتشار الإسلام/" ففروا إلى الله "/عشرة فروق بين دين رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ودين "الثورة الإيرانية

الرزق و الأسباب الجالبة له /عبدالرحمن بن عبدالله الطريف
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

شُغل بعض الناس بطلب الرزق، وبالغ البعض في بذل الأسباب المشروعة وغير المشروعة ، وتشاغلوا عما خلقوا من أجله.قال جلّ في علاه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون) ]الذاريات:56[.
وعبادة الله قد تكون في طلب الرزق شريطة أن تكون الأسباب مشروعة والوسائل مباحة.
قال تعالى : (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)] الملك:15[.
«فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ»
وقد قال صلى الله عليه وسلم " ... اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما مَنَعْتَ ... " . رواه مسلم
وقد "تكفّل الحق سبحانه للإنسان برزقه، و جعل للرزق أسباباً وكل ما على الإنسان هو أنْ يأخذ بهذه الأسباب ثم لا يشغل باله هماً في موضوعه، ولا يظن أن سَّعْيه هو مصدر الرزق، لأن السعي سبب، و الرزق من الله، وما على الإنسان إلا أنْ يتحرى الأسباب، فإنْ أبطأ رزقه فاليرح نفسه؛ لأنه لا يعرف عنوانه، أمّا الرزق فيعرف عنوان الإنسان وسوف يَأتيه يطرق عليه الباب".
قال تعالى:(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون )]الذاريات:22-23[.
ولما سع أعرابي هذه الآية صاح بأعلى صوته وقال :"يا سبحان الله ! من الذي أغضب الجليل حتى حلف" .
قال الحسن البصري-رحمه الله- : كثيراً ما وجدنا من طلب الآخرة وأتته الدنيا ولكننا لم نجد من طلب الدنيا وأتته الآخرة .
قال صلى الله عليه وسلم"((لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهَرَبُ مِنَ الْمَوْتِ؛ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ))" صحيح الجامع5240
فلو وعى الإنسان هذه الحقيقة لطابت نفسه وسكن قلبه ولم تذهب حياته حسرات على فوات نصيب من الدنيا.فإن أعطي بعد أخذ الأسباب شكر وإن منع حمد الله و صبر .
و لعلي في هذا المقال أشير إلى بعض الأسباب المشروعة الجالبة للرزق وهي:
١ - تحقيق التوحيد قال تعالى :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون ) [الأعراف:96[.
2- الصلاة وأمر الأهل بها قال تعالى ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )]طه:132[.
قال سفيان الثوري :في قوله: {لا نسألك رزقًا} قال: لا نكلفك الطلب .
يقول أحد السلف : ما افتقر ولا احتاج للبشر من عمل بهذه الآية
3 - تقوى الله عز وجل قال تعالى :( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3-2[
4 - الاستغفار قال تعالى :(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12[ .
وقال : النبي -صلى الله عليهم وسلم-: " مَن أكثر الاستغفار جعل الله له من كل همَّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب " أخرجه أحمد في المسند صححه أحمد شاكر
5 - التوكل على الله قال تعالى :(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )[الطلاق:3[.
و قال النبي -صلى الله عليهم وسلم-: "لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً ". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن
6 - صلة الرحم قال النبي -صلى الله عليهم وسلم-: " مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه " رواه البخاري
7 - الإنفاق ( الصدقة ) قال تعالى:( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين ) [سبأ:39[ .
8 - المتابعة بين الحج والعمرة قال النبي-صلى الله عليه وسلم- : " تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ". رواه الترمذي وصححه
9 - الزواج قال تعالى:( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم) [النور:32]. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "عجباً لمن لم يلتمس الغنى في النكاح، و الله يقول: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه)]النور:32[.
10 - الدعاء قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة-رضي الله عنه: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟)) قال: بلى يا رسول الله، قال: "قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي". رواه أبو داود
قال أحد السلف :"ما افتقر ولا احتاج للبشر من عمل بهذه الآية".
١١ - شكر النعم قال تعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد) [إبراهيم:7]، قال عمر بن عبدالعزيز-رحمه الله-": قيَّدوا نعم الله بشكر الله، فالشكر قيد النعم .
كتبه : عبدالرحمن بن عبدالله الطريف
تويتر: @Alturaif_A
البريد الألكتروني a.traif@hotmail.com
=============
رجل معلق قلبه بالمساجد
منصور بن محمد فهد الشريده
@Aboesam742Are
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
فضل المساجد عند اللّه عظيمٌ لأنها بيوته في الأرض، وكذلك فضلُ المحبين لها، المكثرين من ملازمتها والتردّد عليها ،
المرابطين عليها بالغدو والاصال ، فقد ترى رجلاً قلبه معلق بالمساجد ، فلا يكاد إذا خرج من المسجد أن يرتاح لشيء حتى يعود إليه، لأن المساجد بيوت الله ، ومن دخلها فقد حلَّ ضيفًا على ربه ، فلا قلب أطيب ولا نفس أسعد من رجل حل ضيفًا على ربه في بيته وتحت رعايته.
وهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة الذين قال الله فيهم: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَتَكَفَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسْجِدُ ببَيْتَهُ بِالرَّوْحِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ إلى رِضْوَانِ اللهِ إلَى الجَنَّةِ))[8].
وهذه الضيافة تكون في الدنيا بما يحصل في قلوبهم من الاطمئنان والسعادة والراحة، وفي الآخرة بما أعدَّ لهم من الكرامة في الجنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ[9] مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ))[10]
فقلبه كالقنديل المعلق ، حتى ولو كان جسده خارج المسجد ، فهو ينتظر بفارغ الصبر والحب الرجوع والعودة للمسجد ،
فالمساجد بيوت الله ومكان آداء العبادات المفروضة وميدان العلم والتعلم فالمتعلق بالمسجد بعيد عن رؤية المنكرات وقريب من الله تعالى فيصفو قلبه وتنجلي همومه وأكداره ويعيش في روضة من رياض الجنة وبذلك تكفر سيئاته وتكثر حسناته وقد قال تعالى :( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال *رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار *ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ). [سورة النور ] .
وكان صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي لله عنها: يشتغل في مهنة أهله يقطع مع أهله اللحم ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته ويكنس بيته وهو أشرف الخلق ..وتقول عائشة : فإذا سمع الله أكبر ، قام من مجلسنا كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا ....
ففي هذه المساجد ، أمر الله جل وعلا أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه
فمن تعود وأحب الصلاة فيها
وسابق إليها في الصف الأول غدوا ورواحا
أول من يَقدم إلى المسجد وآخر من يخرج في الغالب فَرح لمقامه فيها
فهذا من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه..
وملازمة المساجد وكثرة الإعتياد لها
صفة لطائفة من الناس من الأخيار يؤتيهم الله من الاستقامة ، فهم لا يتركون صلاةً إلا وصلوها فى المسجد وذلك حباً فى صلاة الجماعة وأبتغاء رضا الله عليهم وعفوه عنهم وهذا ليس معناه ترك العمل والتفرغ للصلاة فى المسجد ولكن أدى عملك و إذا سمعت النداء حي على الصلاة حي على الفلاح اترك ما فى يدك ولبى النداء.
فهذا الرجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، والقلب ـ عباد الله ـ يتعلق بما عودته عليه، فإن عودته على الطاعة بإخلاص اعتادها ولم يجد أنسه إلا فيها، وإن عودته المعصية وأدمنت فعلها تعلق بها ، فالصالحون إنما يأنسون بذكر الله سبحانه ، لهذا فإنهم متعلقون بأماكن الطاعة ، لا يجدون راحتهم إلا فيها ، إذا غادروها فسرعان ما يشتاقون إليها ، هؤلاء ممن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.
فانظر يا عبد الله، هل قلبك معلق بالمسجد أم معلق بغيره من أماكن اللهو واللعب ؟
و ما هي الأماكن التي تشتاق وتحِنُّ إلى الذهاب إليها؟ واعلم أن خير البقاع في الأرض المساجد ، فالتمس الأجر في المسجد ، والتمس ظل الله يوم القيامة بتعمير المسجد ، يقول النبي ﷺ
فيما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة:((كفارات الخطايا: إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة)).
و قال -عليه الصلاة والسلام- :{ ورجل قلبه معلق بالمساجد } المساجد هي بيوت الله تعالى التي أذن أن تُرفع ويذكر فيها اسمه سبحانه وتعالى، وقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حريصا على المساجد وكان قلبه معلق بالمسجد كما أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- لما نزل به مرض الموت دخل إلى أهله بعد صلاة المغرب وإذا هو قد ارتفعت عليه الحُمّى فاضطجع على فراش فنودي بصلاة العشاء، ولم ينتبه -عليه الصلاة والسلام- من شدة المرض، فالتفت -صلى الله عليه وآله وسلم- لما بدأ الناس ينادون يقولون:{يارسول الله نامت النساء نامت الصبيان} فالتفت -صلى الله عليه وسلم-إلى من حوله قال :{ أصلى الناس؟ _قالوا: لا يارسول الله هم ينتظرونك } هل قال أنا مريض ! لا، قال : { ضعوا لي ماء في المخضب } إناء كبير فوضعوا له الماء وأقبل - صلى الله عليه وآله وسلم- وجلس في هذا الماء وجعل يُبرد على نفسه حتى برُد جسده ثم اتكأ على يده ليقوم فأُغمي، عليه فلبث مليا مغمى عليه -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم أفاق، فسأل عما قلبه معلق به، رجل قلبه معلق بالمساجد، يشتاق، هناك أُناس قلوبهم معلقة بالمسارح، فعلا تجد أنه يذهب إلى بلد معين فيه مسارح ورقص ويحضر لمدة أسبوعين ثلاثه فإذا رجع جلس أسبوعين ثلاثه فما زال قلبه معلق، ويقول "يا أخي نحن ليس عندنا سينمات ومسارح سأذهب إلى ذلك البلد" فلا يزال قلبه معلق بتلك المسارح، من الناس من قلبه معلق بالملاعب الرياضيه ولا يكتفي بمتابعة المباراه عبر التلفاز، لا بل يذهب إلى الملاعب، قلبه معلق بالكوره، الناس قلوبهم معلقه بأشياء، النبي -صلى الله عليه وسلم - قلبه معلق بالمسجد فلما أفاق قال :{ أصلى الناس ؟_ قالوا :لا يارسول الله هم ينتظرونك } فنظر فإذا جسده ضعيف وحار، قال :{ضعوا لي ماء في المخضب، فوضعوا له ماءً آخر ، فأقبل -صلى الله عليه وآله وسلم- وتبرّد به ثم اتكأ ليقوم فأُغمي عليه } <وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام >فلبث مليا مغمى عليه وعائشه ومن حوله ينظرون إليه -عليه الصلاة والسلام- فلما أفاق سأل عما قلبه معلق به قال : {أصلى الناس؟} ماقال خرج وقت الصلاة! لا، الجماعه !، { أصلى الناس ؟_ قالوا: لا يارسول الله ينتظرونك_ قال : ضعوا لي ماءً في المخضب وصبوا علي الماء من أفواه سبع قرب لم تُحلى أفواههن } أحضروا سبع قرب يكون الماء قد طال مكثه فيها، فأحضروا إليه -صلى الله عليه وآله وسلم-القربة الأولى وصبوها عليه والثانيه وصبوها عليه والثالثه صبوها عليه حتى أكثروا عليه صب الماء قالت عائشه: {وجعل يشير بيده أن حسبكم حسبكم }لم يستطع أن يتكلم فأخذ يشير بيده، الآن نشيط فاتكأ على يديه ليقوم إلى ماقلبه معلق به فأُغمي عليه فلما أفاق -صلى الله عليه وسلم - فإذا القلب معلق لكن الجسد هنا ما استطاع أن يتصل الجسد بالقلب، فقال -صلى الله عليه وسلم -{ مروا أبا بكر فليصلي بالناس } اليوم لا يوجد صلاة جماعه قلبي معلق لكن ما استطعت أن أصلي، مروا أبا بكر فليصلي بالناس، ويصلي بهم أبا بكر صلاة العشاء من يوم الجمعه وصلوات يوم االسبت وصلوات يوم الأحد، فلما كانت صلاة العصر من يوم الإثنين شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- في جسده بنشاط، قلبه معلق ، فقال -صلى الله عليه وآله سلم - :{ ادعولي علياً والعباس رضي الله عنهما، فدعوهم ، قال: احملاني إلى المسجد }ارجعوا الجسد إلى القلب !{ احملاني إلى المسجد} فحملاه -صلى الله عليه وآله وسلم- يتهادى بينهما، يقول علي رضي الله عنها : {إن قدميه لتخُطاّن في الأرض}
عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام نزل به الموت فسمع الآذان يؤذن لصلاة المغرب قال :| احملوني، قالوا : سبحان الله وأنت على هذا الحال ؟ _ قال : نعم أسمع منادي اللهيقول حيّ على الصلاة حي على الفلاح ولا أجيبه احملوني إلى المسجد | قال فحملوه فركع ركعة مع الإمام في صلاة المغرب ثم مات في سجوده .
محمد بن خفيف رحمه الله من علماء الحنابله قالوا قد نزل به الفالج، الفالج هو مثل الجلطه شلل نصفي، يقولون فكان إذا أُذّن عليه للصلاه إذا سمع الآذان قال :| احملوني إلى المسجد _ قالوا : سبحان الله، إن الله قد عذرك _ قال: أعلم أن الله قد عذرني أعلم لكني لا أطيق | لا أصبر، ثم قال :| إذا سمعتم حيّ عل الصلاة حيّ على الفلاح ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبره | يعني إن لم تجدوني في المسجد اعلموا أني قد مت، أنا في المقبره، | فاطلبوني في المقبره |
رجل قلبه معلق، تجد أنه إذا كان يقود السياره وأذن للصلاة بدأ قلبه يأكله" يا أخي ابحث عن مخرج توقف عند مسجد، ألا يوجد مسجد قريب ! افتح النوافذ نسمع ربما هناك إقامه " قلبه معلق" لا تفوتنا الصلاه لاتفوتنا الصلاة " وأناس مع الأسف يكون على الطريق السريع ويؤذن ويقول سأتأخر وزحام سأصلي في البيت، الصلاه لاتساوي شيء عنده، أما الذي قلبه معلق بالمسجد والله العظيم منذ أن يؤذن عليه وقلبه يأكله يأكله لايصبر، يمكن لو معه هاتف ما ارتاح لو معه ناس أنهى الحديث معهم وقال" ياجماعه اتركوا الحديث الى وقت آخر أنا لست معكم، بالله ابحث عن مسجد، لايوجد منارة ! أدخل الشارع هذا لنبحث " قلبه معلق ينتفض حتى يدخل إلى المسجد، لكن مع الأسف بعض الناس الذين لايهمهم ذلك، هذا ينبغي أن ينظر في قلبه، أنت قلبك ليس معلق بالمسجد، إذا قلبك معلق بالمسجد العلامه في ذلك أنه منذ أن يؤذن وأنت قلبك ينتفض .
وقف الإمام مالك مرة مع ابن وهب، أحد تلاميذه، يتحدثان في الشارع فأُذّن للصلاة فانصرف ابن وهب يمشي فنظر الإمام مالك فإذا هو متوجه إلى بيته، قال : المسجد من هاهنا ! |أين تذهب |المسجد من هاهنا! فقال: أتوضأ للصلاة _ فقال الإمام مالك : سبحان الله رجل يطلب العلم يدخل عليه وقت الصلاة وهو على غير وضوء الله المستعان يقول رجل يطلب العلم يدخل عليه وقت الصلاة وهو على غير وضوء!!
ايفترض أن تتوضأت قبل أن يؤذن، لم ينتقد عليه فاتتك الصلاه، لا، لماذا تتوضأ بعد الآذان؟ المفروض أنك من قبل الآذان تكون حريص على ذلك، كانوا يؤدبون أولادهم على صلاة الجماعة .
عبد العزيز بن مروان غاب ولده مرة عن الصلاة ، وكان ولده في مدينة أخرى عند مؤدب، فالمؤدب هذا أرسل إلى أبيه قال : |ولدك غاب عن صلاة الجماعه فأرسل الأب إليه يا ولدي ماغيّبك عن صلاة الجماعة ؟ فردّ الولد إليه قال: |يا أبتي كانت مُرَجّلتي تسكّن شعري، الجارية أو الماشطة كانت تمشط شعري وفاتتني الصلاة فبعث إليه حلاقا بصحيفة معه قال : لا تسلمه إياها حتى تحلق شعره فوصل إليه الصحيفه معه حتى حلق شعره كله ، ثم أعطاه الصحيفة بما فيها من التوجيه .
هشام بن عبد الملك صلى مرة الجمعة ثم التفت ففقد أحد أولاده فبعث إليه قال : أين أنت !غبت عن صلاة الجمعه _ قال : يا أبتي عجزت بغلتي عن حملي الولد ثقيل وبغلته مريضة ذلك اليوم فركبها وعجزت عن حمله فترك صلاة الجمعة، فقال : سبحان الله وإذا عجزت بغلتك عن حملك تغيب عن الصلاة أقسمت عليك ألا تركب دابة سنة كامله أنظر إلى التشديد عليه، سنة كاملة لا تركب دابة، لكي تتأدب ولاتغيب عن الصلاة أقسمت عليك ألا تركب دابه سنة كاملة إذا كان هؤلاء يُنشّؤون على مثل ذلك من صغرهم اعلم أنه سيزداد حرصا إذا كبر، إذا كان منذ صغره معلق قلبه بالمسجد اعلم أنه سيكبر ولا يزال قلبه معلق بالمسجد.
=======
سر أنتشار الإسلام
منصور بن محمد فهد الشريده
@Aboesam742Are
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
من يطالع الصحف ويتتبع أخبار الذين يعتنقون الدين الإسلامي الحنيف من شعوب العالم المختلفة... وكيف استطاع الإسلام أن ينتشر ويجذب كبار العلماء والباحثين والمفكرين والكتاب والمشاهير إلى اعتناقه ، فضلاً عن غيرهم من العديد من الأفراد والجماعات ، إلى حد اعتناق قرى بأكملها، كما حدث لقرية في "الهند"
تسمى "ميناكشيورام" دخل جميع سكانها دفعة واحدة في دين الإسلام..
وبالمثل حدث في قرية أخرى بكوريا الشمالية. . كما تحولت مجموعة كبيرة من طائفة "الهاريجان" الهندية للإسلام ، والتي يبلغ تعداد سكانها نحو ٣٢ ألف نسمة ... وغير ذلك من أمثلة تبرهن على أن الإسلام قوة ذاتية برغم الهجوم عليه ، وما تعترض طريقه من صعوبات وعقبات.
وعندما نفكر عن أسباب انتشار الإسلام التي جعلت هؤلاء يتخلون عن ديانتهم ومعتقداتهم ودفعتهم إلى اعتناق الإسلام كدين ارتضوه لأنفسهم دون غيره من الديانات والمذاهب الوضعية الأخرى. . حيث أن هناك مفكرين منصفين درسوا الإسلام دراسة متأنية عميقة ، فجرى في نفوسهم تيار تفهمهم له حتى لقد أخذنا نسمع مدحاً منهم للإسلام .. بل فريق كبير منهم أعلن إسلامه في غير لبس ولا مراءات ، وجابه الرأي العام في بيئته بعقيدته ، ولم يكتف بذلك ، فأخذ يدعو إليها مكرساً وقته وجهده لنشرها. .. أما الفريق الذي أحب الإسلام واكتفى بمدحه فيصفه "اللورد هدلي " بقوله ( إنني أعتقد أن هناك آلافاً من الرجال والنساء مسلمين قلباً ، ولكن خوف الانتقاد والرغبة في الابتعاد عن التعب الناشئ عن التغيير منعهم من إظهار معتقداتهم ).
وسواء أكان هؤلاء الكتاب المفكرون اعتنقوا الإسلام واعلنوه أمام الجميع أم أحبوه وأعجبوا بما فيه من مبادئ وتعاليم ، ولم يجرءوا على إشهاره ، فيكفي أن الإسلام قوة عالمية يدعوا الناس كافة إلى عبادة إله واحد، هو الله الواحد الأحد. . وهذا الذي دفع " اللورد هدلي " أن يبدي دهشته من عالمية الإسلام ، فيعتنق الإسلام ويقول عنه : ( إنه دين يمكن العالم الإنساني من أن يجمع أمره على عبادة الله الواحد الذي هو فوق الجميع ، وإله الجميع ، بطريقة سهلة خالية من الحشو والتبلبل ).
ويعبر عن ذلك " الكونت هنري كاسترى "
في كتابة حيث يقول : ( الإسلام خواطر وسوانح ) .
" وهكذا جذب الإسلام قسماً عظيماً من العالم بما أودع فيه من إعلاء شأن النفس )
ومن عالمية الإسلام كما يقول الباحث الكبير "سنكس " : ( إن المسلمين يزدادون كل يوم عدداً ، وذلك دليل على حيوية دين الإسلام وعظمته ) .
ومصداقاً لذلك فقط جاء في مجلة " التلجراف البريطانية " : ( أن الإسلام سيصبح القوة المؤثرة في الأحداث خلال القرون القادمة بفعل انتشاره بين شعوب العالم ، فضلاً عن تزايد عدد المسلمين أنفسهم بنسبة خمسين مليون نسمة سنوياً)
========
" ففروا إلى الله "
عبدالرحمن بن عبدالله الطريف
@Alturaif_A
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
دائما ما تطرق أقدار الله القلب البشري لتقتلع منه دواعي الشرك والتعلق بغيره، و تغرس فيه بذرة الإيمان والتوكل على الله .
لا يغرنك مساء ساكن ... قد يوافي بالمنيات السحر
قال تعالى: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " الأعراف آية:( 34 )
- لكل منا أجل محدود ينتهي إليه، فلا الإقدام يُدنيه, ولا الإحجام يُقصيه .
فكم من صحيح مات من غير علة
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
- كل منا يسير نحو نهايته بطريقة ما، وهو يظن أنه يتحاشاها وينجو منها، بينما يركض حثيثا مسرعا نحوها .
- كل منا يعلم أن شدة الحذر والحيطة لا تمنع القدر! فعلام الجزع والخوف؟ و جميعنا على موعد لن يخلفه، في مكان لن يخطئه .
" إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر " نوح آية:( 4)
-ما قدّره الله تعالى من كيفية الموت، وتوقيته، سيكون كما قدّره، دون زيادة ولا نقصان ! .
فعلام الجزع والخوف من الأمراض !؟
- ليست الدنيا هي الحياة الحقّة، و إنما الحياة الحقيقية دار الخلود والبقاء، تلك الدار التي يسعى لها الصالحون، والعقلاء، و الحكماء ... لأن فيها الإقامة الأبدية، والنعيم المطلق للمؤمنين .
- الحياة الدنيا غرور، والمستغرق في اتباع الغرور سخيف الاختيار، ضعيف العقل، فاسد التمييز، هائم فى بيداء الحياة، ذاهل بالركض وراء مطالب العيش، مستغرق المشاعر بين شتى المظاهر ، لا يكاد يتصل بسر الوجود أو يتمحض لرب العالمين .
- علينا التأمل و التفكر في الأحداث التي تصيب أمتنا لنشعر بعظمة الله، و نخشى من عقابه، ونفر من المعاصي و نلجأ إلى الله تعالى.
" ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " النساء آية:( 76 )
- الحياة لا تستحق أن تخور لأجلها عزيمة المسلم، أو يجبن لحظة إقدام، أو يبخل ساعة عطاء.
لأن الآجال قد فرغ منها، و أن الموت لا بد أن يلاقيه كل حي، و أن الأرزاق مكتوبة لا يزيدها البخل و لا ينقصها العطاء .
فعلينا أن نتقي الله عزّ وجلّ، و نفر إليه بضعفنا وافتقارنا، عَلّه يغفر لنا ذنوبنا قبل لقائه، ولا ندري متى يكون اللقاء ؟
كتبه : عبدالرحمن بن عبدالله الطريف
==========
عشرة فروق بين دين رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ودين "الثورة الإيرانية
أ.د.أحمد بن عثمان المزيد
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
"
إن مما أثلج صدور المسلمين في أنحاء الأرض قاطبة ما وفق الله إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ـ أيده الله وأعزه ـ من نصرة رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وإعادة هيبة الأمة الإسلامية وحماية جناب بلاد الحرمين من همجية النظام الإيراني وأطماعه التوسعية بحق الدول الإسلامية لا سيما دول الجوار.
ومما هو محل الفخر والاعتزاز موقف حكومة خادم الحرمين الشريفين الحازم لردع الغطرسة الإيرانية في تجاهلها للقيم النبوية والأعراف والمواثيق الدولية؛ بحرقها للسفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد، بقطع العلاقات مع إيران.
وقد أيدت غالبية الدول الإسلامية هذا الموقف، بما يثبت عزلة إيران السياسية عنها، وأن سياسة النظام الإيراني نابعة من أيديولوجية وعقيدة "الثورة الإيرانية" الخمينية.
ويشرفني أن أشارك في نصرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ببيان أمر مهم جدا، وهو بيان انحراف وبُعْد وعزلة دين الثورة والنظام الإيراني عن دين حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، دين جميع بلدان العالم الإسلامي.
وقد اقتصرت على نماذج من هذه الفروق منها يتبيَّنُ زيفُ دين الخميني وخامنئي والثورة الإيرانية، والفروق العشرة هي:
1/ الدستور: في دين "الثورة الإيرانية" ينص دستورهم على: "أن المذهب الاثنا عشري هو المذهب الرسمي للبلاد"، فيحل المذهب محل الدين، ويصير هو مناط الولاء والانتماء. ويا ليتهم يصدقون في اتباع الأئمة الاثنا عشر، ولكنهم لفَّقوا عليهم الأقوال ولبَّسوا على الناس دينهم.
بل إن القرآن الكريم في دين "ثورة الخميني" لا حظَّ عندهم لقراءته، فضلاً عن العمل به، أو معرفة معانيه وتفسيره، والملاحظ أن رموز ثورة الخميني لا يحسنون قراءة القرآن الكريم، فكيف بالعمل به، والتحاكم إليه، والتزام أخلاقه وقيمه!
أما السنة النبوية: فهم ينكرون كتب السُّنة التي تلقتها الأمة بالقبول، كالصحيحين وغيرهما، فمن أين تأتيهم الهداية إذن!
أما في دين حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : فإن (الدِّيْنَ هو الإسلام)، وهذا يتضح من كل دساتير الدول الإسلامية؛ فلا حصر في مذهبية بعينها، ففي النظام الأساسي للحكم في وطننا المملكة العربية السعودية: (دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم).
وفي دين محمد صلى الله عليه وسلم: يتبوأ القرآن الكريم مكانة رفيعة؛ فهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المصدر الرئيس للتشريع، ومعه السنة النبوية، إليهما يتحاكم المسلمون.
2ـ العقيدة: في دين "الثورة الإيرانية" يوجبون صرف العبادة لغير الله؛ فيسجدون للأئمة عبادةً وتعظيمًا وتقديسًا.
وفي دين "الثورة الإيرانية": الأئمة أفضل من الأنبياء والرسل ومن الملائكة، ويزعمون أن الله اختصهم بعلم الغيب، ويكفِّرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدا بضع منهم، ويطعنون أمهات المؤمنين!
أما في دين رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: فالعبادة لله وحده، والتعظيم لما عظمه الله ورسوله، والرسل عليهم السلام هم أفضل البشر، وأفضلهم أولو العزم، وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي دين حبيبنا محمد: لا يعلم الغيب إلا الله وحده، فلا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، والصحابة نترضى عنهم، ولا نجد في قلوبنا غلا لهم. ونجلُّ أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
3ـ في العبادات: الحج في دين "الثورة الإيرانية": يقوم أتباع الخميني ببث الفتن، وتأجيج النزاعات والصراعات، وقتل لضيوف الرحمن بأبشع صور القتل، في مشاهد لم تُرَ من إلا من النظام الإيراني.
علاوة على ذلك: فإنهم يرون الحج إلى القبور والمشاهد وقبر الحسين رضي الله عنه أعظم من الحج إلى بيت الله الحرام، بل إن قبر الخميني عندهم أفضل من المسجد الحرام والمسجد النبوي!
أما في دين محمد صلى الله عليه وسلم: فإن الحج من أعظم شعائر الإسلام، وهو الركن الخامس، وهو عنوان الوحدة والتآلف، الحج تعظيم للحرمات، والأنفس، ورعاية ضيوف الرحمن، ولعلَّ هذا بارز فيما تقوم به المملكة العربية السعودية من رعاية تامة للحجاج والمعتمرين، وخدمة للحرمين الشريفين.
كما أن للحرمين الشريفين في الإسلام حرمة لا تدانيها حرمة، (ومن دخله كان آمنا)، والصلاة فيهما تزيد أضعافاً عن الصلاة في غيرهما، ولا تشد الرحال إلا إليهما ومعهما المسجد الأقصى.
4ـ حفظ الضرورات الخمس: في دين "الثورة الإيرانية" تنتهك الضرورات الخمس (الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال)، وتطبق إيران هذا واقعاً في البلاد التي تدخلت فيها كالعراق وسوريا واليمن.
ـ فانتهاك (الدين) بهدم المساجد على رؤوس المصلين في مشاهد لم يفعلها اليهود أنفسهم، وتدمير دور تحفيظ القرآن، ونشر الشرك والضلالات في أكثر من (100) قناة تلفزيونية، وآلاف المواقع الالكترونية.
ـ وانتهاك (الأنفس، والأعراض، والأموال): بات أمراً جلياً بتخطيط وتنفيذ من النظام الإيراني.
وما ذاك إلا أن دين "الثورة الإيرانية الخمينية" يُحل له قتل مَنْ هو على غير مذهبه، فهم يكفرون أهل السنة، ويعتقدون نجاستهم، ويعملون على استئصالهم، والأدهى أنهم يروجون لأتباعهم أنهم يفعلون هذا من أجل (تحرير القدس) وأنها "ثارات الحسين" ونحو ذلك! مخالفين بذلك كل دول العالم الإسلامي.
أما في دين رسولنا محمد: فإن حفظ الضرورات الخمس من مهمات الدين، ومقاصد الشرائع؛ فحق الحياة مكفول لكل أحد (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ) [الإسراء/33]، والمعاهد يهودياً كان أو نصرانياً له حقه وحرمته.
وأهل السنة هم أرحم الناس بالخلق، يقدمون العون والنصرة للخلق ما استطاعوا، ليس كدين "الثورة الإيرانية" الذي يصدر الفتن وزعزعة الاستقرار، وتأليب الشعوب على حكامهم، حتى تصير الأرض مهيأة لبذر سمومهم، وتجنيد الشباب لهدم ما تبقى من آثار بلادهم، وما داعش منا ببعيد.
5ـ ميزات رجال الدين الشيعة : في دين "الثورة الإيرانية" يحظى رجل الدين الشيعي بميزات على غيرهم من عوام الشيعة، ومن هذه الميزات (الخمس)، بل أكثر من ذلك: أن رجال الدين يعبثون بثروات إيران ومقدراتها تحت ما يسمونه (تصدير الثورة)! فنتج عن هذا أن الشعب الإيراني لا سيما الشباب منهم يعيشون في حالة من الفقر، والاضطهاد، والبطالة.
كذلك في الدين الخميني: يدَّعي رجال دينهم أن الأئمة معصومون عن الخطأ والزلل.
أما في دين رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: فلا ميزة مادية لعالم على أحد، وإنما التفاضل بالإيمان والعمل الصالح.
وفي الإسلام: ليس ثمَّ عصمة لعالمٍ، أو إمام، فالكل يخطئ ويصيب: (كل بني آدم خطاء).
6ـ اللطم وإتلاف النفس : في دين "الثورة الإيرانية": تنفرد جمهورية إيران بالتعبد بالصياح واللطم وضرب الأجساد حتى تسيل منها الدماء، وتفزيع للأطفال بتلك الصور الشائنة، التي تخالف العقول المستقيمة، وتنفير من منهج الإسلام السمح.
أما في دين رسولنا عليه الصلاة والسلام: فالسرور والتفاؤل وحسن الظن، ديننا لا يتعبد الناس باللطم وشق الجيوب؛ فتلك دعاوى جاهلية، ديننا لا يعرف تخصيص أيام للحزن ولبس السواد، إنه دين الرحمة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء/107].
7ـ حماية السفراء: في دين "الثورة الإيرانية": يروع السفراء، وتحرق مقارُّهم، وتنهب ممتلكاتهم؛ خيانة وغدراً، ولطالما كانت هذه طريقتهم مع سفراء ودبلوماسيين أجانب في إيران، ظنوا أنهم يتمتعون بالحصانة كبقية الدول، وعند أول بادرة خلاف أو اختلاف يغدرون بهم بكل خسة وهمجية.
ذلك ما حدث مع سفارات أمريكا، وبريطانيا، وأخيرًا مع سفارة وطننا المبارك؛ فلا يقيمون للإسلام وزناً، ولا يرفعون للأعراف والمواثيق الدولية رأساً.
أما في دين رسول الله صلى الله عليه وسلم: فالسفراء لهم كامل الحماية، دون نظر إلى عرق أو دين. كيف وقد أعطيتهم الأمان (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال/58] وهذه مسؤولية الدولة، وعلى هذا جميع البلاد الإسلامية وغيرها إلا إيران!
8ـ المنجز الحضاري: في دين "الثورة الإيرانية": لا تجد إلا الأطماع التوسعية والاعتداءات، وإثارة القلاقل، و"تصدير الثورة"، هذا هو مشروع المستقبل الذي تقدمه إيران للأمة، فلا نجد أي جهد حقيقي ملموس في نصرة قضية إسلامية أو عربية.
أما المنجز الحقيقي لهم فهو ما تراه وتسمعه من مآسٍ في سوريا والعراق واليمن، وما كانوا يدبرونه لبعض دول الخليج؛ كالبحرين والكويت، فكأنك لست أمام سوى عصابة همجية بربرية.
أما في دين حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: فالإصلاح والإعمار، ونفع البشرية، وهداية الإنسانية، وإضافة في كافة المجالات، وانفتاح على العالم بالخير، لا العزلة المقيتة التي تعيشها إيران.
9ـ الأخلاق والقيم : في دين "الثورة الإيرانية": تنهدم الأخلاق والفضائل والقيم، وتسقط المروءة؛ إذ يوجبون الكذب باسم (التقية) دون ضابط، بل هي عندهم الدين كله، كما يزعمون: "لا دين لمن لا تقية له"، والتقية عندهم واجبة مع أهل السنة تحت مسمى (عِشْرة العامة بالتقية)، ويبيح دين الخميني (المتعة)، فتصبح المرأة مشاعًا بين أتباعه!
أما في دين المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: فالصدق رأس الأخلاق، وهو يهدي إلى البر، جماع الخير، والأخلاق هي الدين كله: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)، والمرأة في الإسلام مكرمةٌ مصونة.
10ـ المذاهب المخالفة للشيعة : لم يُعرف قبل ثورة الخميني عام 1979م إرهاب وتكفير وتفجير في البلاد الإسلامية، لكنْ حدث هذا كله مع الثورة الإيرانية في كثير من بلدان العالم الإسلامي عدا إيران الراعية للإرهاب!
ففي (دين الثورة الإيرانية): يُنَكَّل بأهل السنة؛ اضطهاد وقتل على الهوية، وتهجير، ومنع من أبسط الحقوق فلا مسجد لأهل السنة في طهران، رغم أنهم يشكِّلون ربع السكان، ويمنعون من إقامة الجمع، ومن التوظيف...إلخ
فعند الخميني وأتباعه جميع المسلمين من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة محتقرون مضطهدون.
فلما أنْ استفحل نفوذهم مارسوا أساليبهم الخبيثة في قتل العلماء، وانتهاك الأعراض، وانتهاب الممتلكات، كل هذا في دول غالبيتها من السنة، فما الظن بأهل السنة في الداخل الإيرانيِّ!
أما في دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: فقد كفل حرية الاعتقاد، ورعى حقوق المخالفين في الدين، وعدل بين المواطنين في الحقوق والواجبات (لهم ما لنا، وعليهم ما علينا)، وخير نموذج لذلك: أنك ترى الشيعة في دول الخليج فيعجز المرء أن يفرق بينهم وبين السنة، وذلك انطلاقا من عدل الإسلام، وهدي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا جميع الدول الإسلامية عدا نظام إيران.
***
تلك بعض الفروق بين دين الإسلام، دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، دين جميع دول العالم الإسلامي عدا إيران، وهذه الفروق هي من كتبهم المعتمدة، ومن الواقع المشاهد.
فالواجب على جميع الدول والشعوب الإسلامية نصرةُ رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونصرة دينه، والدفاع عن أزواجه، وآل بيته، وصحابته الأبرار، ومؤازرة المملكة العربية السعودية والتكاتف والتعاون معها لكشف وعزل نظام إيران، وقطع اعتداءاته وكف أذاه، وتطهير البلاد الإسلامية من شره.
أ.د.أحمد بن عثمان المزيد
أستاذ الدراسات الإسلامية ـ جامعة الملك سعود
============

 

العملُ والبذلُ في الزمن الصعب/اللغة العربية بعد نزول القرآن الكريم /حاجتنا إلى القرآن العظيم /در السحابة في مناقب الصحابة

 

العملُ والبذلُ في الزمن الصعب/مصعب بن خالد المرزوقي
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
يقولون : ( إذا أقبلت العاصفة فاخفض رأسك حتى تخلّفها خلفك أو تخلّفك خلفها ! ) .
لعل أيامنا هذه وما سنقبل عليه سيكون لها حظها من عاصفة ..
أعتقد والله أعلم أن خفض الرأس لا يعني وقف العمل، بل إن الشدائد إذا وقعت صاحبها الخللُ، وتخلّف البعض، ولم يستطع آخرون أن يصمدوا، وكُف أفراد قسراً ..، والواجبات باقية، بل إن ثغوراً كثيرة تصبح مكشوفة،
وعليه؛
فيكون آكد على من يستطيع حمل الهمّ والعمل أن يبادر لسد الثغور ما استطاع، وربما تنتقل أمور في حق البعض إلى دائرة أضيق: من الكفاية إلى العين!
نعلق أعمالنا بالنتائج في مشاريعنا، وهو أمر حسن، لكن إدمان هذا واستصحابه يوقعنا في خلل تجاه الحركة والبذل، بل إن من المصائب أن ترتبط قرارات العمل كلها بالنتائج!
نعم،
لا بد من فقهٍ للنتائج والمآلات، لكن الإفراط في هذا الباب أوقع العاملين في الرجم بالغيب.
والمطلوب:
الموازنة بين الأمور، وتذكير النفس أن العمل وبذل السبب هما الموصلان للمراد، ويوم القيامة يأتي النبي ومعه الرجلان والنبي ومعه الرجل والنبي وليس معه أحد!
وحاشا نبي الله أن يكون قد قصّر في دعوته، بل إن الله -الذي يعلم الغيب وما كان وما هو كائن- هو من بعثه، وفي علمه سبحانه أنه لن يؤمن له أحد!
وهذا أمر يدعو لاستخلاص العبرة.
عندما تريد أن تطعم محتاجاً، هل يأتي بخلدك: وماذا ستنفعه هذه اللقمة؟! فإنه إن لم يجع الآن جاع بعد انقضاء هذا الطعام الذي سأعطيه؛ فلماذا إذاً؟!
هذا منطق غير سوي، ولا أحد يقبله، فإنك لا تستطيع كفايته دائماً، ولذا فلتقم بما في وسعك وطوقك، وإن لم تستطع سد حاجته مطلقاً فلا أقل من البذل والعمل.
هل نصدق أننا نتعامل مع كثير من أبواب الخير والدعوة والعلم بهذا المنطق؟!
لا بد أن يعمل العاملون، وخاصة إذا اشتد الأمر؛ لأنهم مطالبون بالعمل، ولأنه بالعمل تكون المدافعة، بل وبها يتنزل النصر، ومن جميل الفقه الذي لا ينقضي منه العجب كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فقد حكى ما كان في عهده من ابتلاء للمسلمين بالمغول والترك والفرس وغيرهم، وكان قازان وجنوده في "الشام"، وذكر رحمه الله أنه اجتمع في ذلك الوقت بالسلطان في "مصر" وبأمراء المسلمين، وأن الله ألقى في قلوبهم من الاهتمام بالجهاد ما ألقاه ..، فكان ذلك سبباً لصرف قازان وجنوده عن "الشام"!
ثم قال رحمه الله تعالى: ( فلما ثبّت اللهُ قلوب المسلمين صرف العدو؛ جزاء منه، وبياناً: أن "النية الخالصة والهمة الصادقة ينصر اللهُ بها، وإن لم يقع الفعل، وإن تباعدت الديار!" ) .
(مجموع الفتاوى 28/ 463)
" النية الخالصة والهمة الصادقة ينصر اللهُ بها، وإن لم يقع الفعل، وإن تباعدت الديار! "
هذه كلمة عظيمة، وددت لو علّقها كل عامل في مكان حيث يراها دائماً ليتذكر معناها ويعمل بها ..
نريد هذه الروح، وهذا الفكر والمنطلق والميزان ..
إذا نزلت الشدائد يظهر تقاعسٌ وتخاذلٌ، وتصاب الأمة في أبواب شتى، لكن من أخطر ما تصاب به هو: "فقد بوصلة الأولويات، واختفاء القدوات والمقدَّمين الذين يسلكون ويوجهون العاملين للعمل الأوجب والأهم".
الأمة بحاجة بل في ضرورة إلى طاقات جميع أبنائها، فالعمل العمل، بحسب المستطاع، وما نُصرت الأمة في تاريخها بكثرتها، ولا بذكاء أبنائها، ولا بعتادها، ولا بشيء سوى ميزان الإيمان الصادق الذي يدعو للعمل، وببذل السبب وفق القدرة، وعندها يتنزل النصر، ونكون أمة قد تحقق فيها شرط قيادة الأمم وتطويعها لعبادة ربها.
الشدائد تستحث الأحرار وأصحاب الهمم لمضاعفة الجهد، يشعرون بالتبعة والأمانة وثقلها، فيبذلون ويعملون، ولا ينقطعون، فالفراغ كبير، وما أغلق العبادُ باباً إلا وفتح الله الأبواب ..
ومما يسلي ومن المقرر : أن أجر العامل في وقت غفلة الناس أعظم، ودونكم استنباط دقيق للإمام ابن رجب رحمه الله، أنقله بطوله، قال رحمه الله: ( تستحب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون: "هي ساعة غفلة".
ولذلك؛ فُضّل القيام في وسط الليل؛ لمشمول الغفلةِ لأكثر الناس فيه عن الذكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن استطعتَ أن تكون ممن يذكر الله في تلك الليلة فكن".
ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤخر العشاء إلى نصف الليل، وإنما علّل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس.
ولما خرج على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء، قال لهم: "ما ينتظرها أحدٌ من أهل الأرض غيركم"،
وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له!).
(لطائف المعارف - ص 235 )
فكيف بالباذل والعامل في وقت الشدائد وضيق الفرص؟!
ووقتنا هذا وقت غفلة وإعراض، وشدة وتضييق، والله المستعان .
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ؛
قد قضى الله -وقضاؤه الحق- بغلبة أمره وظهوره ،
فهل نحن من القليل الذين يؤمنون بهذا ويُرى في عملهم ؟
وهل نحن أهل ليستعملنا الله في غلبة أمره ؟؟
اللهم سخر لنا من فضلك، واستعملنا في أحب الأعمال إليك وأصلحها وأنفعها إلينا ومنا ..
مصعب بن خالد المرزوقي
٢٧ شوال ١٤٣٨
=======
اللغة العربية بعد نزول القرآن الكريم  لإبراهيم فوزى
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

الحمد لله والصلاة والسلام علي محمد رسول الله , أما بعد :-
من أثر القرآن الكريم في اللغة العربية - راجع أثر القرآن الكريم في اللغة العربية والتحديات المعاصرة د.محمد يوسف الشربجي , أثر القرآن في اللغة العربية : حسن الباقوري
1-المحافظة على اللغة العربية من الضياع:‏
السر الكامن وراء خلود اللغة والحفاظ عليها من الاندثار هو القرآن الكريم بما كان له من أثر بالغ في حياة الأمة العربية، وتحويلها من أمة تائهة إلى أمة عزيزة قوية بتمسكها بهذا الكتاب الذي صقل نفوسهم، وهذب طباعهم، وطهر عقولهم من رجس الوثنية وعطن الجاهلية، وألف بين قلوبهم وجمعهم على كلمة واحدة توحدت فيها غاياتهم، وبذلوا من أجلها مهجهم وأرواحهم، ورفع من بينهم الظلم والاستعباد، ونزع من صدورهم الإحن والضغائن والأحقاد، فقد كان القرآن الكريم ولا يزال كالطود الشامخ يتحدى كل المؤثرات والمؤامرات التي حيكت وتحاك ضد لغة القرآن ، يدافع عنها، ويذود عن حياضها، يقرع أسماعهم صباح مساء، وليل نهار بقوله تعالى: ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين َ) البقرة: 23 –24 ،
وقوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) الإسراء: 88
2-تقوية اللغة والرقي بها نحو الكمال:‏
منح القرآن الكريم اللغة العربية قوة ورقياً ما كانت لتصل إليه لولا القرآن الكريم، بما وهبها الله من المعاني الفياضة، والألفاظ المتطورة والتراكيب الجديدة، والأساليب العالية الرفيعة، فأصبحت بذلك محط جميع الأنظار، والاقتباس منها مناط العز والفخار، وغدت اللغة العربية تتألق وتتباهى على غيرها من اللغات بما حازت عليه من محاسن الجمال وأنواع الكمال،
وفي هذا يقول العلاّمة الرافعي رحمه الله: "نزل القرآن الكريم بهذه اللغة على نمط يعجز قليله وكثيره معاً، فكان أشبه شيء بالنور في جملة نسقه إذ النور جملة واحدة، وإنما يتجزأ باعتبار لا يخرجه من طبيعته، وهو في كل جزء من أجزائه جملة لا يعارض بشيء إلا إذا خلقت سماء غير السماء، وبدلت الأرض غير الأرض، وإنما كان ذلك، لأنه صفى اللغة من أكدارها، وأجراها في ظاهره على بواطن أسرارها، فجاء بها في ماء الجمال أملأ من السحاب، وفي طراءة الخلق أجمل من الشباب، ثم هو بما تناول بها من المعاني الدقيقة التي أبرزها في جلال الإعجاز، وصورها بالحقيقة وأنطقها بالمجاز، وما ركبها به من المطاوعة في تقلب الأساليب، وتحويل التركيب إلى التراكيب، قد أظهرها مظهراً لا يقضى العجب منه لأنه جلاها على التاريخ كله لا على جيل العرب بخاصته، ولهذا بهتوا لها حتى لم يتبينوا أكانوا يسمعون بها صوت الحاضر أم صوت المستقبل أم صوت الخلود لأنها هي لغتهم التي يعرفونها ولكن في جزالة لم يمضغ لها شيح ولا قيصوم" - تاريخ آداب العرب، الرافعي، (ط2، دار الكتاب العربي، بيروت: 1974م) 2 /74 والشيح والقيصوم نباتان من نبات البادية، يضرب بهما المثل، يقال: فلان يمضغ الشيح والقيصوم، إذا كان عربياً خالص البداوة. انظر لسان العرب: (شيح، قصم).‏
3-توحيد لهجات اللغة العربية وتخليصها من اللهجات القبلية الكثيرة:‏
من المعلوم أن لجهات اللغة العربية كانت مختلفة، تحتوي على الفصيح والأفصح، والرديء والمستكره، وكانت القبائل العربية معتدة بلهجتها حتى إن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف من أجل التخفيف على العرب في قراءته وتلاوته، ولا شكّ أن لغات العرب متفاوتة في الفصاحة والبلاغة، ولذلك نجد عثمان رضي الله عنه قد راعى هذا الجانب في جمعه للقرآن، وقال للجنة الرباعية: "إذا اختلفتم أنتم فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلغتهم" وما ذلك إلا لأن لغة قريش أسهل اللغات وأعذبها وأوضحها وأبينها، وكانت تحتوي على أكثر لغات العرب، ونظراً لكونهم مركز البلاد وإليهم يأوي العباد من أجل الحج أو التجارة، فقد كانوا على علم بمعظم لغات العرب بسبب الاحتكاك والتعامل مع الآخرين، ولكن لغتهم أسهل اللغات كما ذكرت.
ينقل السيوطي (باب النوع السابع والثلاثون فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز – ص 416 و ما بعدها - الإتقان في علوم القرآن، تعليق د. مصطفى البنا (ط. بيروت).‏ ) عن الواسطي قوله: ".... لأن كلام قريش سهل واضح، وكلام العرب وحشي غريب" ولذلك حاول العرب الاقتراب منها، وودوا لو أن ألسنتهم انطبعت عليها حين رأوا هذا القرآن يزيدها حسناً، ويفيض عليها عذوبة، فأقبلوا على القرآن الكريم يستمعون إليه، فقالوا على الرغم من أنفهم: "إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وأسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه"
4-تحويل اللغة العربية إلى لغة عالمية:‏
العرب قبل نزول القرآن الكريم، لم يكن لهم شأن ويذكر أو موقع بين الأمم آنذاك حتى تقبل الأمم على تعلم لغتهم، والتعاون معهم فليست لغتهم لغة علم ومعرفة، وكذلك ليس لديهم حضارة أو صناعة، كل ذلك جعل اللغة تقبع في جزيرتها فلا تبرح إلا لتعود إليها.‏
وقد ظلوا كذلك، حتى جاء القرآن الكريم، يحمل أسمى ما تعرف البشرية من مبادئ وتعاليم، فدعا العرب إلى دعوة الآخرين إلى دينهم، ومما لا شك فيه أن أول ما يجب على من يدخل في الإسلام هو تعلم اللغة العربية لإقامة دينه، وصحة عبادته، فأقبل الناس أفواجاً على تعلم اللغة العربية لغة القرآن الكريم، ولولا القرآن الكريم لم يكن للغة العربية هذا الانتشار وهذه الشهرة.‏
يقول أ. د. نور الدين عتر: "وقد اتسع انتشار اللغة العربية جداً حتى تغلغلت في الهند والصين وأفغانستان، وحسبنا شاهداً على ذلك ما نعلمه من مشاهير العلماء من تلك البلاد مثل البخاري ومسلم، والنسائي، وابن ماجه القزويني، وغيرهم وغيرهم" المزهر في علوم اللغة العربية السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (ط. مصر).
5-تحويل اللغة العربية إلى لغة تعليمية ذات قواعد منضبطة:‏
من الثابت المعروف أن العرب قبل نزول القرآن كانوا يجرون في كلامهم وأشعارهم وخطبهم على السليقة، فليس للغتهم تلك القواعد المعروفة الآن، وذلك لعدم الحاجة إليها، ولا أدل على ذلك من أن التاريخ يحدثنا عن كثير من العلماء الذين صرحوا أن لغتهم استقامت لمّا ذُهب بهم إلى الصحراء لتعلم اللغة العربية النقية التي لم تشبها شائبة، ومن هؤلاء الإمام الشافعي، وأن الوليد بن عبد الملك كان كثير اللحن، لأنه لم يغترف لغته من الينبوع العربي الصحراوي الصافي.‏
ولما اتسعت الفتوح، وانتشر الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، احتك العجم بالعرب فأفسدوا عليهم لغتهم، مما اضطر حذيفة بن اليمان الذي كان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، أن يرجع إلى المدينة المنورة ويقول لعثمان رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف اليهود والنصارى...." فأمر عثمان( يجمع القرآن، وكان قصده أن يجمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي ( وإلغاء ما ليس بقرآن خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد, وهذا ما حصل، فقد ضعفت اللغة مع مرور الأيام وفشا اللحن في قراءة القرآن، الأمر الذي أفزع أبا الأسود الدؤلي وجعله يستجيب‏ لوضع قواعد النحو، التي هي أساس ضبط حركات الحروف والكلمات، ومن ثم العمل على ضبط المصاحف بالشكل حفاظاً على قراءة القرآن من اللحن والخطأ.‏
وليس هذا فحسب، بل يرجع الفضل للقرآن الكريم في أنه حفظ للعرب رسم كلماتهم، وكيفية إملائهم، على حين أن اللغات الأخرى قد اختلف إملاء كلامها، وعدد حروفها.‏
يقول د. عتر: "والسر في ذلك أن رسم القرآن جعل أصلاً للكتابة العربية، ثم تطورت قواعد إملاء العربية بما يتناسب مع مزيد الضبط وتقريب رسم الكلمة من نطقها، فكان للقرآن الكريم الفضل في حفظ رسم الكلمة عن الانفصام عن رسم القدماء" - دلائل النظام الفراهي - ط2، الدائرة الحميدية الهندية: 1991م.‏
6-تهذيب ألفاظ اللغة العربية، ونشوء علم البلاغة:‏
العرب كانت أمّة أكثرها ضارب في الصحراء، لم يتحضر منها إلا القليل، فلا جرم كان في لغتهم الخشن الجاف، والحوشي الغريب، وقد أسلفنا عن الواسطي أن لغة قريش كانت سهلة لمكان حياة التحضر التي كانت تحياها في ذلك.‏
ولعل من يقرأ الأدب الجاهلي ويتدبره، يزداد إيماناً بما للحضارة من أثر ألفاظ اللغة، فإنه سيرى في أدب أهل الوبر كثيراً من مثل "جحيش" و"مستشزرات" "وجحلنجع"، وما إلى ذلك مما ينفر منه الطبع، وينبو عنه السمع، على حين أنه يكاد لا يصادفه من ذلك شيء في أدب القرشيين.‏
والقرآن الكريم –فضلاً عن أنه نقل العرب من جفاء البداوة وخشونتها، إلى لين الحضارة ونعومتها، فنزلوا عن حوشيتهم، وتوخوا العذوبة في ألفاظهم، -قد تخير لألفاظه أجمل ما تخف به نطقاً في الألسن، وقرعاً للأسماع، حتى كأنها الماء سلاسة، والنسيم رقة، والعسل حلاوة، وهو بعد بالمكان الأسمى الذي أدهشهم وحير ألبابهم، وأفهمهم أن البلاغة شيء وراء التنقيب والتقعير، وتخير ما يكد الألسن ويرهقها من الألفاظ، فعكفوا عليه يتدبرونه، وجروا إليه يستمعونه ذلك أن القرآن الكريم قد انتهج في تعابيره أسلوباً له حلاوة، وعليه طلاوة، تنتفي فيه الكلمة انتقاء، حتى كانت مفردات القرآن الكريم من اللغة العربية بمثابة اللباب وغيرها كالقشور، مما جعل ابن خالويه يقول: "أجمع الناس أن اللغة إذا وردت في القرآن فهي أصح مما في غيره" ،( تاريخ الأدب العربي : كارل بروكلمان ) ، ولا أدل على ذلك من المقارنة بين الشعر الجاهلي والإسلامي، أو الأدب الجاهلي والإسلامي، لتجد البون شاسعاً، والفارق كبيراً، فأقبلوا إليه يزفون، ومن بحره ورياضه يستقون وينهلون، ومن ألفاظ ومعانيه
7- تنمية ملكة النقد الأدبي، وذلك أن العرب كانت لهم أسواقهم المشهورة، ومعلقاتهم المنظومة، ومبارياتهم المعروفة، فلما نزل القرآن الكريم، ولامس شغاف قلوبهم، ورقت له أحاسيسهم ومشاعرهم، فتغيرت أحكامهم وقوانينهم، فنقلهم من الفصيح إلى الأفصح، ومن الجيد إلى الأجود، ذلك هو القرآن بإعجازه، فإذا كان القرآن الكريم بهذه المنزلة وبهذه المكانة، وبهذا التأثير على العرب ولغتهم فنقلهم من البداوة إلى الحضارة، ومن الذل والهوان إلى الرفعة والسؤدد، ومن التقوقع والتشرذم إلى العالمية والانتشار، ومن الحوشي والغريب إلى السهولة واليسر، ومن العامية إلى الفصحى.‏
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
====
حاجتنا إلى القرآن العظيم
من كتاب مجالس القرآن للشيخ : فريد الأنصاري رحمه الله تعالى
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
من أنت؟
أنا، وأنت!.. ذلك هو السؤال الذي قلما ننتبه إليه! والعادة أن الإنسان يحب أن يعرف كل شيء مما يدور حوله في هذه الحياة، فيسأل عن هذه وتلك، إلا سؤالا واحدا لا يخطر بباله إلا نادرا! هو: من أنا؟ نعم، فهل سألت يوما نفسك عن نفسك: من أنت؟
ولعل أهم الأسباب في إبعاد ذلك وإهماله يرجع في الغالب إلى معطى وهمي، إذ نظن أننا نعرف أنفسنا فلا حاجة إلى السؤال! تغرنا إجابات الانتماء إلى الأنساب والألقاب، وتنحرف بنا عن طلب معرفة النفس الكامنة بين أضلعنا، التي هي حقيقة (من أنا؟) و(من أنت؟) ويتم إجهاض السؤال في عالم الخواطر؛ وبذلك يبقى الإنسان أجهل الخلق بنفسه، فليس دون الأرواح إلا الأشباح!
ولو أنك سألت نفسك بعقلك المجرد: من أنتِ؟ سؤالا عن حقيقتها الوجودية الكاملة؛ لما ظفرت بجواب يشفي الغليل! وإذن تدخل في بحر من الحيرة الوجودية!
أنا وأنتَ، تلك قصة الإنسان منذ بدء الخلق إلى يوم الناس هذا.. إلى آخر مشهد من فصول الحياة في رحلة هذه الأرض! وهي قصة مثيرة ومريرة!
ولذلك أساسا كانت رسالةُ القرآن هي رسالة الله إلى الإنسان؛ لتعريفه بنفسه عسى أن يبدأ السير في طريق المعرفة بالله؛ إذْ معرفة النفس هي أول مدارج التعرف إلى الله. وليس صدفة أن يكون أول ما نزل من القرآن: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)(العلق:1-2). ثم تواتر التعريف بالإنسان – بَعْدُ - في القرآن، في غير ما آية وسورة، من مثل قوله سبحانه: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا. إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)(الإنسان:1-3) وكذلك آيات السيماء الوجودية للإنسان، الضاربة في عمق الغيب، من قوله تعالى: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ)(السجدة:6-9).
ومن هنا أساسا كانت قضية الشيطان - بما هو عدو للإنسان - هي إضلاله عن معالم الطريق، في سيره إلى ربه! بدءا بإتلاف العلامات والخصائص المعرفة بنفسه، والكاشفة له عن حقيقة هويته، وطبيعة وجوده! حتى إذا انقطعت السبل بينه وبين ربه ألَّهَ نفسَه، وتمرد على خالقه!
ولم يزل الإنسان في قصة الحياة يضطرب بين تمرد وخضوع، في صراع أبدي بين الحق والباطل إلى الآن! فكانت لقصته تلك عبر التاريخ مشاهدُ وفصول! وكانت له مع الشيطان ومعسكره معاركُ ضارية، فيها كَرٌّ وفَرٌّ، وإقبالٌ وإدبار!
قال عز وجل حكايةً عن إبليس: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً. قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)(الإسراء:62-65).
من أجل ذلك كان للإنسان في كل زمان قصةٌ مع القرآن، وقصةٌ مع الشيطان!
فيا حسرة عليك أيها الإنسان! هذا عمرك الفاني يتناثر كل يوم، لحظةً فلحظة، كأوراق الخريف المتهاوية على الثرى تَتْرَى! اُرْقُبْ غروبَ الشمس كل يوم؛ لتدرك كيف أن الأرض تجري بك بسرعة هائلة؛ لتلقيك عن كاهلها بقوة عند محطتك الأخيرة! فإذا بك بعد حياة صاخبة جزءٌ حقير من ترابها وقمامتها! وتمضي الأرض في ركضها لا تبالي.. تمضي جادةً غير لاهية – كما أُمِرَتْ - إلى موعدها الأخير! فكيف تحل لغز الحياة والموت؟ وكيف تفسر طلسم الوجود الذي أنت جزء منه ولكنك تجهله؟ كيف وها قد ضاعت الكتب كلها؟ ولم يبق بين يديك سوى هذا (الكتاب)!
فأين تجد الهداية إذن يا ابن آدم؟ وأنى تجدها إن لم تجدها في القرآن؟ وأين تدرك السكينة إن لم تدركها في آياته المنصوبة - لكل نفس في نفسها – علامات ومبشرات في الطريق إلى الله؟ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا. وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(الإسراء:9 - 10).
نَعَم، بقي القرآن العظيم إعجازا أبديا، يحي الموتى، ويبرئ المرضى، ويقصم قلوب الجبابرة، ويرفع هامات المستضعفين في العالمين، ويحول مجرى التاريخ! وكل ذلك كان - عندما كان - بالقرآن، وبالقرآن فقط! وهو به يكون الآن، وبه يكون كلما حَلَّ الإبَّانُ من موعد التاريخ، ودورة الزمان! على يد أي كان من الناس! بشرط أن يأخذه برسالته، ويتلوه حق تلاوته! وتلك هي القضية!
ماذا حدث لهؤلاء المسلمين؟ أين عقولهم؟ أين قلوبهم؟ أليس ذلك هو القرآن؟ أليس ذلك هو كلام الله؟ أليس الله رب العالمين؟ أليس الخلق - كل الخلق - عبيده طوعا أو كرها؟ ففيم التردد والاضطراب إذن؟ لماذا لا ينطلق المسلم المعاصر يشق الظلمات بنور الوحي الساطع، الخارق للأنفس والآفاق؟
ألم يقل الله في القرآن عن القرآن، بالنص الواضح القاطع: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ! وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)؟(الحشر:21). فهل هذه خاصية ماتت بموت محمد رسول الله؟ أم أن معجزة القرآن باقية بكل خصائصها إلى يوم القيامة؟ ورغم أن الجواب هو من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة لكل مسلم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي البشرى إلى هذه الأمة، نورا من الأمل الساطع الممتد إلى الأبد! فقد دخل عليه الصلاة والسلام المسجدَ يوما على أصحابه ثم قال:‌ (أبشروا.. أبشروا..! أليس تشهدون ألا إله إلا الله وأني رسول الله؟‌ قالوا ‌:‌ بلى، قال ‌:‌ فإن هذا القرآن سَبَبٌ، طرفُه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به! فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبداً!) ومثله أيضا قولهe بصيغة أخرى: (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض). تلك حقيقة القرآن الخالدة، ولكن أين من يمد يده؟
ألم يأن للمسلمين – وأهل الشأن الدعوي منهم خاصة – أن يلتفتوا إلى هذا القرآن؟ عجبا! ما الذي أصم هذا الإنسان عن سماع كلمات الرحمن؟ وما الذي أعماه عن مشاهدة جماله المتجلي عبر هذه الآيات العلامات؟ أليس الله – جل ثناؤه – هو خالق هذا الكون الممتد من عالم الغيب إلى عالم الشهادة؟ أليس هو – جل وعلا – رب كل شيء ومليكه؟ الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟ أوَليس الله هو مالك الملك والملكوت؟ ذو العزة والجبروت؟ لا شيء يكون إلا بأمره! ولا شيء يكون إلا بعلمه وإذنه! أوَليس الخلق كلهم أجمعون مقهورين تحت إرادته وسلطانه؟ فمن ذا قدير على إيقاف دوران الأرض؟ ومن ذا قدير على تغيير نُظُم الأفلاك في السماء؟ من بعد ما سوَّاها الله على قدر موزون، (فَقَالَ لَهَا وَلِلاَرْضِ إيتِيَا طَوْعاً أوْ كَرْهاً قَالَتَا أتَيْنَا طَائِعِينَ)؟(فصلت:10) ومن ذا مِنَ الشيوخ المعمَّرين قديرٌ على دفع الهرم إذا دب إلى جسده؟ أو منع الوَهَنِ أن ينخر عظمه، ويجعد جلده؟ ويحاول الإنسان أن يصارع الهرم والموت! ولكن هيهات! هيهات!
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَهَا *** فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ!
الموت والفناء هو اليقينية الكونية المشتركة بين جمع الخلق، كافرهم ومؤمنهم!
يولد الإنسان يوما ما.. وبمجرد التقاط نفَسِه الأول من هواء الدنيا يبدأ عمره في عَدٍّ عَكْسِي نحو موعد الرحيل..! فكان البدءُ هو آية الختام! هكذا يولد الإنسان وبعد ومضة من زمن الأرض تكون وفاته! (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِكْرَامِ)(الرحمن:24-25).
ذلك هو الله رب العالمين، يرسل رسالته إلى هذا الإنسان العبد، فيكلمه وحيا بهذا القرآن! ويأبى أكثرُ الناس إلا تمردا وكفورا! فواأسفاه على هذا الإنسان! ويا عجبا من أمر هؤلاء المسلمين! كأن الكتاب لا يعنيهم، وكأن الرسول لم يكن فيهم! (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ! مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزءُون!)(يس:30)
إن هذا القرآن هو الروح الذي نفخه الله في عرب الجاهلية؛ فأخرج منهم خير أمة أخرجت للناس! وانبعثوا بروح القرآن من رماد الموت الحضاري؛ طيوراً حية تحلق في الآفاق، وخرجوا من ظلمات الجهل ومتاهات العمى أدِلاَّءَ على الله، يُبْصِرون بنور الله ويُبَصِّرون العالم الضال حقائق الحياة! ذلك هو سر القرآن، الروح الرباني العظيم، لا يزال هو هو! روحا ينفخ الحياة في الموتى من النفوس والمجتمعات؛ فتحيا من جديد! وتلك حقيقة من أضخم حقائق القرآن المجيد! قال جل ثناؤه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ. وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ. أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ)(الشورى:52-53).
من أنت؟ تلك قصة النبأ العظيم! نبأ الوجود الضخم الرهيب، من البدء إلى المصير! النبأ الذي جاءت به النُّذُرُ من الآيات: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا: يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ!)(الأنبياء:97). وقريبا جداواحسرتاه! – تنفجر به الأرض والسماوات! (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ! كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(الأنبياء:104).
ذلكم هو النذير القرآني الرهيب! ولقد أعذر من أنذر! وما بقي لمن بلغه النبأ العظيم من محيص؛ إلا أن يتحمل مسؤوليته الوجودية، ويتخذ القرار، قراراً واحدا من بين احتمالين اثنين، لا ثالث لهما: النور أو العَمَى! وما أنزل الله القرآن إذْ أنزله إلا لهذا! ولقد صَرَّفَه على مدى ثلاث وعشرين سنة؛ آيةً آيةً، كل آية في ذاتها هي بصيرة للمستبصرين، الذين شَاقَهُم نورُ الحق فبحثوا عنه رَغَباً ورَهَباً؛ عسى أن يكونوا من المهتدين. وبقي القرآن بهذا التحدي الاستبصاري يخاطب العُمْيَ من كل جيل بشري! قال الحقُّ جل وعلا: (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)(الأنعام:104).
من أجل ذلك؛ نرجع آئبين إلى رسالة الله، نقرؤها من جديد، نستغفره تعالى على ما فرطنا وقصرنا! قدوتنا في هذه السبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنته الزكية، التي لم تكن في كل تجلياتها النبوية – قولا وفعلا وتقريرا - إلا تفسيرا للقرآن العظيم! وكفى بكلمة عائشة أم المؤمنين، في وصفه – عليه الصلاة والسلام – لما سئلت عن خُلُقِهe؛ فقالت بعبارتها الجامعة المانعة: (كان خُلُقُه القرآن!) ولقد ضل وخاب من عزل السنة عن الكتاب!
نرجع إذن إلى القرآن، نحمل رسالته إن شاء الله – كما أمر الله – نخوض بها تحديات العصر، يحدونا اليقين التام بأن لا إصلاح إلا بالصلاح! وأن لا ربانية إلا بالجمع بينهما! وأن لا إمكان لكل ذلك – صلاحاً وإصلاحاً وربانيةً - إلا بالقرآن المجيد! وهو قول الحق - جل ثناؤها – في آية عجيبة، آية ذات علاماتلمن يقرأ العلامات – ولكل علامة هدايات. قال تعالى ذِكْرُه: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(الأعراف:170) التَّمْسِيكُ بالكتاب، وإقامُ الصلاة: أمران كفيلان برفع المسلم إلى منـزلة المصلحين! هكذا: (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). وإن تلك لآية! ومثلها قوله تعالى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)(آل عمران:79). وقد قُرِئَتْ: (تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ) و(تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ)؛ للجمع بين وظيفتي التَّعَلُّم والتعليم، والصلاح والإصلاح، إذْ بذلك يكون التدارس لآيات القرآن العظيم، بما هي علامات دالة على الله، وراسمة لطريق التعرف إليه جل وعلا، في الأنفس والآفاق. وتلك هي السبيل الأساس للربانية، كما هو واضح من دلالة الحصر المستفادة من الاستدراك في الآية: (ولكن كونوا ربانيين).
===========
القرآنُ العظيمُ وقضيةُ الأُمَّة
كَلِمَاتُ الله في مَعْرَكَةِ السَّلاَم!
من كتاب مجالس القرآن للشيخ : فريد الأنصاري رحمه الله تعالى
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
لا تحرير للأمة اليوم في معركة هذا العصر إلا بالقرآن! لأن طبيعة المعركة الجديدة قائمة على "الكلمة!" والقرآن العظيم هو الكلام القاهر فوق كل كلام!
ولكن بعد أن نفهم السؤال الإشكالي: ما حقيقةُ "الكلمة"؟ وما دورها في معركة العصر الجديدة؟
إن "الكلام" ليس "قولا" وحسب، إذ "القول" دال على كل ملفوظ، سواء أفاد معنى أم لم يفده، كما هو معلوم من تعريفات النحاة، بينما "الكلام" لا يكون إلا لفظا مفيدا لمقصودٍ مُرَادٍ للمتكلم، سواء أفاد خيرا أم أفاد شرا! على وزان قول ابن مالك:
كَلاَمُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ!
ومن هنا ننطلق من هذا التقعيد النحوي المدرسي البسيط؛ لنجزم بعد ذلك بأن الكلام - على هذا المعنى المؤصل في قواعد العربية - لا يكون إلا فعلا جاريا في الواقع، وحدثا جالبا لأثرٍ في التاريخ! إن الكلمة – أي كلمة – إنما هي فعل من الأفعال، هذا على المستوى الوجودي. وتأمل كيف أن الخطاب مهما يصدر من منتجه فإنه لا بد يؤثر في الواقع ولو على المستوى النفسي ابتداء، ثم يكون له بعد ذلك أثر فعلي. وأقل الأثر أن يعود على صاحبه بالخير أو بالشر. ولا يتصور في الواقع والعادة الجارية في الخلق كلامٌ بلا أثر مطلقا البتة! وهذا يبدأ من مستوى الخلق والإنشاء والتكوين، مما ينسب إلى الله جل جلاله من الأفعال والأقدار، إلى مستوى الفعل الإنساني والإنجاز البشري في الواقع والتاريخ.
فمثال الأول: قول الله تعالى فيما عَرَّفَ به حقيقةَ نبيه عيسى عليه السلام، واصفا إياه بأنه (كَلِمَتُهُ!) قال جل ثناؤه: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)(النساء:171). فكان عيسى ههنا هو (كلمة الله) جل علاه، أي أنه راجع إلى أمره القدري التكويني. إنه إذن خَلْقُ الله؛ لأن "الكلمة" راجعة إلى فعله تعالى المتعلق بتدبير شؤون الربوبية؛ خلقا وتقديرا وقَـيُّومِيَّةً. وهذا المعنى شامل في كل خلق أو تصرف إلهي، وفي كل قضاء وقدر. لا شيء من ذلك كله يخرج عن (كلمة الله). ومما يدل عليه أيضا أن "الكلمة" في القرآن أمرٌ واقعٌ حتما قولُه تعالى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ)(هود:110)، وقوله سبحانه: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(هود: 119)، وكذلك قوله جل ثناؤه: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ)(غافر:6). ومِثْلُ هذا في القرآن كثير لمن شاء أن يتتبعه. فكل ذلك ونحوه مما تضمن ضميمة (كلمة ربك) دال على معاني الخلق والإنشاء والتكوين والتصيير، وسائر أفعال القضاء والقدر الإلهيين. وليست "الكلمة" قولاً يقال لمجرد القول وكفى! بل هي إنجاز حتمي لا يتخلف توقيعه أبدا! فمتى قيلت "الكلمة" - بهذا السياق – كان معناه أنها فُعِلَتْ! ومن هنا لم تخرج "كلمة الله" عموما عن معنى فعل الله جل وعلا، وهو سبحانه وتعالى لا يخلف القول ولا الميعاد.
ومثال الثاني قول الله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا)(البقرة:31). فالأسماء – مهما اختلف في تفسير معناهافإنه لا اختلاف في أنها "كلام" بالمعنى الشرعي والوجودي للكلمة! ولا يمكن أبدا أن تتصور "الأسماء" على أنها لغو أو عبث! فهي أساس الناطقية التي فُطِرَ عليها الإنسان، والتي تشكل جوهرا أساسيا من ماهيته الوجودية، ووظيفته الكونية، والتي كانت - بعد ذلك - أساس الاستخلاف له في الأرض! ومثلها قوله تعالى: (خَلَقَ الإِنسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)(الرحمن:3-4). ومن هنا كانت مسؤوليته عما يتكلم به كبيرة جدا! وهي مسؤولية لا تخرج عن عموم الأمانة التي أنيطت بالإنسان في قول الله جل وعلا: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا!)(الأحزاب:72). فالكلام البشري كله محصي عليه كَلِمَةً كَلِمَةً! يستوي في ذلك إنشاؤه وخبره؛ لأنه كله يوزن بميزان التحقيق بين الصدق والكذب!
وعليه؛ فتعريف البلاغيين "الخبر" في الدرس البلاغي بأنه: (ما احتمل الصدق والكذب) – بزعمهم - تعريف غير مانع أبدا! بالمعنى الوجودي لكلمة (خبر)، لا بالمعنى اللغوي العادي! فتعاريف البلاغيين راجعة إلى موازين المنطق الأرسطي الصوري، وقد عُلِمَ ما فيه من خلل منهجي في تحديد المفاهيم والتصورات! إذ هو قائم على تحديد الماهيات بحدود عقليات خاضعة لمنطق العقل المجرد عن معطيات الوحي! ولا يمكن لمثل تلك الموازين إلا أن تكون "صورية" فعلا كما عبروا هم أنفسهم! فإلى أي حد تطابق الصورة الحقيقة؟ تلك هي المشكلة! ومن هنا فحد (الخبر) عندهم هو وإن جمع المقصود فإنه لا يمنع دخول غيره فيه، أي معنى "الإنشاء"، أرأيت لو أن شخصا نادى غيره، أو أمَرَهُ، أو نهاه، وهو لا يقصد ذلك؛ ألا يكون كاذبا؟ بلى والله! فإنما الكذب مخالفة العبارة لمقتضى الواقع، وهذا منه؛ لأن المنادي، أو الداعي، أو النادب، أو المستغيث، أو الآمر، أو الناهي.. إلى آخر ما صنفوه في معنى الإنشاء؛ كل ذلك إذا لم يصادف إرادة في نفس المتكلم وقصداً فهو كذبٌ محض! فالإنشاء إذن بهذا - المعنى الوجودي - يحتمل الصدق والكذب أيضا. وهل يتوجع المتوجع لغير وَجَع؟ وهل يستغيث المستغيث لغير فَزَع؟ فإن قصد به معنى آخر من مجاز وغيره، كان ذلك المعنى الجديد المعدول إليه هو أساس الصدق والكذب بعد ذلك! وإنما العبرة بالخطاب قصدُ المتكلم وإرادتُه! فلا شيء من الإنشاء إلا وهو يحتمل الصدق والكذب أيضا!
وأزعم أنه لا شيء من الكلام الطبيعي للإنسان إلا وهو يحتملهما! ومن هنا قول الله تعالى الجامع لكل ذلك: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ!)(ق:17). وقوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا!)(الكهف:49). ويدخل في ذلك قطعا كل ما تلفظوا به من قول، كما ستراه بدليله بحول الله تعالى.
ولذلك فقد نال اللسان الحظ الأوفر في الاعتبار في أحكام الشريعة؛ فكانت العقود كلها - سواء كانت عقود الإيمان والإسلام، من بيعة شرعية، أو تعهد ومعاهدة، أو نكاح أو طلاق، أو كانت من المصارفات المالية من بيوع، وإجارات، وأكرية، وغير ذلك مما يمكن أن يتصوره الذهن - كلها إنما هي عند التحقيق "كلام"! وليست مجرد لعب أو لهو من الأقوال! لأنها قائمة على معنى "مفيد"، أي مقصود مراد للمتخاطبين؛ بما فيها من إيجاب وقبول، وما جرى مجراهما من معاني التراضي والإقرار. ومن هنا قول الله تعالى في محكم كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(المائدة:1). وقوله سبحانه في سياق بيان أن الإنسان محاسب على كل ما يصدر منه من الأقوال، مما أوردناه قبل قليل: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(ق:17). وفي الحديث: (وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حَصَائِدُ ألسنتهم؟!) وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا؛ يرفعه الله بها درجات. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا؛ يهوي بها في جهنم!)([1]). ومن ثَمَّ لم يكن جِدُّ رسول الله ولا مزاحه صلى الله عليه وسلم إلا حقا وصدقا! ولم يكن فيه كذب قط! حاشاه! عليه الصلاة والسلام.
إن الكلام مؤثر جدا في إنتاج الفعل الإنساني بل هو عين الفعل الإنساني! ولا شيء من فعله إلا وهو حاصل بالكلام مباشرةً، أو نتيجةً، أو توجيها، أو تفاعلا! وإنما بدء التكليف الإلهي للإنسان كَلِمَةٌ، وآخرُه كَلِمَة! منذ قال له: (كُن فَيَكُون)، إلى أن علَّمَهُ (الأسماءَ كلَّها) إلى أن أنزل عليه (كلامه): القرآن الكريم!
فالذي لا يعير للكلام – أي كلام – الخطورةَ التي يستحقها فهو جاهل بحقائق الدين وحقائق الوجود معا! وكثير من العقوبات في الإسلام والحدود والتعازير والآثام ...إلخ؛ إنما ترتبت شرعا عن مجرد (كلام) يتكلم به الإنسان باطلا! بدءا بكلمة الكفر إلى كلمة القذف، إلى ما شابه ذلك من كلمات الغيبة، والنميمة، وعبارات السخرية والتنابز بالألقاب، وهلم جرا..!
كما أن بدء الخير كله "كلمة". انطلاقا من كلمة الإخلاص: (لا إله إلا الله)، وما يتممها من (شهادة أن محمدا رسول الله)؛ إلى أبسط كلمات الإيمان والإحسان، كإفشاء السلام، وتشميت العاطس، وإرشاد السائل... وما بين هذا وذاك من كليات الكلام وجزئياته؛ فإنه جميعا يَؤُولُ – في النهاية - إلى بناء عمران الحياة الإنسانية، القائمة على العدل والسلام؛ لأن ذلك كله هو الذي ينتج فعل الخير بمعناه المطلق، ويحقق غاية الوجود البشري في الأرض. ومن هنا كانت أول نعمة امتن الله بها على الإنسان بعد نعمة الخلق أنه علمه البيان! ولذلك كان القرآن بين يديه - وهو كلام الله – الأداة الكلامية الفاعلة لإقامة الحياة في الأرض بالقسط والميزان! فتَدبَّرْ قولَه تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءَانَ. خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ. وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ. أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ!) (الرحمن:1-9). وأول الوزن وزن الكلام، الذي هو حقيقة (البيان)، فإذا خسر؛ خسرت كل الموازين بعده! بدءا بموازين السياسةبمعناها العام – وما تتضمنه من موازين الإدارة والاقتصاد؛ إلى موازين التجارة وسائر المصارفات المالية والاجتماعية الجزئية والكلية... إلى كل طبائع العمران وتجليات الحضارة البشرية؛ إلى كل ما يمتد إليه ذلك من فقدان توازن الحياة الإنسانية والبيئية والكونية!
إن اللغة تصنع الحياة أو تدمرها! ومن هنا كانت مسؤولية الكلمة في الإسلام جسيمة جدا!
والإعلام اليوم هذا الطاغية الذي يسمونه (السلطة الرابعة)! ليس في واقع الأمر إلا السلطة الأولى! لأن المتسلط على الخلق، الحاكم أمرهم بالحق أو بالباطل؛ إنما وصل إلى مبتغاه من التسلط والتحكم بالكلمة! فحتى عندما يكون الأسلوب المتبع في التسلط قهريا؛ فإنما صنع الطاغية أدوات قهره وتجبره في البداية بالكلمة! ولا شيء يبدأ قبل الكلمة! فَبَدْءُ الوجود والخَلْقِ والتكوين في القرآن الكريم إنما هو كلمة! إنها كلمتُهُ جلَّ جلالُه: (كن فيكون!) قال جل شأنه: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ! إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ! فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.)(يس:81 -83).
إن الكلمة هي التي تصنع الصورة وتنتجها، بل هي جوهرها وحقيقتها؛ فلا يغرنك أن الإعلام اليوم صار يرتكز أساسا على الصورة، فإنما هذه – رغم خطورتها - بنت تلك في نهاية المطاف. ولولا الكلمات لما كانت الصور في الوجود أصلا! أضف إلى ذلك أن الصورة تُعْرَضُ حينما تُعْرَضُ في العادة الغالبة مسبوقةً بالكلمة، أو مقرونة بها، أو ملحقة بها! أو كل ذلك جميعا! فلا تأتي إذن إلا من خلالها! وحينما نتوهم أننا نتلقى صورا بغير كلمات، فإنما هي لعبة الكلمة المتخفية خلف الصورة! إنك لا تسمعها، نعم؛ ولكنها تتدفق إلى خواطرك في صمت، وتسكن اعتقادك بقوة! ومن ذا الذي قال إن الكلمة هي الصوت فقط؟ إنما الكلمة "مفهوم" يتواصل به الإنسان عبر اللغة الطبيعية، الصوتية أو الإشارية أو الصورية أو السيميائية، إلى غير ذلك مما في الوجود من رموز وأشكال نُصِبَتْ للدلالة على معنى! كل ذلك كلام!
إن الكلمة هي الوجود وما سواها صُوَر! ومن هنا ترى عمق الآية الكريمة: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا!)(البقرة:31)؛ فانظر - في ضوء ذلك - إلى هذا الكلام الإلهي العظيم! كم هو فعلا يضرب في عمق الحقيقة، وإلى أي حد هو يوغل في مجاهيل الوجود!
إن الإعلام اليوم كما كان من قبل في التاريخ – رغم اختلاف الأشكال والتجليات – ليعتبر أخطر وسائل التحكم، وأرهب أدوات الصراع الحضاري، وأقوى آليات التدافع العمراني في الأرض!
إن الطواغيت الذين قهروا الناس في الأرض عبر التاريخ لم يكونوا بشرا فوق البشر في أبدانهم ولا في عقولهم! ولا كانوا "آلهة" في واقع الأمر، وإنما هم "متكلمون" فقط! أسسوا أسطورة من الكلام في أذهان الناس وسحروهم بها، أو ورثوا رصيدا كلاميا عن آبائهم وأجدادهم واستمروا في إنتاجه وتجديده؛ حتى تعيش الأسطورة في شعوبهم إلى الأبد! فكان منهم (ابن الشمس) و(حفيد الرب)، و(وكيل الآلهة)، وغير ذلك من سائر أنواع الكلام مما يدخل في قوله تعالى: (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ!)(الأعراف:116).
وما كان طغيان فرعون في الأرض واستذلال أهلها؛ إلا من بعد أن أوهمهم بأنه هو ربهم الأعلى! فلم يكن يريهم إلا ما يرى! (فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى!)(النازعات: 23-24) ومن هنا لما خالفه قائل الحق من رجاله نطق بقوة فقال، كما حكى الله تعالى عنه: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَاد!ِ)(غافر:29). فكان بذلك مثالا لكل طغيان وتأله وتجبر! (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْييِ نِسَاءَهمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ!)(القصص:4).
إنه قهر القوة والسلطان الباطل، الذي يصنعه - فقط - سحر الكلام! وانظر إن شئت إلى هذا البيان السحري الرهيب! الذي ألقاه فرعون على قومه من بعد ما زلزلت عرشَه آياتُ موسى عليه السلام؛ قال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي؟ أَفَلا تُبْصِرُونَ؟ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ!؟ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ؟ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ!)(الزخرف:51-54). وتأمل جدا ما أعقب الله به خطاب فرعون: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ!) فهو إنما استخف في الواقع عقولهم!
ولقد قرأت قصة طريفة مترجمة عن الكتابة الفرعونية القديمة رواها أحد أطباء فرعون. وذلك أنه تسلط ذات يوم على أحد الأغنياء فأراد أن ينتزع منه ضيعته، فلما أبى أن يتنازل عنها نكل به فرعون تنكيلا! فقطع أيديه وأرجله من خلاف، وألقاه على حافة الطريق! فصادف أن كان الطبيب مارا بعربته فوجده يئن في الظلام، فلما عرفه رَقَّ لحاله وحمله إلى بيته، ثم عالجه من آثار جروح البتر. ثم انقطعت صلته به بعد ذلك إلى أن مات فرعون. ولما كان يوم مراسم التحنيط والدفن على - عادة قدماء المصريين - والكاهن يلقي كلماته في رثاء فرعون، بما يصبغه عليه من رداء الربوبية المزيفة، والألوهية المدعاة، والعظمة المكذوبة! ويذكر من شيمه ما لا قِبَلَ للبشر به! إذا بالطبيب يجد من بين الحاضرين الرجل الغني الذي نكل به فرعون من قبل، وقطع أيديه وأرجله من خلاف، وجده يبكي بحرارة ويقول: ما كنتُ أعلم أن فرعون كان إلها مقدَّساً إلى هذا الحد! وكأنما يبكي ندما على ما فرَّطَ في جنب فرعون، ولم يكن له من الطائعين ومن عباده الصاغرين!
إن الرصيد الأسطوري الذي كان لدى فرعون مما تركه سدنة الفراعنة هو الذي به حكم كل فرعون في التاريخ مملكته. إنه سحر الكلام، أو قل إنها (سلطة الإعلام)! وليست مفاهيم "الحداثة"، و"حرية المرأة"، و"الديموقراطية الليبيرالية" اليوم، أو "العدالة المطلقة"، و"الشرعية الدولية"، وما شابهها من مقولات ساحرة؛ إلا وسائط إعلامية أنتجها كهنة العصر الكبار؛ للتمكين للمستكبرين وتحقيق غطرسة المتغطرسين وتمديد ظلمهم العتيد! إن الإنسان لما يتوهم أنه مغلوب على أمره، أو أنه لا يستحق أن يكون حرا؛ يخضع بصورة تلقائية لمن غلبه بهذه الأكذوبة!
إن الأسلحة الفتاكة الرهيبة اليوم، مما اسْتُعْمِلَ ويُسْتَعْمَلُ في الحروب المعاصرة؛ ما كان لها أن تفعل في الإنسان فعلها؛ لولا أن الفراعنة الجدد سحروا أعين الناس واسترهبوهم! سواء في ذلك جنودهم وضحاياهم جميعا! فقد سحروا أولئك بما أوهموهم من أنه (عمل صالح) فنفذوه! وسحروا هؤلاء بما أوهموهم من أنه لا طاقة لهم بها! فكان لها ما كان من تأثير وتخدير، ثم تدمير! إنها قوة الكلمة! وإنه سِحْرُ الكلام!
من هنا كانت معجزة هذا العصر هي القرآن! القرآن بما يملكه من قوة خارقة في تحرير الإنسان من عبودية الشهوات التي تـثقله إلى التراب، وتملي عليه تقديس الحياة الفانية، وتخضعه لمن يهدده بالقتل والتشريد فيها. القرآن بما يملكه من سلطان رباني على النفوس يجعلها تبصر حقيقة أنه: لا إله إلا الله الواحد القهار! حركةً حيةً أبديةً في الكون وفي التاريخ! وأن كل استكبار من دونها هو محض افتراء وهراء! القرآن بما له من خاصية التحويل الوجداني العميق لمسار الإنسان؛ من جِرْمٍ جزئي ضئيل يدور في فَلَكٍ قصير من متاع الدنيا الشهواني؛ إلى كائن كوني كبير يدور في فَلَكِ الملكوت الرباني الفسيح، في سيره العظيم إلى الله.. حيث يرى - بعين القرآن واستعلاء الإيمان - كيف أن كيد الشيطان كان ضعيفا حقَّ ضعيف! وكيف أن المعركةَ كونيةٌ، يقودها الله رب العالمين! ويدرك آنئذ أن سباع العولمة الطاغية، التي أرهبت العالم بجيشها وسلاحها؛ مجرد نمور من ورق! متى أُهْرِقَ عليها ماء القرآن ذابت في الطين!
نعم، لا فكاك من أكاذيب الكلام وسحره إلا بجهاد ونضال مستميتين؛ لأن كسر أغلال السحر لا بد فيه من تضحية، ولكن؛ لا وسيلة لذلك كله إلا بإنتاج كلام مضاد لذلك السحر ومغالب له! كلام يصنع رجالَ القرآن ويُعِدُّهُمْ إعدادا! الرجال الذين يرون الحقائق كما هي في الطبيعة، لا كما يصورها السحرةُ الكبار في خطاب العولمة، المحيط بفضاء المستضعفين إيهاما وتوهيما! ذلك هو الأساس الذي لا يُفْعَلُ شيء في الوجود إلا به! حتى إذا غلبه تمكَّن من نشر سلطانه عليه وقهره. إنه إذن جهاد المقولات والمفاهيم، في معركة عَقَدِيَّةٍ كبرى بين عقيدة الإسلام؛ وإديولوجيا العولمة العلمانية المتوحشة! معركة رفع فيها (النظام العالمي الجديد) راية كلمة الدجل المضللة، ورفع القرآن فيها راية (كلمة الله). ومن هنا قول الله تعالى في بصيرة عظمى من بصائر الآيات، في سياق الحديث عن حجية القرآن العظيم: (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا!)(الفرقان:52).
وبهذا المنطق الصادق الصريح كان القرآن هو الذي يصنع السلام العالمي بحق! إن السلام لن تصنعه غطرسة أمريكا وأحلافها؛ ولا جبروت الكيان الصهيوني، وما ينتجه في العالم كله من خراب ودمار. ما كان للظالم - أبَداً - أن يصنع المحبة والسلام! فالنار لا تنتج إلا اللهيب والدخان! وأدرى الناس بهذه الحقائق هو الظالم نفسه! ولكنه سحر الكلام، ودجل الإعلام، يجعل السم القاتل عسلا شافيا؛ فيأكله الضحية بيده مختاراً! تماما كما أكل آدم الفاكهة المحرمة مختاراً! ذلك هو أسلوب الشيطان، ومنطق الباطل أبداً عبر التاريخ!
إن السلام العالمي لن يكون إلا وليد النور الإلهي، النور الذي يشرق في قلوب المؤمنين بالخير والجمال؛ بما يسكبه القرآن في وجدانهم، من معاني الحق والعدل والحرية! ودون ذلك معركة يخوضها القرآن بكلماته ضد كلمات الشيطان! وإلا بقيت البشرية اليوم تغص حلاقيمها بفاكهة آدم إلى يوم الدين! والقرآن وحده يكشف شجرة النار ويتلف فاكهتها الملعونة!
إن هذا القرآن كلام غير عاد تماما، إنه كلام خارق قطعا، ليس من إنتاج هذه الأرض ولا من إنتاج أهلها، وإن كان عليهم تنـزل ومن أجلهم تلي في الأرض. إنه كلام الله رب العالمين! الذي قال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(الزمر:67). إنه الكلام الذي لم يملك قَبِيلُ الجن إذ سمعوه إلا أن: (قالوا أَنْصِتوا! فلمَّا قُضيَ ولَّوا إِلى قومهم مُنْذرين. قالُوا يا قومنا إِنا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مصدِّقاً لما بين يديه يهدي إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيم!)(الأحقاف:29-30). وقالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا! يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً!)(الجن:1-2).
إن كلمات هذا القرآن – لو تعلمون! - قد تَنَـزَّلَتْ من السماء محملة بقوة غيبية أقوى مما يتصوره أي إنسان؛ لأنها جاءت من عند رب الكون، تحمل الكثير من أسرار الملك والملكوت، وهي جميعها مفاتيح لتلك الأسرار؛ بما فيها من خوارق وبوراق لقوى الروح القادمة من عالم الغيب إلى عالم الشهادة! وتدبر قول الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤوا ظُلْمًا وَزُورًا. وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)(الفرقان:4-6). إن الذي يظن أنه عندما يقرأ القرآن يقرأ كلاما وكفى، تمضي كلماته مع الهواء كما تمضي الأصوات مع الريح؛ فإنه لا يقرأ القرآن حقا ولا هو يعرفه بتاتا! وإنما الذي يقرؤه ويتلوه حق تلاوته إنما هو الذي يرتفع به، ويعرج عبر معارجه العليا إلى آفاق الكون! فيشاهد من جلال الملكوت ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر! وهنالك يتكون ومن هنالك يتزود! فآهٍ ثم آهٍ لو كان هؤلاء المسلمون يعلمون! وصدق الله جل وعلا إذ قال: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزءُون!)(يس:30) نعم؛ يا حسرة على العباد!
أوَلَيْسَتْ كلمات الله هي التي امتدت من هذه العبارات التي نتلوها إلى أعمق مما يمكن أن يتصوره الخيال، وأبعد من أن يحيط به تصور بشري من مجاهيل الوجود؟ ألا تقرأ في كتاب الله ذلك صريحا رهيبا؟ فاقرأ إذن: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ!)(لقمان:27). (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا!)(الكهف:109)
فأين ينتهي هذا القرآن إذن؟ إنه لا ينتهي أبدا! ويحك يا صاح! أليس تعلم أن كلام المتكلم صفةٌ من صفاته؟ ومتى كانت صفات الله لها نهاية؟ وهو جلَّ جلالُه، وعَزَّ سلطانُه رب العالمين، المحيط بكل شيء! فكيف إذن بمن تَخَلَّقَ بهذا القرآن وتحقق به في نفسه ووجدانه، وصار جزءا حقيقيا من حركة القرآن في الفعل الوجودي؟ وهذا القرآن تلك صفته وحقيقته؟ أوَلَيْسَ حقا قد صار جزءا من القَدَرِ الإلهي، الذي لا يتخلف موعده أبدا؟ أوَليس قد صار جنديا بالفعل من جنود الله، ممدودا بسرِّ ملكوت الله في السماء وفي الأرض؟ يحمل وسام النصر المبين من اليقين إلى التمكين! وهذا عربونه بين يديه الآن: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ!)(الصافات: 171-173)
وتَدَبَّرْ كيف أن (كلمته) تعالى هي فعله القَدَرِيُّ النافذ حتما، الواقع أبدا! ذلك أن كلام الله فوق كل كلام، إن كلامه تعالى خَلْقٌ وتَكْوِينٌ وإنشاء! إنه صُنْعٌ فِعْلِيٌّ للموجودات والكائنات جميعا.. من المفاهيم إلى الذوات، ومن الذَّرَّاتِ إلى الْمَجَرَّات! وتأمل قوله تعلى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ! فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(يس:81 -83). إنه - جَلَّ وعلا - يأمر العدم فيكون وجودا! فيكفي أن تتعلق إرادته بوجود الشيء ليوجد بالفعل! وإنما كل فعله تعالى في الخلق والصنع والتكوين مجرد (كلمة)! إنها فعل الأمر: (كُنْ)! الآمر بالتَّكَوُّن والتكوين، والتجلي من العدم إلى الوجود!
إن كلماته تعالى لا تذهب سدى في الكون، إنها بمجرد ما تصدر عنه - جلَّ شأنُه – تنشأ عنها ذواتٌ وحركاتٌ في تدبير شؤون الْمُلْكِ والْمَلَكُوت! إن كلامه تعالى إذَنْ خَلْقٌ وتقدير، وأَمْرٌ وتدبير! ومن هنا كان وصف الله لعيسى عليه السلام - كما سبق بيانه - بأنه (كلمة الله): (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)(النساء:171). وإنما جاء ذلك في سياق الرد على الذين زعموا أنه عليه السلام ابن الله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرافقوله (كَلِمَتُهُ) دال على أنه تجلي إرادة الله من الخلق والتكوين! وهو ما بينه تعالى في الآية الأخرى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ!)(آل عمران:59). ومن هنا كانت البشرى لمريم (كلمةً)! كلمة غيرت مجرى التاريخ، وبَنَتْ صرحا شامخا في تاريخ النبوة! قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالأخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ)(آل عمران: 45). فكان المسيح عليه السلام هو الكلمة! القضية إذن هي في: (كُنْ فَيَكُونُ!) إنها (كلمة الله!)
فكلام الله تعالى هو التعبير عن إرادة الخلق والتكوين، والتعبير عن قضائه الرباني وقَدَرِه الوجودي! وإن هذا القرآن العظيم لهو ترجمانه الأزلي، ودستوره الأبدي!
وعليه؛ فإنك إذ تتخلق بالقرآن وتتحقق بمعانيه؛ تنبعث أنت نفسك جنديا من جند الله؛ بل أنت آنئذ جزءٌ من قَدَر الله! وتدبر كيف جعل الله من أتباع موسى عليه السلام أداة قدرية شق بها البحر! تأمل هذا جيدا: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ!)(البقرة:50) فالله جل جلاله فرق البحر ببني إسرائيل لما كانوا مؤمنين، ولم تكن عصا موسى إلا أداة للفرق، أما العامل الفاعل - بإذن الله - فإنما هو عزائم الإيمان التي استبطنها كثير من أتباع موسى فكانوا جزءاً من الخارقة نفسها ولم يكونوا غيرها! فتأمل: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ!) هكذا: (بِكُمْ) وليس (لَكُمْ)! وإن كان معنى هذه مُتَضَمَّناً في الأولى، ولكنَّ القصدَ بيانُ أن العبد إذا صار وليا لله كان أداةً بين يدي الله - سبحانه - في تنفيذ قدَره في التاريخ! واقرأ إن شئت ما ورد في الحديث القدسي: (من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب!) إلى قوله عنه: (فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه!).
ألا يا حسرة على العباد حقا! وعلى هؤلاء المسلمين بشكل خاص!
وإذن؛ فإن هذا القرآن لو صرَّفه أهلُه حركةً في الأرض لكان أقوى من أن تـثبت أمامه كلمات الشيطان وسحر الإعلام، بل هو الحق الذي قال فيه الحقُّ جلَّ جلالُه: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ! وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ!)(الأنبياء:18). لا طاقة لكهان السياسة ببرهانه! ولا قِبَلَ لدجاجلة الإعلام بسلطانه! ولا ثبات لطاغوت الأرض أمام رجاله! (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ!)(الحشر:21). وكيف لا؟ وهو قد جاء بفهرست الوجود كله! كيف وقد تنَـزَّلَ بديوان الكون كله! وإن ذلك لَقولُ الحقِّ جلَّ علاه: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ!)(الأنعام:38). قال: (مِنْ شَيْءٍ!) يعني: (مِنْ شَيْءٍ!) وإنما جاءت الآية في سياق الخَلْقِ والتكوين لا في سياق التشريع كما توهم بعضهم! فهو شمول أوسع من مجرد الأحكام والحدود بكثير، شمول يسع العمران البشري كله، بل يسع عالم الملك والملكوت بما امتد إليه من غيب مجهول!
إن القرآن عندما يأخذه الذين (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ)(البقرة:121) يكون بين أيديهم نورا يبدد ظلمات الضلال، وزلزالا يخسف بحصون الإفك والدجل أنى كانت، ومهما كانت! واقرأ قصة موسى مع سحرة فرعون فإن فيها دلالة رمزية عظيمة على ما نحن فيه، في خصوص زماننا هذا! ذلك أن "كلمة الباطل" كانت تمثلها آنئذ زمزمات السحرة، فتجردوا لحرب كلمة الحق التي جاء بها موسى، وخاضوا المعركة على المنهج نفسه الذي يستعمله الباطل اليوم، إنه منهج التكتلات والأحلاف! تماما كما تراه اليوم في التكتلات الدولية التي تقودها دول الاستكبار العالمي ضد المسلمين في كل مكان! اقرأ هذه الكلمات مما حكاه الله عن سحرة فرعون لما قالوا: (فَأَجْمِعُوا كيدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنْ اسْتَعْلَى!)(طه:64).. إنه إجماع على الكيد، كهذا المسمى في السِّحر الإعلامي المعاصر: (بالإجماع الدولي) و(الشرعية الدولية)! والمواجهة لا تكون إلا بعد جمع كلمة الأحلاف وصنع الائتلاف؛ لمحاصرة الحق من كل الجوانب الإعلامية والاقتصادية والعسكرية! (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا!) ثم يكون توريط المشاركين وتورطهم في الغزو بصورة جماعية، ولو بصورة رمزية! وذلك للتعبير عن "الصف" في اقتراف الجريمة، فيتفرق دم المسلمين في القبائل! قالوا: (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنْ اسْتَعْلَى!) وتلك والله غاية دول الاستكبار العولمي الجديد، التي يصرح بها تصريحا: السيطرة على العالم بالقوة! والتحكم في مصادر الخيرات والثروات!
ولكن أين أنت أيها الفتى القرآني؟
أنت هنا!.. اقرأ تتمة القصة وتأمل: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى. قَالَ بَلْ أَلْقُوا..! فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى. فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى. قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى. وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى!)(طه:64-69). إن القرآن الذي بين يديك أشد قوة من عصا موسى قطعا! فلا تبتئس بما يلقون اليوم من أحابيل ثقافية وإعلامية وسياسية وعسكرية! لا تبتئس بترسانة النظام العالمي الجديد وآلياته الضخمة! حَذَارِ حَذَارِ! وإنما قل لهم: (بَلْ أَلْقُوا!).. وَتَلَقَّ عن الله كلماته بقوة، أعني قوله تعالى: (قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى!) وبادر إلى إلقائها بقوة، كما تلقيتَها بقوة: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى!) إنَّ كلمات القرآن عندما تُـتَلَقَّى بحقها تصنع المعجزات! فإذا أُلْقِيَتْ بقوة أزالت الجبال الرواس، من حصون الباطل وقلاع الاستكبار! ولذلك قال الله لرسوله محمد بن عبد اللهe: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)(النمل:6). وأمره بعد ذلك أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا! وهو قوله تعالى: (فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا!)(الفرقان:52). والمقصود بمجاهدة الكفار بالقرآن: مواجهة الغزو الثقافي والتضليل الإعلامي بمفاهيم القرآن وحقائق القرآن!
إن تلك الثقافة وذلك التضليل هما اللذان يجعلان الشعوب تقبل أن تكون حقولا لتجريب أحدث أسلحة الدمار والخراب! إن العبد لا يكون عبدا تحت أقدام الجلاد؛ إلا إذا آمن هو أنه عبد! ووطَّنَ نَفْسَهُ للعبودية! مستجيبا بصورة لاشعورية لإرادة الأقوياء. وذلك هو السحر المبين. والقرآن هو وحده البرهان الكاشف لذلك الهذيان! متى تلقته النفس خرجت بقوة من الظلمات إلى النور!
فيا له من سلطان لو قام له رجال!
إن المشكلة أن الآخرين فعلا يلقون ما بأيمانهم، فقد ألقوا اليوم (عولمتهم)، لكننا نحن الذين لا نلقي ما في أيماننا! ويقف المشهد - مع الأسف عند قوله تعالى: (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى. فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى!) ثم لا يكتمل السياق، وتلك مصيبتنا في هذا العصر!
نعم! إن كلمات القرآن – عندما تؤخذ بحقها- تصنع رجالا لا كأي رجال، إنها تصنع رجالا ليسوا من طينة الأرض! ذلك أنها تصنع الوجدان الفردي والجماعي والسلطاني للإنسان، على عين الله ووحيه؛ فيتخرج من ذلك كله قوم جديرون بأن يسموا بـ(أهل الله وخاصته)! وبهذا يتحولون إلى قَدَرِ الله الذي لا يرده شيء في السماء ولا في الأرض! فَيُجْرِي الله - جلَّ جلالُه - بهم أمره الكوني في التاريخ! أولئك الذين تحققوا بمعية رسول اللهe تَعَلُّماً وتزكيةً: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطئَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)(الفتح:29).
إن كلمات القرآن هي السلاح الأوحد لمواجهة تحديات هذا العصر! إنها تتحدى اليوم - بما تزخر به من قوى غيبية - العالمَ كله! فهل من مستجيب أو هل من مبارز؟ (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا!)(الإسراء:88) إنها كلمات تصنع كل ما يدور بخيالك من أسباب القوة والْمَنَعَةِ، من الإنسان إلى السلطان! ذلك أنها إذا تفجر نورُها ببصيرة العبد المتخلق بالقرآن، المتدبر لآيه العظيم، والمتحقق بِحِكَمِه؛ جعل منه هو نفسه سلاحا يسحق ظلمات العصر ويكشفها كشفا! وبرهانا يدمغ باطل هذا الوابل الإعلامي الذي يهطل بالمصطحات المغرضة، والمفاهيم المخربة للمخزون الوجداني والثقافي للأمة! بما يبني من الوجدان الفردي للإنسان ما لا طاقة لوسائل التدمير المادية والمعنوية معا – مهما أوتيت من قوة! – على تغييره أو تفتيته! ثم هو – في الوقت نفسه - يبني النسيج الاجتماعي للأمة، ويقويه بما لا يدع فرصة لأي خطاب إعلامي مضاد أن ينال منه! ولو جاء بشر الخطاب وأشد الخراب! كلمةً وصورةً وحركة!
إنه القرآن! سر الكون ومعجزة القضاء والقدر! (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ!)(الزمر:67). هذا الرب العظيملو أنت تعرفه – إنه يتكلم الآن! ويقول لك أنت، نعم أنت بالذات؛ لو أنت تستقبل خطابه: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً!)(المزمل:5) فَافْتَحْ صناديق الذخيرة الربانية بفتح قلبك للبلاغ القرآني وكن منهم: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ! وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا!)(الأحزاب:39) إذن تتحول أنت بنفسك إلى خَلْقٍ آخر تماماً! وتكون من (أهل القرآن) أوَ تدري من هم؟ إنهم (أهلُ الوَعْدِ)! وما أدراك ما (أهلُ الوَعْد)؟ إنهم بَارِقَةٌ قَدَرِيَّةٌ من: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً!)(الإسراء:5).. أولئك (أهل الله وخاصته!) وأولئك أصحاب ولايته العظمى، الذين ترجم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما يرويه عن الله ذي العظمة والجلال: (مَنْ عَادَى لي وَلِيّاً فَقدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْب!) ذلك؛ وكفى!
وليس من مصدر لهم إلا كلمات الله! هي المعمل، وهي الزاد، وهي قوت الحياة! وهي المنهاج، وهي البرنامج، وهي الخطة، وهي الاستراتيجيا! وما نستهلك دونها من الكلام إلا (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا..!)(الأنعام: 112) وليس عبثا أن العرب لما سمعتها تُتْلَى فزعت! فصاحت: (وَقَالَ الَّذينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ!)(فصلت:25). إنه المنهج نفسه الذي يتعامل به العدو اليوم مع القرآن! وهو الأسلوب المخادع عينه الذي تستعمله كل وسائله الإعلامية، بما فيها تلك الأشد فتكا وضَراوةً: الفضائيات المباشرة الكبرى! وإنه لخطأ كبير ذلك الذي يمارسه بعض المخلصين للإسلام، من بعض دعاته؛ عندما يفتون بتحريم صحون الاستقبال الفضائي، أو بطرد جهاز التلفزيون من البيت أو تكسيره! وما كانت محاربة الوسائل حلا ناجعا لدفع البلايا قط في التاريخ! وإنما كان أولى بأولئك أن يدعوا إلى إدخال القرآن إلى البيت! وأن يجاهدوا لجعل تلك الصناديق مجالس قرآنية مفتوحة في كل بيت! إن البيت الذي يسكنه القرآن لا يدخله الشيطان أبداً!
وكأنما يبدوعندما أقرأ لبعضهم أو أستمع له، وهو يحرم جهاز التلفزيون، أو يحظر وسائل التلقي الأخرى من الفضائيات إلى الأنترنيت - أننا في حاجة إلى تجديد الثقة بالله أولا! عجبا! ومتى كان شيء أمضى من حد القرآن؟ نعم! فيا من تلعن الظلام في الظلام! إنما كان يكفيك أن تشعل زر النور فقط! أشعله من حرارة قلبك ووجدانك، ومن تباريح إيمانك! أدْخِلِ القرآنَ إلى البيت بقوة تَرَ بنفسك غطرسة الإعلام – هذا الغول الذي أفزع العالم وثبط عزائمه - تتحطم بين يديك، كما تحطمت من قَبْلُ أوهام سحرة فرعون تحت عصا موسى! وتَرَ كيف أن نور القرآن يبتلع حبالهم وعصيهم! وتَرَ بعينك أنهم: (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى!)(طه:69) أدْخِلِ القرآنَ نصّاً يُتْلَى، وآياتٍ تُتَدَارَسُ، وحركةً حيةً تملأ كيان الأسرة كلها، وتعمر وجدانَها، رجالا ونساءً وأطفالا! اِصْنَعْ ذلك تَرَ عَجَباً!.. تَرَ كيف أن الأطفال الصغار - من أسرة القرآن - يتولون هم أنفسهم السخرية من فضائيات الطاغوت الإعلامي، ويركلون خبره وصورته! ليرفعوا راَيَةَ القرآن عاليةً، عاليةً في السماء!
وإن ذلك لعمري هو عين التحدي الذي جاء به هذا القرآن، لمن كان يؤمن حقا بالقرآن! وما يزال اليقين الذي يعرض به القرآن خطابه الغلاب يرفع التحدي منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، بل إلى يوم القيامة! إنه يقول لك: أعطني - فقط - فرصة لأخاطب الناس! أو بالأحرى: أعط الشعوب فرصة للاستماع لهذا القرآن! قال جل وعلا: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)(التوبة:6). نعم، (ليسمع) فقط! ألا إن هذا لهو عين التحدي! ذلك أن كلماته كفيلة بإخراج الحياة متدفقة بقوة من ظلمات الموات! ذلك أنه أقوى حقيقة راسخة في هذا الكون كله! ذلك أنه القرآن كلام الله رب العالمين! وتلك حقيقة لها قصة أخرى!
فلا غَلَبَةَ إذن لمن واجهه القرآنُ المبين، لا غلبةَ له البتة! وإنما هو من المهزومين بكلمة الحق القاضية عليه بالخسران إلى يوم القيامة! (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ!)(آل عمران:12). وقُلْ لِفَتَى الإيمان حَامِلِ رايةِ القرآن: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ!)(آل عمران: 196-197). فكل أساطيل الظلمة، وما يمارسونه من غطرسة وتقلب في البلاد من أرض إلى أرض تشريدا وتقتيلا.. كله، كله يرتد مذموما مخذولا؛ لو – ويا حسرةً على "لو" هذه! - لو يرفع المسلمون راية القرآن! فيكون مصير النفقات والإعدادات الاقتصادية الضخمة التي يحشدونها؛ لإبادة الشعوب المسلمة المستضعفة، والتي تعد بملايين المليارات؛ إلى خسار محتوم! واقرأ هذه الآية الصريحة القاطعة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ!)(الأنفال:36).
لكن الأمر بقي بيني وبينك الآن، أنا وأنت! هل أخذنا الكتاب بقوة؟ تَلَقِّياً وإلْقَاءً..! وهل حملنا معاً راية التحرير، تحرير ذواتنا نحن المسلمين من هذه الوثنية الجديدة، أو هذا الدِّين الوضعي الجديد: العولمة! بأصنامها الثلاثة: الأول صنم الإعلام الممجِّد للشيطان، والثاني: صنم التعليم العلماني، الذي يربي الأجيال على التمرد على الله! وينتج ثقافة الجسد، المقدِّسة للغرائز والشهوات البَهَمِيَّة! والثالث: صنم الاقتصاد الاستهلاكي المتوحش! المدمر لكل شيء!
الأمر بقي بيني وبينك الآن، أنا وأنت! هل أخذنا العهد معاً من القرآن؟ على العمل بمفاهيم القرآن، ومقولات القرآن؟ أم أننا لا نزال مترددين؟ نرزح تحت تأثير السِّحْرِ الإعلامي والدَّجَلِ السياسي، نؤله الأصنام الوهمية التي صنعتها لنا ثقافة الآخر وبرامجه التعليمية! وننبطح متذللين تحت أقدام إغراءات ثقافة الاستهلاك نلتهم كل ما يطعموننا من نجاسات!
الأمر بقي بيني وبينك الآن، أنا وأنت! فهذا القرآن – عهد الله - يفتح أبواب مجالسه للمؤمنين، الذاكرين، المطمئنين، أهل السِّيمَاءِ النبوية، الرُّكَّعِ السُّجَّدِ، السالكين إلى الله عَبْرَ مسالك اليقين! متدرجين بالغدو والآصال، ما بين نداءات الصلوات ومجالس القرآن، مُرَتِّلِينَ للآيات، متدارسين ومتعلمين؛ حتى يأتيهم اليقين. تلك مدرسة القرآن؛ لتحرير الإنسان، وفَكِّ إسَارِهِ العتيد من أغلال الأوثان، ومفاهيم الشيطان!
فيا فتية القرآن! ألم يَأْنِ لكم أن تُوَحِّدُوا القِبْلَةَ؟.. فإنما كلمة القرآن عَهْدُ أمَانِكُم، لم يزل نورُها يخرق الظلمات إلى يوم الدين: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ!)(الأعراف:128).
ثم ألقى الله - جَلَّ ثناؤه - العهدَ إلى رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم (قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيه!ِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير!ِ)(الشورى:7) قرآنا يتدفق عُمْرَانُهُ الرباني على الأرض، فيملأ العَالَمَ أمْناً وسَلاماً، ينطلق متدرجا مثل الفجر؛ من تلاوة الذاكرين الْخُشَّع إلى صلاة العابدين الركع.. ينطلق حركةً قرآنية شعارها: (اُتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ! إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ!)(العنكبوت:45). فمن ذا قدير على سماع خطاب الله ثم يخلد إلى الأرض، ويرضى أن يكون مع الْخَوَالِفِ! ويقعد مع القاعدين؟.. كيف وذاك عهد الله، عهد الأمان! فمن ذا يجرؤ على خرق أمانه؟
ويحك يا صاح!.. تلك الأيدي تمتد إلى يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجيبة لتوثيق العهد، وهاتيك: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ! فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَنُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)(الفتح:10).. إنها مجالس الرضوان، تحت شجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشرق أنوارها الخضراء على زمانك هذا عبر (مجالس القرآن)، مجالس الخير المفتوحة على وجدان كل مَنْ (كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(ق:37).
فاستمع يا صاح!.. ذلك نداء الله يتنـزل عليك! وتلك يد رسول الله تمتد إليك! ولكنَّ الزَّمَنَ يَتَفَلَّتُ من بين يَدَيْكَ..! فإلى متَى أنت لا تَمُدُّ يَدَك؟!
===========
أثر الأجهزة الحديثة المرئية في التفكير
منصور بن محمد فهد الشريده
@Aboesam742Are
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
إن مشاهدة الجوال والتلفاز من أكثر الأنشطة الترفيهية شيوعاً في العالم ، فهذا النشاط يتفوق على المشي والقراءة الحرة واللعب مع الأطفال ، ومع أن أغلبنا يرفض الإقرار بأثر الجوال والتلفاز في تفكيره وتصرفه ، وتشتت أفكاره وكثرة نسيانه ، ويعده وسيلة للتمتع ليس إلا ، ولكن الحقيقة غير ذلك ، ولعل القارئ سيدهش إن علم أن الجوال و التلفاز هما أداة خطيرة للسيطرة على تفكيرنا ، إذ يوقف عملية التحليل العقلي التي يقوم بها الجانب الأيسر من الدماغ ، فتؤثر مشاهدة الجوال وبرامج التلفاز فينا من دون نقد منطقي ، وهذا يعني أن قدراتنا على اتخاذ القرارات أو إصدار الأحكام تتأثر بما نشاهده يومياً.
فأدمغتنا تمر بعملية مشابهة لعملية التنويم المغناطيسي ، وقد تم الكشف عن وجه الشبه بين التحكم في عملية التنويم المغناطيسي وبين تأثير الجوال و التلفاز في كتاب د. أريك سيجمان ، والذي يصف فيه التنويم المغناطيسي بأنه "حالة يقظة معدلة", مثل المشي أثناء النوم ، إذ يكون العقل واقعاً تحت تأثير آخر .
وفي التنويم المغناطيسي يكون الشخص الواقع تحت تأثير المنوم المغناطيسي أو الطبيب متجاوباً تماماً مع الأوامر الصادرة إليه ، كأن يطلب منه المزاول الاسترخاء أو غير ذلك ، ونحن حين نفعل ذلك يحدث تغيير في الفص الجبهي من الدماغ مما يجعله أقل اتصالاً مع الدماغ ، فالتنويم المغناطيسي يتسبب بشكل فعّال بتغير في وظيفة العقل فنستخدم الجانب الأيمن من الدماغ فقط ، ونهمل الجانب الأيسر المستعمل للتفكير النقدي.
وفي حين نعدّ التنويم المغناطيسي حلاً غير عادي لحالات معينة ، إلا أنه لا يستغرق سوى 30 ثانية مع التلفاز ، وهذا ما توصل له البروفيسور هربرت كروجمان في دراسة أجريت عام 1971 ، وكان استنتاجه أننا لا نفكر في المعلومات المبثوثة عبر التلفاز ، بل نكتفي بالتلقي ، وبعبارة أخرى فالتلفاز هو شكل من أشكال غسيل الدماغ.
والبقاء أمام الجوال والتلفاز لبعض الوقت يعني أننا نصبح أقل ابتكاراً في حل المشكلات ، وأقل قدرة على التركيز ، وهذا يناسب بعض البيئات , ففي امريكا , يستخدم التلفاز لإبقاء المساجين هادئين . وهذه الوسيلة يعدّها الأمين العام لجمعية مدراء السجون من أفضل أنواع آليات السيطرة ، فالسجناء يعرّضون لآثار التلفاز المخدرة التي تخضع سلوكهم , والفائدة الأخرى هي أن هذه وسيلة رخيصة الثمن وفعّالة لأداء هذا الغرض.
إن الفص الجبهي هو جزء مهم من الدماغ ، فهو يمثل نشاط إداري يضمن ضبط النفس والحكم الأخلاقي والانتباه ، وهو الذي يخطط وينظم الأمور بتسلسل ، والأمر المقلق هو أن الفص الجبهي قد يتضرر بسبب مشاهدة التلفاز والجوال، وضرره أكبر عند الأطفال ؛ لأن الفص الجبهي يكون في حالة نمو متسمر حتى يبلغ الإنسان سن العشرين ، وعندما يشاهد الأطفال التلفاز والآيباد فإن الفص الجبهي لا يعمل شيئاً ، مما يتسبب بعرقلة النمو.
وأشارت دراسة في الإتحاد العالمي لعلم الأعصاب إلى مخاوف حول تأثير وسائل الإعلام البصرية الإلكترونية (بما فيها التلفاز ) في الأطفال بسبب إعاقة نمو الفص الجبهي الذي يؤثر أيضاً على قدراتهم على التحكم بالتصرفات العدائية عند اللعب والتفاعل مع الآخرين ، فالألياف الموجودة في الفص الجبهي بحاجة إلى أن تنمو وتتكاثف وتكوّن وسيلة اتصال قوية بالخلايا العصبية.
وليست هي المعلومات ذاتها التي تسبب المشكلة, بل الوسيلة بشكل ما , فنحن نتصل كهربائياً بالجوال والتلفاز ممكنين للمعلومات لتُمتص ( أية معلومات ) ، وتحدث هذه الوسيلة في داخلنا حالة سلبية للاتصال . فلو استقبلنا المعلومات بلا وعي, فما الذي يمكن أن تفعله هذه المعلومات في طريقة تفكيرنا وتصرفنا؟ بالطبع, فإن الوسيلة هي الأنسب للمُعلنين .
إلى أي حد يتم التأثير فينا بآراء الآخرين الذين يظهرون على شاشة الجوال و التلفاز؟ اسأل نفسك كيف وصلت إلى رأيك (في أي شأن عام) ، هل كان رأي شخص آخر فقمت أنت لا شعورياً بقبوله ؟ هل رأيك حول آخر حدث إعلامي عالمي طبعاً كل حدث يتم تشكيله بناءً على ما تسمع؟ وهل تجد نفسك تجادل باندفاع حول قضية ثم تسائلت كيف أو حتى لما كانت لديك وجهة النظر تلك؟
الجانب الآخر بشأن التلفاز هو اعتبار الكم من المعلومات السلبية التي يتم بثها منه ، فتوجد قصص قليلة ملهمة ومحفزة ، ولهذا فإن بعض المجموعات تنصح بالابتعاد عن التلفاز والصحف ولاسيما الأخبار لما يرونه كأثر سلبي محتمل على التفائل والتفكير الإيجابي والثقة بالنفس .
اعمل تجربة وتوقف عن مشاهدة التلفاز لبضعة أيام أو أسبوع , ثم قيّم كيف تشعر بشكل عام. وحينما تبدأ في مشاهدة التلفاز مرة أخرى, قيّم مرة أخرى.
ففي الوقت الذي يمكن لنا أن نعتني فيه بأجسادنا, ونتناول الطعام بشكل جيد وممارسة التمارين الرياضية, فيجب علينا أيضاً العناية بأجسادنا العقلية وتغذيتها بالتحفيز الإيجابي. في بيئة إيجابية نصبح إيجابيون ونؤثر في الآخرين ليكونوا إيجابيين.
لكم شكري....
=============
در السحابة في مناقب الصحابة
منصور بن محمد فهد الشريده
@Aboesam742Are
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
زكى الله جل وعلا صحابة رسول الله ﷺ الكرام في كتابه الكريم في غير ما آية ، فقال تعالى :{ والسابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم }[ التوبة : ١٠].
وقال الله تعالى : ﴿ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } [الحشر : ٨ ، ٩ ].
وقال تعالى: (( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً )) [الفتح :١٨].
ففي هذه الآيات وغيرها بيان فضل الصحابة رضوان الله عليهم ومناقبهم ، وعظم ما امتن الله به عليهم دون سائر الأمة ، كيف لا وهم أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ونقلة الوحي من بعده ، ، ويؤيد هذا البيان ماجاء في السنة المطهرة في أحاديث كثيرة اكثر من أن تحصر ، ومنها الحديث المعروف :( لاتسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ).
ولاتزال عقيدة المسلمين على إجماع حبهم وتوقيرهم ومعرفة منزلتهم حتى نبتت نابته من أهل الرفض وأذنابهم ، فأخذوا يطعنون في الصحابة ويسبونهم ويشتمونهم مخالفين بذلك الكتاب والسنة وسلف الأمة ، فانبرى لهم الأئمة وبينوا خطر طعنهم وأن القدح في الناقل مسلتزم القدح في المنقول ، فاتخذ كثير من الزنادقة الطعن في صحابة رسول الله ﷺ مطية لتعطيل الشريعة السمحة.
قال الإمام الطحاوي: "ونحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم ، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ، ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في عقيدته: «فمن أحبهم، وتولاهم، ودعا لهم، ورعى حقهم، وعرف فضلهم، فاز في الفائزين ، ومن أبغضهم، وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم إليه الروافض والخوارج لعنهم الله، فقد هلك في الهالكين….».
رَحِيمٌ﴾.
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)).
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة أو الإجماع، من فضائلهم ومراتبهم» إلى أن قال: «ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، من أن أخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي رضي الله عنهم، كما دلت عليه الآثار، وكما أجمعت الصحابة على تقديم عثمان في البيعة ….».
ويقول الإمام المقرئي أبو عمر الداني في كتابه الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة «ومن قولهم أن يحسن القول في السادات الكرام، أصحاب محمد عليه السلام، وأن تذكر فضائلهم، وتنشر محاسنهم، ويمسك عما سوى ذلك مما شجر بينهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)). يعني إذا ذكروا بغير الجميل، ولقوله: ((الله الله في أصحابي))، ويجب أن يلتمس لهم أحسن المخارج وأجمل المذاهب لمكانهم من الإسلام وموضعهم في الدين والإيمان».
ويقول علامة قطر الشيخ أحمد بن حجر البوطامي رحمه الله تعالى رحمه الله: «وأجمع أهل السنة سلفاً وخلفاً من أهل الفقه والحديث والتفسير والكلام، على تنوع مذاهبهم: أن الواجب الثناء على أصحاب رسول الله، وحبهم والاستغفار لهم، والترحم عليهم، والترضي عنهم، وموالاتهم، وعقوبة من أساء فيهم القول …..».
ابو الحسن الأشعري: أثنى الله -عز وجل- على المهاجرين والأنصار والسابقين الى الاسلام، ونطق القرآن بمدح المهاجرين والأنصار في مواضع كثيرة وأثنى على أهل بيعة الرضوان فقال عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (سورة الفتح، الآية 18).
وقال أبو الحسن الأشعري –رحمه الله-: (وكل الصحابة أئمة مأمونون، غير متهمين في الدين، وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم، وتعبّدَنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم، والتبرّي من كل من ينقص أحداً منهم -رضي الله عنهم أجمعين-). [الإبانة عن أصول الديانة، لأبي الحسن الأشعري، (ص260)]
وقال القحطاني في نونيته:
حب الصحابة والقرابة سنة ::: ألقى بها ربي إذا أحياني
وقال أبو العباس ابن تيمية في لاميته:
حب الصحابة كلهم لي مذهب ::: ومودة القربى بها أتوسل.
قال القاضي الشوكانيّ في تفسيره عند الآية السابقة: "أمرهم الله بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغِلَّ للذين آمنوا على الإطلاق، فيدخل في ذلك الصَّحَابة دخولاً أوَّلياً لكونهم أشرف المؤمنين، ولكون السِّيَاق فيهم، فمن لم يستغفر للصحابة على العموم، ويطلب رضوان الله لهم، فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية، فإن وجد في قلبه غلاً لهم فقد أصابه نزغٌ من الشيطان، وحلّ به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه ... فإن جاوز ما يجده من الغِلِّ إلى شتم أحد منهم فقد انقاد للشيطان بزمام، ووقع في غضب الله وسخطه. وهذا الدَّاء العضال إنما يُصاب به من ابتلي بمعلِّم من الرَّافضة، أو صاحب من أعداء خير الأمَّة؛ الذين تلاعب بهم الشيطان، وزيّن لهم الأكاذيب المختلفة، والأقاصيص المفتراة، والخرافات الموضوعة ... وما زال الشيطان الرَّجيم ينقلهم من منزلة إلى منزلة، ومن رُتبة إلى رُتبة، حتى صاروا أعداء كتاب الله وسُنَّة رسوله، وخير أُمَّتِه، وصالحي عباده وسائر المؤمنين، وأهملوا فرائض الله، وهجروا شعائر الدين، وسعوا في كيد الإسلام وأهله كل السعي ورموا الدين وأهله بكل حجر ومدر، والله من ورائهم محيط." ا.هـ [فتح القدير للشوكاني (5/268-269)].
وقد قال إمامنا مالك بن أنس –رحمه الله-، لما ذكر هذه الآية: (قسم الله تعالى الفيء؛ فقال: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم" ثم قال: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا" الآية، فمن لم يقل هذا لهم فليس ممن جعل له الفيء) (أسنده عنه الحميدي في أصول السنة، (مسند الحميدي 2/546)).
وقال مجاهد - رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) قال:"بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين." [أسنده عنه ابن عبد البر – رحمه الله – في (الاستيعاب)، (1/47)].
وقال شيخ المالكية أبو عمر ابن عبد البر النميري: "ونحن وإن كان الصحابة - رضى الله عنهم - قد كُفِينا البحث عن أحوالهم، لإجماع أهل الحقِّ من المسلمين وهم أهل السُّـنَّة والجماعة على أنهم كُلَّهُم عُدُولٌ، فواجبٌ الوقوف على أسمائهم، والبحث عن سيرهم وأحوالهم، ليُهتدى بهديهم، فهم خيرُ من سُلِكَ سبيله واقتُدِي به." ا.هـ [(الاستيعاب في معرفة الأصحاب)، (1/9)]
وقال الخطيب البغداديُّ – رحمه الله- بعد أن ساق جملةً من أدلّة الكتاب والسُّـنَّة الدَّالّة على فضلهم وعدالتهم: "فلا يحتاج أحدٌ منهم مع تعديل الله تعالى لهم؛ المطلعِ على بواطنهم إلى تعديل أحدٍ من الخلق لهم ... على أنّه لو لم يَرِدْ من الله عز وجل ورسوله فيهم شيءٌ مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها؛ من الهجرة والجهاد والنُّصرة وبذل المهَج والأموال، وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين، وقوّة الإيمان واليقين القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدّلين والمزكَّيْن الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين، هذا مذهب كافَّة العلماء، ومن يُعتدّ بقوله من الفقهاء." ا.هـ [(الكفاية في أصول علم الرواية)، (1/186-187)]
وإن من سعادة الدنيا وأسباب النجاة في الآخرة أن يتولّى المسلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وأزواجَه، والصالحين من أهل بيته، فإنه بذلك يكون محبّاً ومتوليّاً لمن أخبر الله بمحبته لهم، ورضاه عنهم، وبشَّرهم بجنَّته، بعد أن اصطفاهم وفضلهم على كلّ من سواهم دون الأنبياء، وهذا ما وفّق الله إليه أهل السُّـنَّة قاطبةً، فأعلنوا الولاء لأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأزواجه، في غير إفراط ولا تفريط، وتتابعوا على ذلك وتوارثوه كابراً عن كابر، قال الطّحاويّ مقرّراً عقيدة أهل السُّـنَّة: (ونُحِبُّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نُفَرّط في حبّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، وحبُّهم دين، وإيمان، وإحسان، وبغضهم كفرٌ ونفاق وطغيان). [العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العزّ، ص(689) ]
وقال: (ومَن أحسنَ القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كلّ دنس، وذرياته المقدسين من كلّ رجس، فقد برئ من النفاق). [العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العزّ، ص(737)]
وقال أبو الوليد الباجي المالكي في وصيته لولديه: (وأشربا قلوبكما محبة أصحابه أجمعين، وتفضيل الأئمة منهم الطاهرين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، -رضي الله عنهم-، ونفعنا بمحبتهم، وألزِما أنفسكما حسنَ التأويل لما شجر بينهم، واعتقادَ الجميل فيما نقل عنهم....) اهـ. [وصية أبي الوليد الباجي لولديه (ص43)]
قال أبو زرعة رحمه الله-: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنَّه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حقٌّ، والقرآن حقٌّ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسُّنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُّـنَّة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة) [أسنده الخطيب في الكفاية، (1/177)].
وقال إمام أهل السُّـنَّة أحمد بن حنبل –رحمه الله-: (إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام).
وقال الإمام البربهاريّ –رحمه الله-: (واعلم أنَّ من تناول أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنَّه إنَّما أراد محمداً صلى الله عليه وسلم وقد آذاه في قبره) [شرح السُّـنَّة، للبربهاري، ص(114)].
وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: "لا تسبوا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فلمقامُ أحدهم ساعة خيرٌ من عبادة أحدكم أربعين سنة".
قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلبَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه".
وقال أيضًا مخاطبًا أصحابه: "أنتم أكثر صلاة، وأكثر صيامًا، وأكثر جهادًا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم كانوا خيرًا منكم"، قالوا: فيمَ ذاك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: "كانوا أزهد منكم في الدنيا، وأرغب منكم في الآخرة.
وقال الحسن البصري - رحمه الله -: "إنَّ أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا أكياساً، عملوا صالحاً، وأكلوا طيباً، وقدموا فضلاً، لَم يُنافسوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يجزعوا من ذلها، أخذوا صفْوها، وتركوا كدرها، والله ما تعاظمتْ في أنفسهم حسنةٌ عملوها، ولا تصاغرت في أنفسهم سيئةٌ أمرهم الشيطان بها.
قوله: "ولا نُفَرِّط في حبِّ واحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، وحبهم دين وإيمان وإحسان".
يقصد بذلك الرد على الروافِض والنواصب؛ فإن الرافضة يُكَفِّرون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعتقدون أنهم كفروا إلا ثلاثة منهم؛ بل يعتقدون أنه لا ولاء إلا ببراء؛ أي: لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر، وأهلُ السنة يوالونهم كلهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدْل والإنصاف، والرافضة يغلون في عليٍّ ويرفعونه فوق منزلته، أما النواصب، فإنهم يسبون عليًّا، ويبغضون آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
قال يحيى بن معين في تليد بن سليمان المحاربي الكوفي: "كذاب، كان يشتم عثمان، وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دجال، لا يُكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
ولله در القائل:
لاَ تَرْكَنَنَّ إِلَى الرَّوَافِضِ إِنَّهُمْ *** شَتَمُوا الصَّحَابَةَ دُونَ مَا بُرْهَانِ
لُعِنُوا كَمَا بَغَضُوا صَحَابَةَ أَحْمَدٍ *** وَوِدَادُهُمْ فَرْضٌ عَلَى الإِنْسَانِ
حُبُّ الصَّحَابَةِ وَالقَرَابَةِ سُنَّةٌ *** أَلْقَى بِهَا رَبِّي إِذَا أَحْيَانِي
احْذَرْ عِقَابَ اللهِ وَارْجُ ثَوَابَهُ *** حَتَّى تَكُونَ كَمَنْ لَهُ قَلْبَانِ.

==========

 

الاندكس ب بيسو

  ✌ ✌ الرابط